مقالات

د عبدالكريم محيي الدين يكتب : هذا التغيير أولا

هذا التغيير أولا

د عبدالكريم محيي الدين

الأحزاب السياسية السودانية نشأت على حساب بعضها البعض و لا تمارس ساسة التشاركية في الوطن ولا المنافسة الشريفة و انما تبني نجاحها على إفشال المنافس و إقصاء المصاحب …

وهي في سبيل الهيمنة على السلطة يمكنها بيع كل شيء حتى الوطن نفسه و الشعب ذاته و يمكنها ان تتعاون مع الأعداء التقليديين للبلاد و الطامعين في ثرواتها و مواقفها الدولية …

و اثر ذلك هي تعمل على الاستحواذ على الجيش و الأجهزة الأمنية و على الخدمة المدنية و كل شريان يضخ دم الوطن تريد ان تقف عنده و تبني محابسها على قنواته …

فعقيدة الأحزاب السياسية السودانية هي المصلحة الحزبية و ثراء الكوادر القيادية باعتبار ان الثراء وسيلة لقيادة المجتمع و شراء التبعية ووسيلة كبرى للتحكم في الاقتصاد الوطني …

ذلك ما أظهرته الممارسة السياسية بعد سقوط نظام البشير اذ سعت احزاب الحرية و التغيير الى سحق منافسيها و تجفيف مواردهم المالية و البشرية عبر ما يسمى بلجنة ازالة التمكين …

عملت اللجنة على احتلال المواقع القيادية في الخدمة المدنية و في الشركات الحيوية كشركة الكهرباء و المياه و تعمل جاهدة على دس كوادرها في الجيش و البوليس و اجهزة الدولة الأمنية و مكاتب الدستوريين و استماتت هذه اللجنة و أحزابها في الأخذ بناصية السفارات و علاقات البلاد الدولية …

و قاتلت قوى الحرية و التغيير على قلة كادرها و تواضع نوعيته و على قلة شعبيتها الجماهيرية أن تكون هي وحدها موسسات الدولة الرسمية و الشعبية و أن تكون وحدها هي السلطة القضائية و العدلية و أن تكون هي وحدها الخصم و الحكم و الجلاد …

فعجل ذلك بانهيارها و انقلابها على بعضها و احترابها في نفسها و ألجأها إلى الاستقواء بالأجنبي و التنازل عن الأجندة الوطنية و اكسبها التناقض الذاتي و ازدواجية المعايير و افلاس الخطاب السياسي و الإعلامي …

و قوى الحرية و التغيير مثلها و مثل أي حزب قام على انقاض غريمه لم تدرك قيمة التعاون و لم تصل الى حقيقة قبول الآخر وهي إلى الان تسعى الى ايجاد وثيقة دستورية تعمل على الإقصاء و الشيطنة و التمكين …

ما وصلت له الدراسات و توصلت اليه القوى السياسية هو ان منصة قيامها و منطلقات ممارستها السياسية لم تكن وطنية الأهداف و الوسائل و لم تضع الهم الوطني هاديا لها حين يجهل الرشيد او تختلط الأمور و فوق ذلك كله غابت الروية للدولة و للمجتمع و غابت ثوابت و متغيرات الاستراتيجيات و الخطط …

و ما تحتاجه البلاد هو ليس إصلاح اقتصادي فقط أو توافق سياسي عابر و انما تحتاج تغييرا مجتمعيا و سلوكيا عميقا يعمق الرشد و يعلو بالوعي إذ أن كل معالجات الأزمة السودانية ترتكز على منصة الأخلاق و الإخلاص …

و أية معالجة لجذور الأزمة لا تبدأ بمعالجة الممارسة السياسية نفسها بوضع مواثيق اخلاقية شاملة يتضمنها الدستور و تحميها القوانين تكون معالجة فوقية فاشلة كدهن الحديد قبل ازالة الصدأ و كبناء القصور فوق كثبان الرمال …

قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ نسال الله الا يوقع بنا سوءا لسوء أنفسنا و يهدينا لتغيير السوء بالخير و تبديل الظلم بالعدل …

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى