مقالات

د. عبدالفتاح سليمان يكتب : لله درك ياشيرين ” تغيظين العدو حتى في الممات.

لله درك ياشيرين ” تغيظين العدو حتى في الممات.

د. عبدالفتاح سليمان •

طوبى للجسد الذي يتناثر مدنا قالها محمود درويش عند استشهاد الصحفي غسان كنفاني وفي العام الذي استشهد فيه كانت شيرين ابوعاقلة تخطو نحو عامها الثاني ، وعندما وعت الوطن من حولها تذكرت الشهيد فحملت رأيته وقلمه ودفاتره وانطلقت غير عابئة بمخاطر المهنة كأنما ارادت ان تنتقم ل غسان من قاتليه فادت رسالتها حتى نالت الشهادة التي نالها.
بمجرد إفاقتي من وقع خبر استشهاد شيرين الصادم بادرت إلى وضع صورتها على الأيقونة ونادرا ما افعل ، وما أن رآها زميل دراستي عبدالله بشارة حتى علق مصدوما ( الله ماتت الميتة التي تستحقها ! ).
من المحزن أن يتحول الشخص الذي يصنع الحدث إلى أن يكون الحدث نفسه .يقولون أن الاشجار تموت واقفة وهكذا ماتت شيرين جوار شجرة وهى تقوم بمهمتها وواجبها المهني رفضا للإنحناء والانكسار وهكذا هم اصحاب المواقف والرسالات والقضايا العادلة عاشت في كفاح من أجل خدمة رسالتها المهنية ووطنها شهيدة في سببل دولة لم تشهدها لكنها ساهمت في وضع إحدى لبناتها . يصعب عليك ان تحدق في الموت ولكن شيرين نصري انطون ابوعاقلة كانت ترى الموت في كل خطوة تخطوها وفي كل لحظة تعيشها كانت مشروع شهيد منذ التحاقها بالمهنة تاركة الهندسة المعمارية التي تشبه طلتها وقوامها المركوز .
من خلال متابعتي ليومياتها تقول أنها كانت تقوم ذات مرة بتغطية صحفية في بيت جالا فتقدمت نحوها دبابة اسرائيلية بسرعة الشئ الذي اضطرها إلى القفز بسرعة في حفرة بين بنايتين مما اصابها بشرخ في رأسها ، وبموت شيرين يكتمل هذا المشروع الذي كانت تتوقعه لكنها لم تكن تدري متى تكون نهايته.وهكذا انجزت شيرين مشروعها الاستشهادي من أجل الوطن ومن أجل حرية الكلمة وأن تموت واقفا خيرا من ان تعيش على ركبتيك فالضحية تموت مرة بفعل الجلاد اما الجلاد فيموت كل يوم لأن الخوف من الموت هو الموت ( ابراهيم الكوني ).
كيف لهم أن يقتلوها وهم يرونها كل يوم على الطرقات وبين الأزقة وفي الملاجئ والمخيمات والمعابر وتحت حمم النيران ودخان القذائف بسترتها الزرقاء وصرامتها البائنة وابتسامتها النادرة التي تخبئ الكثير من الأسرار لو ان قاتلها رأى ما جلبه على نفسه من إهانة واحتقار لكان اهداها وردة لا أن يقتنصها برصاصة لكن العدو أراد اسكاتها إلى الأبد لقناعته أن الكلمة أقوى من الرصاصة وموت شيرين وحد الفلسطيين رغم اختلافهم ووحد الاعلام على تباينه ومن غباء العدو أن يغتالها في شهر إيار شهر الحريات ( اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 أيار ) اليوم الذي شعاره التدفق الحر للأفكار عبر الكلمة والصورة.
علامة الرضاء والسعادة هى التي تجلب لك محبة الناس، والحشود التي تقاطرت على الحداد دليل على محبة الناس لشيرين ومكانتها في افئدة مشاهديها ومتابعيها.
أمي عليها الرحمة لم تكن تهتم بمتابعة التلفاز لكنها كانت تحتفي بمقدم شيرين عندما تطل من على الشاشة تراها فرحة جزلة تجدها تردد (شيرين شيرين ) . بوفاة شيرين ادركت مدى محبة الناس لهذه الفتاة المقدسية لا ادري سر هذا الحب لعل الله يخبئ عنا مكرمة لهذه الفتاة العازبة المتبتلة ترى ماهى الصدقة الخفية التي كانت تقدمها حتى تحظى بكل هذا الحب !

دمك الذكئ شذا الربيع تفجرا

وانساب في كل البلاد وعطرا

نلت الشهادة ياشيرين بخ بخ

خير المنازل قد نزلت بلا امترا

لم تنكصي ورصاصهم في فورة

أو تهربي والموت لاح مشمرا

قيل اختبئ قلت الشهادة مغنم

وترقب الوطن الذبيح مع الدنى

خبرا بصوتك عاجلا ومبشرا

لم يأتي صوتك في الجزيرة عاجلا

وأذيع نعيك عاجلا يامن يرى

شيرين قد رحلت شهيدة موطن

من بعد ما فضحت خسيسا ابترا

بنت المسيح هنا كبنت محمد

هن الشقائق والحرائر فانظرا

شيرين قد وهبت دماها واستوت

أيقونة الأحرار من كل الورى

فدعوا البكاء واطلقوا زغرودة

تبنى بفجر قد أطل وازهرا

( الشاعر محمود مرعي )

لقد انجزت شيرين رسالتها المهنية على أكمل وجه مضحية بشبابها وامنياتها كفتاة . عندما باغتها الإعلامي التونسي سمير وافي بالقول أن الرجال يتخوفون من إمرأة تعمل كمراسل حربي يعيش بين القنابل والغاز المسيل للدموع اجابت بشجاعة أنها لن تتزوج من رجل خائف وعندما تحب فإنها ستكون مستعدة لتقديم تضحيات . العازبة المقدسية بإجابتها تلك كأنها كانت تقرأ من قصيدة شاعر السودان الحردلو :-

ياخالق الوجود أنا قلبي كاتم سرو

مالقيت من يدرك المعنى وبيهو أبرو .

إنك ياشيرين تملكين وعيا أكبر من وعينا وذاكرة أكبر من ذاكرتنا وصمودا فوق عجزنا وانكسارنا ، صمودا اعجز قاتليك فاردوك بالسلاح الوحيد الذي يملكون .
موت شيرين وحد الناس مسيحيون ومسلمون ماتت شيرين منكفئة على أحزانها صامدة على مبادئها مستورة كما البيضة طاهرة كما البتول ماتت في سترتها وسترها لم ير الناس منها سوى يد بيضاء تلعن قاتليها ومغتصبي أرضها كانت حريصة على ستر نفسها حتى مماتها لله درك ياشيرين تغيظين عدوك حتى عند موتك.

• قانوني وكاتب .

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى