د.خالد النور علي حسب الله يكتب : ما هي حقيقة سيول المناقل؟
ما هي حقيقة سيول المناقل؟
في البدء وقبل الخوض في الموضوع أعلاه أود أن أشير الي أن الغرض من هذا التقرير هو البحث والتقصي بصورة علمية في حقيقة مصدر السيول التي غمرت عدد من قري المناقل وخلفت أثارا كارثية من فقد في الأرواح والممتلكات. ونسبة لطبيعة عملي في مجال المياه وخبرتي العملية في وزارة الري والموارد المائية والتي شارفت علي العشرين عام في مجال بحوث المياه و بحكم طبيعة عملي الحالي في مركز الايقاد للتنبؤات والتطبيقات المناخية الموجود في العاصمة الكينية نيروبي كمختص في مجال الهيدرولوجي، فقد وصلني عدد كبير من الرسائل التي تستقصي حقيقة الامر، وكذلك ما تمليه علينا المسئولية الأخلاقية والعملية تجاه المهنة فقد كان لابد من البحث والتقصي في حقيقة الامر لتمليك المعلومة الصحيحة التي تساعد متخذي القرار في اتخاذ ما يلزم من إجراءات مستقبلية لتجنب تكرار ما حدث في المناقل حفاظا علي أرواح وممتلكات المواطنين.
وحتي يكون التحليل منطقيا و علميا ويستند علي أدلة فكان لابد من جمع البيانات والمعلومات اللازمة لتحديد أساب الكارثة. لذلك اتبعنا طريقتين لجمع البيانات اولاهما الاتصال بالمختصين من مهندسي الري المتواجدين علي أرض الواقع والمسئولين من تشغيل قنوات الري والمصارف في المناطق التي غمرتها السيول. أما الطريقة الثانية فهي الرجوع لبيانات التوقعات المناخية والهيدرولوجية للفترة التي تزامنت مع حدوث السيول.
في البداية تحصلنا علي إفادة مهندسي الري المسئولين من تشغيل القنوات في المنطقة حيث أدلي المهندس ذو النون قسم السيد مهندس الرئاسة بقسم ري المختار بالاتي:
” حقيقة الامر أن السيول أتت بمسار محازي لفرع الشوال ابتداءا من منطقة الدوحة و التومات القصيراب ،فحل الشايقية، و الكتير و ام حمراء و الطليح العشاء. و عندما يرتفع منسوب مياه السيول في مصرف الشوال المحازي لفرع الشوال والذي صصم بغرض حماية فرع الشوال، تحدث كسور في الفرع و تدخل مياه السيول و هذا الامر لم يكن بالخطير حيث يتم ادارة المياه حيث يتم تصريفها خارج المشروع الى النيل الابيض من غير ضرر علي الزراعة او القرى، حيث يكاد يكون ذلك الامر شبه سنوي. و هذا العام تم نفس العمل و عدت الموجة الاولى من السيول والتي وصلت يوم الاربعاء ١٠ أغسطس، و بعد يومين منها و هو يوم الجمعة ١٢ أغسطس هطلت امطار غزيرة تسببت في موجة سيول كبيرة من هضبة المناقل و توالت السيول من اتجاه سنار الامر الذي تسبب في ارتفاع منسوب مياه السيول لمستوى اعلى من جسر فرع الشوال فعبرت المياه لفرع الشوال على طول الجسر و بصورة يستحيل التحكم بها.
الامر المهم ان فرع الشوال كان مغلق تماما في فمه في كيلو ٥٧ و قبل عدة ايام من وصول الموجة الثانية من السيول تحسبا لوصول موجات اخري من السيول. و اذا كان الفرع يمرر مياه ري في ذلك الوقت لكان الدمار اكبر من ذلك بكثير . فالمياه التي كانت تخرج من فرع الشوال قبالة عبود هي مياه سيول عبرت جسر فرع الشوال و من ثم الى المشروع وذلك لاكثر من عشرة ايام متتالية مما تسبب في الغرق. أيضا الكسور التي تحدث في الفروع سواء كانت طبيعية بسبب السيول او بفعل فاعل بغرض تصريف مياه الامطار والسيول كما فعلت عدد من القرى، تتسبب في اندفاع مياه السيول داخل قنوات الري و قد تتسبب في غرق مناطق اخرى فيخيل للناس انهم غرقوا بسبب مياه مفتوحة في قنوات الري.
لكننا نؤكد أن فرعي الشوال و فحل و هي قنوات الري التي تحازي مسار السيول مغلقة تماما منذ يوم ١٠ أغسطس أي قبل وصول السيول بأربعة أيام حيث تؤكد دفاتر تسجيل المقاسات علي صحة ذلك” الي هنا انتهت إفادة المهندس ذو النون.
أما فيما يخص بيانات التوقعات المناخية، فنحن نعلم مسبقا ان التوقعات الموسمية للأمطار في الإقليم للموسم يوليو – سبتمبر والصادرة عن مركز الايقاد للتنبؤات والتطبيقات المناخية في أواخر مايو الماضي أشارت الي هطول أمطار أعلي من المعدلات الطبيعية في الإقليم خصوصا في أثيوبيا، السودان ودولة جنوب السودان (الصورة بالرقم 1) والتي قمنا بنشرها في كثير من المواقع الرسمية وكذلك قمنا بمشاركتها في وسائل التواصل الإجتماعي بغرض مساعدة أصحاب القرار في إتخاذ التدابير اللازمة والاستعداد المبكر للحد من أثار السيول والفيضانات المتوقعة.
أيضا بالرجوع الي توقعات الامطار الاسبوعية والتي يصدرها أيضا مركز الإيقاد للتنبؤات والتطبيقات المناخية للفترة التي حدثت فيها السيول من ٩ الي ١٦ أغسطس الجاري، وجدنا ان توقعات الامطار اشارت الي ههول امطار غزيرة الي غزيرة جدا (ربما غير مسبوقة) في منطقة المناقل، شمال غرب سنار، مناطق جبل موية والنيل الأبيض عند الحدود مع المناقل (الصورة بالرقم 2) والتي تظهر معدلات الامطار المتوقعة في أجزاء متفرقة من السودان بينما ركزنا في (الصورة بالرقم 3) علي منطقة المناقل.
كذلك بالرجوع الي بعض النمازج المختصة بتنبؤات الفيضانات وجدنا ان النموذج العالمي المسمي (Global Flood Awareness System) والذي يتنبأ بالفيضانات إعتمادا علي توقعات الامطار وطبوغرافية المنطقة، قد أشار الي حدوث فيضانات في منطقة المناقل وكذلك حدوث فيضانات في منطقة بحر الغزال في دولة جنوب السودان وهي المناطق باللون الأحمر في الصورة بالرقم 4.
عليه يتضح جليا ان مصدر السيول التي غمرت عدد من القري بالمناقل هو كميات الامطار الغزيرة جدا والتي هطلت في هضبة المناقل ومناطق جبل موية في فترة زمنية قصيرة حيث تجمعت في شكل سيول فيما يعرف بال (Flash Flood) فاقت سعة المصارف ودخلت الي قنوات الري ومنها الي القري التي تأثرت بالسيول.
ولتجنب حدوث مثل هذه الكارثة أو علي الاقل الحد من تأثيراتها السالبة يجب الاهتمام بصيانة المصارف و دعم وتفعيل نظام الانذار المبكر وتحسين وسائل تبادل البيانات والمعلومات بين وزارة الري والموارد المائية وهيئة الارصاد الجوية والمراكز الإقليمية المختصة في التنبؤات المناخية لتصل المعلومات إلي متخذي القرار قبل وقت كاف لاتخاذ ما يلزم من تدابير من شأنها تقيل حجم الكوارث الطبيعية الناتجة من التغيرات المناخية التي أصبحت واقعا يتطلب التحوط و الاستعداد المناسب.
مع العلم أن اي تكاليف مالية يتم صرفها علي صيانة المصارف و بناء نظام إنذار مبكر فعال لا يمكن مقارنتها بالخسائر في الأرواح والممتلكات و ما يتطلب من صرف علي التهجير او إعادة الأعمار.
جميع الصور المستخدمة في التقرير مصدرها East Africa Hazard Watch مركز الايقاد للتنبؤات والتطبيقات المناخية
د.خالد النور علي حسب الله
مركز الايقاد للتنبؤات والتطبيقات المناخية نيروبي كينيا