مقالات

د.عبدالسلام محمد خير يكتب : إلهامات عام هجري جديد..(صفحة جديدة مع أنفسنا)

إلهامات عام هجري جديد..(صفحة جديدة مع أنفسنا)
حزمة صفعات،قل مفاجآت كانت بانتظاري ومن حولي ممن بدت سيماهم فى وجوههم كحال من صعق!..للأسف يتراجع الإهتمام بأن هناك(رأس سنة)أخرى بعد(يناير)!..وضح على التو أن هناك تقويما آخر مبرورا يذكرنا بتقصيرنا فى حق الخالق والخلق..إنتبهنا بين يدي شاب من أولاد الحارة مألوف الطلة والخطاب تحول بين أيدينا إلى واعظ غاضب غيور،كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه!..توكأ على(براعة الإستهلال)وإنطلق يحبب الحضور فيما يقول وهم مشغولون بما يشغلهم..يبدو أنه فرغ توا من رصد واقعنا وما وقعنا فيه من تقصير مربك..الشواهد ماثلة،قلة الحاضرين،وتسارعهم للمغادرة فكأنما هذه(الوقفة)لا تعنيهم وهم المقصودون بخيرها..نحن هكذا نبدو مشغولين عن ما يصلح حالنا..فى الأمر قضية تؤجج حنايا متحدث غيور يرثي لحال الناس وهم يستقبلون العام الهجري الجديد وكأنه لا يعنيهم بينما الإلهامات والبركات تحلق فى الأفق،توحي بالخلاص مما أضر بالحال،ويزعزع اليقين.
(زعزعة اليقين) تتعدد أوجهها فى زمن متغير أقلق محدثنا فأخذ يحصي مظاهر تقصيرنا بدء بتأخير الصلاة،التفريط فى الجماعة،نقض العهود،قطع الأرحام،سوءالمعاملة،غلظة فى القول،عنف،كراهية،إقصاء،وما إلى ذلك مما لا يحتمل المغالطة،مثله مثل الغلاء وتدهور الخدمات والأداء العام- كنتيجة للتقصير تجاه الواجب، وتواضع الإهتداء بنهج نبى الهجرة- تخطيطا وتنفيذا ومؤاخاة وتأسيسا للدولة..الأمور متصلة،دينا ودنيا.
دروس الهجرة إنسابت..الكل منهمك فيما يعرف وما لم يكن يعرف عن سيرة سرها يتكشف لندرك أن حل معضلات المجتمع والدولة كامن هنا،فى التبصر فى دروس الهجرة، التخطيط،إتخاذ القرار،إختيار الصحبة، السرية، المؤاخاة، قبول الآخر،الإيثار وقد ضرب فيه الأنصار والمهاجرون المثل كما ورد(ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)-الحشر..مبادرات الصحابي عبدالرحمن بن عوف جديرة بأن تروى فى هذا المقام،وكل مقام.
إنطلقت هذه التجليات مصادفة..كنا مرورا بمسجد إحدى الحارات لندرك الصلاة،بعدها أدركنا أن هناك مناسبة يحتفى بها والأخذ بدروسها لإصلاح الحال..كالمفاجأة دخلنا عاما هجريا جديدا صادفنا فى الطريق!..تعاظم الشعور بأنها الهجرة التى بشرت البشرية وجملت الدنيا وغيرت مجرى التاريخ،كما تفيض الوسائط..خطاب المنابر يعلو!..ففى خطبة الجمعة إنتفض الإمام وأفاض محذرا من مغبة الوضع الراهن وأمة الإسلام تستقبل العام 1444 هذا هكذا!..تساءل مشفقا(هل تنتظرون أن يبعث الله فيكم من جديد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم)؟!..وأردف بذات اللهجة الغاضبة المحتجة(هل أنتم بانتظار قرآن كريم ينزل عليكم تارة أخرى)؟!..تبينت وجوه من يخاطبهم مناصحا ومبشرا(أقبلوا على القرآن الكريم والسنة المطهرة لتنجو مما داهمكم فينصلح حالكم)..الرسالة وصلت،لسان حالهم مهنئين بالمناسبة.
إنساب فيض من إلهام الذكرى يجدد الروح..هل من مستبصر فى دخول المدينة وملاحم المؤاخاة؟..فتح مكة(إذهبوا فأنتم الطلقاء)!..(ومن دخل بيت أبى سفيان فهو آمن)!؟..ليتنا نتعلم من الهجرة معني التقرب لله تعالى بشىء(يجبر الخاطر)..شىء من ذلك نحس بوقعه فيما حولنا..إنطلقت من منبر الحي دعوة للإقتداء بالهجرة(أن نفتح صفحة جديدة مع الله)جل وعلا..عنوان لقناعات إيمانية راسخة فى المجتمع، وقد نصادفها على ظهر ركشة(كن مع الله ولا تبالي)..الداعية جعلها دعوة للعودة للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة..إنبرى من يرى(فتح صفحة جديدة مع أنفسنا،أولا)!..ربما خطر له تقصير دليله عدد المصلين..أضاف(نعرف أنفسنا لنعرف الله ونتبع رسوله ونبر والدينا ونعمل صالحا)..عزز دعوته بآية(ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون)- البقرة.
كأنها تنزلت توا!..مصفوفة متكاملة لمعاملات تشكل(دستورحياة)..تكفي لفتح صفحة جديدة إحياء للذكرى وأخذا بدروسها،أو لم تكن الهجرة أصلا(صفحة جديدة)؟!..بقينا فى ظلال الآيات المبشرة بالتجديد فتذكرنا(إن هذا القرآن يهدى للتى هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا)-الإسراء..واستزدنا(من عمل صالحا من ذكر أوأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة)- النحل..كم من آيات،هدايا تحفز لنبدأ.
(العمل الصالح) كالإهداء،يطيب الخاطر،وهو من السنة..تذكرنا دعاء أهداه المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن أخبره أنه يحبه(اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ولا تجعلني من الغافلين)..الأثر النبوي فضلا عن أنه يعلمنا كيف ندعو،فيه ترياق لأمراض المجتمع والدولة ومن ذلك داء الكراهية..الرواية معروفة..قصة من أشار للون سيدنا بلال بما لا يليق بمقامه..بلغ الأمر الرسول صلى الله عليه وسلم فاستدعاه فكانت الرسائل الخالدة(إنك إمرؤ فيك جاهلية)..(بلال الذى سمعت خشخشة نعليه فى باب الجنة)..إنها المقامات المباركة،العمل لا النسب(وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)-الحجرات..تواتر الخطاب حميما،إعتذارا وتسامحا– كما تفيض كتب السيرة.
إستطابت المنابر والمجالس إستبشارا وإقتداء برسول الهجرة..أقبل الجميع على بعضهم مهنئين بهجرة حدثت توا،رهانها(صفحة جديدة)..أصبح بالإمكان أن يضيف الناس لدروس الهجرة من إلهاماتهم، فضلا عن ما إختزنته الذاكرة من تجارب السلف ليتحول المكان إلى ساحة لإحتفال يجدد الروح والعزائم..تذكرنا فيلم(الرسالة)..أهل المدينة يتسلقون النخيل يتحرون رؤيته عليه الصلاة والسلام..يتهاتفون مستبشرين(إنه هو)!..(إنه هو)!..وكانت(طلع البدر علينا)..ثم ملحمة بناء المسجد الذى شكل أساسا للدولة الجديدة..من يقوم بالبناء يتناول المواد من معاونيه فيفاجئنا بقوله(أانت معهم يا رسول الله)؟!.
مشهد(القصواء)شاخص..توقفت أمام بيت(الخال)والقوم كل يتمناها أمام داره..يخاطبهم صلى الله عليه وسلم(أتركوها فهي مأمورة)..ومع ذلك هناك من(يلقزونها) لتمضي!..الكل يريد(على طريقة السودانيين)أن ينال الشرف- كما يقول الشيخ المهندس الصافي جعفر،رحمه الله،بصوته ذاك..وكم فى الهجرة من إلهامات..لمن أراد إقتداء وصلاحا،أو أراد شكورا.. الحمد لله، وكل عام وأنتم بخير، مهاجرين إلى الله.
د.عبدالسلام محمد خير

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى