د.عبدالسلام محمد خير يكتب : حكاية الإذاعة حكاية..(لمثل هذا اليوم كانوا يعملون)
د.عبدالسلام محمد خير يكتب : حكاية الإذاعة حكاية..(لمثل هذا اليوم كانوا يعملون)
التفاؤل غلاب، برغم الحاصل..لقد سنحت فرصة لمراجعة حميمة والبلد ملتفة حول تجربة وطنية وحدت وجدانها يوما،يشتاق لها الحاضر لينجو مما يحاك لدولة(مستقلة)..التوثيق لهذه التجربة يعين على الإقتداء بمن تكلم فأنجز،تدل عليه بصمته..هناك
من ضربوا المثل فى(إقران القول بالعمل)- ضالة البلاد الآن..ذكريات عذبة يصدح بها(الرايو)ليذكرنا بذلك،وبأنه كان هناك(يوم رفع العلم)..أوهكذا توحي إلماحات من يفاخر،ونحن معه، بأن الإذاعة(كان قدرها أن تقود مسيرة النضال ضد المستعمرين الذين أنشاوها).
الدخلاء أنشأوها والوطنيون سودنوها قبل السودنة..الإذاعة تشكلت إلهاما للوطنية فى وجه الإستعمار..لا نعرف بمن نضرب المثل لمن أججوا هذا الإلهام؟..كرمت الدولة فى هذه الأثناء من وثق للإستقلال شعرا(اليوم نرفع راية إستقلالنا)-الدكتور
عبدالواحد عبدالله،مدير سابق لهذه الإذاعة ذاتها..الإلهام بالكلمة شعرا وتوثيقا وإعلاما يسيطر على سيرة الإستقلال..يحدثنا فى ذات الإثتاء من ذات الراديو بروفسور على شمو،صاحب كتاب(تجربتي مع الإذاعة)متناولا الإستقلال من خلال(وطنية
الإذاعة)..وبمذاق المفاجأة إنتقلت(النيل الأزرق)لبيته فى بث مباشر،تحاوره كشاهد عيان لأحداث رفع العلم..أفاض فكشف عن ما يثري الوجدان الوطني ..بهذا عزز البروف مؤلفاته..إنه توثيق من حضر..وعلى الهواء أيضا أطل حاضرا بذات الشاشة وزير الثقافة والإعلام دكتور جراهام عبدالقادر مهنئا يعلن عن(عام المسرح)-يا للهناء،المسرح؟!. الإصلاح؟!..أول من لاقيت من أهل الدراما علق قائلا(يا ريت)-الحلم القديم.
من باب الهناء بالمناسبة وبالمسرح وبالتوثيق-الثلاثة معا،تطل سيرة هي مثال للعمل وبتميز فى أحلك الظروف(الإذاعة السودانية في نصف قرن)-كتاب لبروفسور عوض إبراهيم عوض..ليته أعيدت طباعته وتوزيعه على شرف المناسبة وصلا لتكريم الكلمة الملهمة للحركة الوطنية..هي سانحة للتمني-أن تعلن الدولة يوما عن(عام التوثيق للحياة
السودانية)بالقلم،الصورة،الصوت،وإلهامات الإقتداء الذكي..تحفيزا للعمل بتفوق،رغم الظروف.
الكتاب من إلهامات أيام الكاتب بماليزيا،2001،عدت إليه كمرجع لبحث..كنت أعلم أنه توثيق نادر عن نشأة الإذاعة بين يدي المستعمر وبإشتراطات الحركة الوطنية:(العمل قدر المستطاع على ضبط ماتبثه الإذاعة،حتى لا يضر بالحركات التحررية
ضد الإستعمار).. فاختارت لنفسها(دور معاكس تماما لما تريده الحكومة البريطانية)..لذلك(ظل العاملون بالإذاعة يتعرضون للمساءلات والمراقبة الصارمة)الكتاب يروي،يحتفي بالإستقلال وبالإذاعة.
الكتاب يتتبع تاريخ الإذاعة التى أصبحت شهرتها أنها(وطنية)..وأنها ملتقى الإبداع وحارسة الهوية وملهمة المزاج العام المتوازن،ومصنع النجوم والمشاهير..من(مشهياته) قائمة للمذيعين،من أحببنا..إستوقفتني أسماء فى الخاطر،صالح محمد صالح-حفظه الله،عمر الجزلي-رد الله غربته،عبدالحميد عبدالفتاح- ليت نبرته تعاود،الكتبي الذى إنتزعته(الجزيرة)،خليل
الشريف لصورته الذهنية،والمذيع سر الختم عثمان- الآن مدير لجامعة عملاقة..علمت من الكتاب أنه حصل على الدكتوراة فى تركيا..أنعم وأكرم.
كم من حكاوي!.. دور الإذاعة فى(صيانة الذوق العام)و(قياة الرأي العام)و(حفظ التراث القومي)و(بلورة الهوية السودانية)بمدخل للأستاذ محمد سليمان(ما ذهب إليه البعض بأن الناس على دين ملوكهم تبدل وأصبح:الناس على دين إذاعاتهم)..إن هوية البلاد ووطنية الإذاعة مدار حديث على شرف الذكري والتفاخر المهني،كيف أسست الإذاعة هذا الكم
الهائل من الإذاعات،ولائية،متخصصة،وموجهة؟!..البرنامج الإنجليزي،الفرنسي،السواحيلي،المغتربين،الوحدة الوطنية،صوت الأمة،ركن الجنوب،البرنامج الثاني،إذاعة الشعب،صوت الموسيقى،صوت السلام..القائمة تطول،كأنما الإذاعة تقول إنها المعنية بما تصدح به هذه الأيام(ولمثل هذا اليوم كانوا يعملون)..هنيئا لها.
الكتاب يحتفي بشخصيات تركت بصماتها من مختلف الأجيال والتخصصات،وقائمة بالمديرين..سيرة مهنية وقيادية باهرة،عامرة بما يحتاجه الأداء العام اليوم..أورد الكتاب أمثلة عملية لمهنية الإذاعة بالإمكان أن تحتزى..تجارب باهرة، هي هدايا فى مقام الإستقلال.
من ذلك ما قاله مدير،الصاغ التاج حمد:(إستمر العمل فى تفان تام وكأسرة واحدة إلى أن تم إنجاز ما أسهم فى تطوير الإذاعة)..ورد أن الأستاذ على شمو كان(يدير التلفزيون بشخصيته القوية،فضلا عن صداقة حميمة)-وهذه خلاصة الإدارة الحديثة(هيبة عن محبة)..والأستاذ صالحين(لم ينضبط المظهر العام للإذاعة فى عهد كما إنضبط فى عهده..الجميع يهابون
غضبته التى ليس هناك كبير عليها..صوته يسبقه)..الاستاذ أبو العزائم(ظل لوحده جهاز إعلام بأكمله)..أما الأستاذ محمد صالح فهمي فالحذر ثم الحذر وأنت تتمشى فى دهايز الإذاعة،إنه موجود،بذات الصوت والسوط!..(مهيب فى كل شىء)..الرواية لبروف عوض ابراهيم عوض،مذيع نهل من هذا النبع وطور قدراته عالميا ليجود بالدرر على الأجيال عبر أنضر المنصات وأرقى الجامعات،فهذا طبعه-النضارة والرقي..أكثر الله من أمثاله والبلاد تنادى فى أهل الكفاءة والتجرد، صباح مساء- أن هلموا..شكرا بروف.