دولة القانون
النائب العام (3)
فشل اضطلاع النيابة العامة بدورها سيستمر كنتاج طبيعي لفرضها بالمنظومة العدلية دون دراسات أو تأهيل أو حسن اختيار الكوادر. في هذه الظروف التي تغيب عنها الإرادة، فإن أخطر مساوئ النيابات قصر حق تحريك الدعوى والتحري فيها على وكلاء النيابة. أي أن النائب العام هو الوحيد الذي يملك استعجال الإجراءات وتقديم أي شخص لمحاكمته عن أي جرم مع استمرار حظر القضاء في أن يراقب أو يأمر بإعادة الأوراق لضم أي شخص ولو كان من المفترض أن يكون المتهم الرئيس طالما لم يرد اسمه بلائحة الاتهام التي تقدمت بها النيابة عند البدء بالإجراءات.
إن النائب العام ليس المسؤول عن حفظ الدماء والأموال والحريات وحسب، وإنما عليه تطبيق كل ما يبث الأمن والطمأنينة وسلامة المجتمعات ووقايتها من كافة الجرائم قبل وقوعها. بالدولة المدنية النائب العام يتمتع بصلاحيات قانونية واسعة سواء قضائية أو شبه قضائية بما في ذلك فرض هيبة الدولة وإنفاذ القانون. بتبني نظام النيابة العامة يتضاءل دور رئيس القضاء لدرجة قد يذوب منصبه في النائب العام الذي يشترط فيه أن يكون مستقلاً، قوياً وغير مطعون بتوجهاته ليحوز ثقة المواطنين وتولي شؤونهم الجنائية. بكلمة واحدة، ارتضاء نظام النيابة العامة، يجعل النائب العام الجسر الأوحد لبلوغ للعدالة الجنائية وإلا فالفوضى.
ثورتنا المجيدة ومنذ مرحلة صياغة الوثيقة الدستورية مرت بمنعطفات كثيرة وخطيرة كل واحدة منها كانت كفيلة للفت الانتباه بضرورة قيام مؤسسات دستورية حقيقية وليست غائبة أو معطلة. فالمجلس التشريعي ورغماً عن النص على قيامه ومزاولة أعماله خلال تسعين يوماً إلا أنه، وعن قصد، لم يتم تشكيله. الواقع ينبىء بأنه وحتى إذا تشكّل فلن يكون إلا خيال مآتة. نفس الزول الذي عطّل المجلس التشريعي رفض إصدار قانون مجلس القضاء العالي ليتسنى اختيار رئيس القضاء وقضاة المحكمة الدستورية. ذات الجهة عطلت قانون النيابة العامة فتأخر التئام مجلسها الأعلى واختيار النائب العام. ببساطة كان وما زال القصد أن تظل الثورة مشلولة فتتعالى أصوات المطالبة بوأدها برصاصة الرحمة، ولكن هيهات.
للقول بالتغيير الحقيقي لا يكفي مجرد إنهاء تكليف النائب العام ورئيس القضاء وإنما يصاحب الخطوة الدفع ببدائل مؤهلة بكل مكونات المنظومة العدلية. الثورة بحاجة ماسة لأن يطال التغيير الحاضنة المتمثلة في اللجنة القانونية للحرية والتغيير وبالمرة لجنة تسيير نقابة المحامين. بكل صراحة، لا يجوز أن يلازم الصمت هاتين اللجنتين ليكون غاية ما بوسعهما المشاركة المحدودة، ومن بعض عضويتها، في وقفات احتجاجية استحت اللجنتان حتى في تبنيها وتنظيمها، فكان ان قادتها قوى أخرى. الواقع إن لم يتم تداركه من حكماء القانونيين فسيستمر مسلسل أتيان الثورة من بوابة العدالة التي يُجمع الكافة بأنها أضعف حلقات الثورة.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
5 أغسطس 2021