د. عبدالكريم محي الدين يكتب : خطر التسوية المرتقبة
د. عبدالكريم محي الدين يكتب : خطر التسوية المرتقبة
عجت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن تسوية سياسية بين العسكر و بين قحت المجلس المركزي ما بين الرافض و المؤيد لها و الساخط عليها فما هي تلك التسوية و من الذي وراها و من المستفيد الأول و من الخاسر ؟
التسوية حصرت المشكلة بين العسكر و غرمائهم المبعدين في الخامس و العشرين من اكتوبر العام الماضي و لم تلتفت لمكونات سياسية أخرى و الهدف الأساسي لها اعادة الوضع لما قبل إجراءات البرهان الاكتوبرية …
ذلك يتضح من تسميتها ( تسوية ) و يتضح من اجرائها في الخفاء ( سكتم بكتم ) و يتضح من حصرها بين طرفيها و يتضح ايضا في موضوعها ( معالجة اختلافاتهما ) بوضع وثيقة جديدة خلاف الوثيقة الدستورية لعام 2019 …
هذه التسوية – و لا أجد لها مسمىً غير ذلك – الوسيط الوحيد فيها هي مجموعة الأربعة ( الرباعية ) و التي تتمثل في المملكة المتحدة و الولايات المتحدة الأمريكية اضافة الى المملكة العربية السعودية و دولة الإمارات و كذب من ادعى انها تفاهمات إذ أن التفاهمات تأخذ في موضوعها الأجندة الوطنية و جذور الأزمة و لكن التسوية فقط تعرضت لأسباب الاختلاف بين العسكر و قحت و عملت على معالجة تلك الخلافات كما سنبين لاحقا …
ركزت التسوية على ابعاد العسكر عن ممارسة السياسة و جعله تحت إمرة المدنيين و اجتهدت في دمج الدعم السريع و الحركات المسلحة في الجيش و قيام مجلس اعلى للقوات المسلحة بالمكونات الثلاث ( برغم من ادعاء الدمج ) مع إنشاء مجلس أمن برئاسة رئيس الوزراء المدني …
التسوية تجعل وزارة الدفاع ووزارة الداخلية من نصيب المدنيين كما تبعد العسكر عن اي تدخلات في إجراءات و كيفيات تشكيل القضاء و النيابة العامة و بنك السودان بل التسوية لا تقر إلا بدولة المدنيين ( الدولة المدنية هي خلاف دولة المدنيين ) …
و الحقيقة التي تجب اشاعتها و تمليكها لكل سوداني ان هذه التسوية ما هي إلا عبارة عن تسليم و تسلم و أي حديث غير ذلك فهو حديث خارج الهدف و الغاية …
و بالتأكيد أن قحت المركزية و من ورائها مجموعة الأربعة ( اربعة مهولة ) هي المستفيد الأول من التسوية إذ أن إعلانها السياسي المرتقب يعطيها الحق في تشكيل الحكومة المركزية و المجلس التشريعي القومي و القضاء و النيابة و الحكم الاتحادي و المحلي و يعطيها حق تشكيل الشعب السوداني و تغييره الجذري …
ان سمح العسكر بقبول هذه التسوية المعيبة فقد سمحوا بانهيار و تفتيت الدولة السودانية و قبلوا بحبال المشانق و اصبحوا عملاء تنفيذ لخطة الأمريكان في السودان و أفريقيا و أصبحوا أداةً من أدوات الظلم و الةً من آلات الحرب الغربية على الشعوب المستضعفة و الدول المستنزفة …
لست متفائلا أبداً بنتائج رفض العسكر للتسوية فقد تكون هي الحرب الأهلية لا غيرها إذ مهدت المجموعة التي ترعى التسوية بتدخلها بين الجيش و الدعم السريع و الحركات المسلحة و عملت على خلق التباعد و تعقيد الأزمة و رزع العملاء و ذلك اتضح من بعض تصريحات زعماء ادارات أهلية و حكام إقليميين و قادة جهويين …
ومهما تكون من نتائج ستكون اخف قدرا من تمكين الأجندة الأجنبية في البلاد لأنها هي القائد لذات النتائج فيما بعد و على الجيش إسقاط التسوية الملغومة و الاستناد على القاعدة العريضة التي تدعمه من الشعب السوداني و عليه ألا يهتم بالضغوط الغربية و يستفيد من المعطيات الإقليمية و الدولية و يكون فاعلا في صناعة التغيير الدولي و تشكيل محاوره الجديدة …