د. عبد العظيم حسن المحامي يكتب : نقابة المحامين (5)
دولة القانون
نقابة المحامين (5)
الفيلسوف بن خلدون اختصر عملية الإصلاح السياسي في عبارة “العدل أساس الحكم”. فوضع الساس عند المهندسين يعني التحمل الذي يفضي لحسن الشكل والمضمون. الجرعة الشافية في المهن الطبية تكمن بالمادة الأساسية أو الفعالة. في تربية النشىء فترة الأساس هي التي ترسم ملامح النجاح. بكلمة واحدة، كل العلوم الإنسانية والتطبيقية تبحث عن وضعية الميزان.
الإصلاح السياسي أو بالأحرى إصلاح كافة أجهزة الدولة لا تُسأل عنه الحكومة وإنما محاميها، وأعني بمحاميها وزارة العدل ونقابة المحامين. المحامون يرسمون ملامح فشل أو نجاح الثورة من خلال الأساس المؤقت (الدستور). هذا الدستور يرسم النجاح الذي أساسه العدل وما يتطلب من استقلال للقضاء وكيفية اختيار رئيسه، وزارة العدل، نقابة المحامين، النيابة العامة، وغيرها من أجهزة الخدمة المدنية. نجاح المنظومة العدلية هو الضامن لنجاح كل الأجهزة. أي يكفي الدولة نجاحاً أن تُعنى بأجهزة العدالة وتترك كافة الخدمات بما فيها الأمن، الصحة والتعليم للقطاع الخاص.
لارتباط المحاماة الوثيق بكافة أجهزة الدولة، فصلاحها وفسادها يتجلى من خلال أوضاع المحامين ومدى تأهيلهم وتدريبهم. بجميع الدول ما من قاض أو مستشار أو وكيل نيابة أو موظف ارتشى أو أفسد إلا وكان للمحامين نصيب. إصلاح المنظومة العدلية يتحقق بتصدي نقابة المحامين لعملية الإصلاح بمهنية. لتكون النقابة محترفة، فعليها أن تصلح ذاتها بتفعيل استقلاليتها ومن ثم تحقيق مراميها النقابية المتمثلة، ضمن أشياء أخرى، في إصدار قانون المحاماة والعمل على إجراء انتخابات حرة ونزيهة. أول نقابة محامين منتخبة يقع بكاهلها تحرير معهد العلوم القضائية والقانونية. المنظومة العدلية في أمسّ الحاجة لمعهد مستقل يؤهّل ويدرّب كل عضوية المنظومة تحت اسم “معهد التدريب القانوني”. هذا المعهد هو المنبر الوحيد الذي يجمع ويمكن أن يحقق أهداف تلك المنظومة. ليضطلع بذلك، فالمعهد يجب أن يكون تحت الإدارة الجماعية والمشتركة لأصحاب المصلحة من محامين، قضاة، وكلاء نيابة، مستسارين بوزارة العدل فضلاً عن أساتذة القانون.
بالنظام البائد، ولأسباب شخصية، المعهد القانوني ظل تحت إشراف رئيس الجمهورية. بنص الوثيقة الدستورية أصبح المعهد ضمن مهام رئيس الوزراء بيد أن الواقع ما زال غامضاً. المعهد بإمكانه أن يسدي أدوار عظيمة واستعجال إصلاح المنظومة العدلية عبر التخطيط العدلي الاستراتيجي، التنسيق مع مجلس تنظيم مهنة القانون علاوة على الدور الطبيعي في التأهيل، التطوير والتدريب المستمر لكافة المحامين، المستشارين القانونيين ووكلاء النيابة. رغماً عن هذه الأهمية إلا أن السؤال الذي ظل يتردد: لماذا لم تتحرك نقابة المحامين أو على الأقل تدفع رئيس الوزراء ولجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين للقيام بالخطوات الضرورية لتفعيل دور المعهد في عملية الإصلاح القانوني؟
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
24 يوليو 2021