مقالات

د. الفاتح يس يكتب : تعقيب على مشاركة البرهان في برنامج نظافة العاصمة

د. الفاتح يس يكتب : تعقيب على مشاركة البرهان في برنامج نظافة العاصمة

 

أثناء إطلاعي على أخبار الصحف الرسمية ومواقع التواصل الاجتماعي؛ إستوقفني خبر مفاده أن الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة تفقّد برنامج نظافة ولاية الخرطوم، الذي يقف عليه السيد/ أحمد عثمان والي ولاية الخرطوم المكلف، وشارك في هذه الحملة كل من هيئة نظافة ولاية الخرطوم، ورئيس هيئة الأركان ووالي ولاية الخرطوم ووزارة الإتصالات، وبعض أفراد القوات المسلحة بالإضافة إلى شرطة السجون.

صراحةً تكدست وتبعثرت النفايات والمخلفات في ولاية الخرطوم في السنين الأخيرة بصورة ملفته للنظر؛ لدرجة أن منظر العاصمة أصبح مُقزز وقذر للغاية.

قضية النفايات قضية مهمة وكبيرة وحساسه ومعقدة ومتشابكة، وحسناً أن وجدت الأهتمام من رأس الدولة المتمثل في رئيس مجلس السيادة ووالي الخرطوم، وللامانة تكدس وبعثرة النفايات معناها وضع صحي وبيئي مأساوي وتلوث للمياه والتربة والغذاء وإنتشار للأمراض والآفات ونواقل الأمراض، بالإضافة إلى فقدان المنظر الجمالي لولاية الخرطوم؛ بالرغم من أن نهر النيل يجري في عروقها.

علي حسب ما فهمت أنه تم تخصيص ساعتين يوم الإربعاء من كل أسبوع للنظافة، وهذا أمر ممتاز للغاية؛ ولكن لابد من توسيع هذه الفكرة؛ حتي تُحل مشكلة النفايات حلاً جذرياً؛ خاصةً أن الجهات التي شاركت في هذا البرنامج (هيئة نظافة الخرطوم، القوات المسلحة، وزارة الإتصالات، وزارةالداخلية متمثلة في شرطة السجون، وغيرها)، هذه الجهات لديها وزنها الإداري والمالي والمهني والمؤسسي والقانوني والهيكلي ولديها كلمتها وهي غنية بمواردها البشرية والمادية؛ وهنا لابد من توسيع دائرة المشاركة بجمع هذه النفايات، وحتماً نقلها يحتاج إلى آليات وناقلات، ومن ثم تخصيص مكبات ومحطات للفرز والمعالجة تتوفر فيها كل شروط السلامة البيئية لتجميع وفرز ومعالجة والتخلص الآمن لهذه النفايات.

إدارة النفايات مشروع كبير ومتكامل يحتاج إلى أموال لشراء الآليات ومعدات وعمال لجمع وفرز هذه النفايات، ومن ثم إعادة إستخدام وإعادة تدوير للنفايات القابلة لإعادة التدوير، ويمكن الإستفادة من النفايات الحيوية في صناعة الاسمدة والاعلاف والغاز الحيوي (ليُستفاد منه كغاز طبخ او لإنتاج الكهرباء).

قطاع إدارة وتكنولوجيا النفايات أصبح من القطاعات البيئية والاقتصادية المهمة التي توفر أو ترفد المال لخزائن الدول؛ بإعتبار أن النفايات تُعتبر مواد خام رخيصةالثمن؛ يُستفاد منها لتصنيع منتجات مفيدة مثل الغاز الحيوي، الذي سيباع للمواطن.

لابد من تسليم إدارة النفايات من جمعها الي إعادة تدويرها الي شركة متخصصة في إدارة وتكنولوجيا النفايات، ويمكن التعاقد مع شركة أجنبية بنظام ال (بوت) أو BOT وهي إختصار الي:
Building, Operating, Transforming
وتعني بناء وتشغيل (شراء آليات وبناء مكبات ومحطات لمعالجة النفايات)، ومن ثم تحويل ملكية المشروع الي حكومة السودان بالتدريج، هذا يعني أن الشركة الأجنبية التي ستنفذ مشروع النفايات، في البداية ستجني كل الأرباح المتمثلة في إعادة تدوير النفايات لتصبح منتجات مفيدة يتم بيعها، وكل بعد فترة زمنية محددة تذهب نسبة من الأرباح الي حكومة السودان، حتي تؤول كل الأرباح وملكية المشروع الي حكومة السودان.

السودان ليس لديه تاريخ تكنولوجي متطور لإدارة هذه النفايات؛ ولهذا لا بأس من التعاقد مع شركة أجنبية؛ لنقل وتطوير وتوطين تكنولوجيا إدارة النفايات، وإن لم تستطيع الحكومة التعاقد مع شركة أجنبية؛ يُمكن عمل شركة مساهمة وطنية تُشارك فيها بعض الرأسماليين الوطنيين والمؤسسات التي شاركت في هذا البرنامج الاسبوعي مثل هيئة نظافة الخرطوم

(المعتمديات والمحليات) والقوات المسلحة ووزارة الداخلية ووزارة الإتصالات، والمجلس الأعلي للبيئة؛ بإعتباره الجهة المختصة والمسؤولة من النفايات، وكل مؤسسة من هذه المؤسسات تساهم في هذا المشروع بما تجود به من آليات او كادر فني او أمني او عمال أو توفير وسائل الإعلام والإتصالات (وزارة الإتصالات)، وبلاشك أن هذه المؤسسات مؤهلة فنياً وإدارياً ومالياً

ومؤسسياً من ناحية مورد وكادر بشري ومؤسسي، وتجدر الإشارة هنا بأنه لابد من إشراك مصانع البلاستيك والزجاج والمعادن المحلية حتي تُساعد في عمليات إعادة إستخدام وإعادة تدوير النفايات البلاستيكية والزجاجية والمعدنية والحيوية التي تم تجميعه؛ بإعتبار أن هذه المصانع هي مصدر هذه النفايات؛ للتخلص الآمن والإقتصادي لهذه النفايات التي يُمكن إعادة

تدويرها في هذه المصانع، وأيضاً لابد من إشراك أوتقنين عمل أطفال الشوارع الذين يجمعون هذه النفايات من القمامة، ويمكن حصرهم وإستخراج بطاقات عمل لهم وتوزيعهم على المعتمديات والمحليات والمربعات والحارات؛ ليتعاون معهم المواطن بفرز النفايات؛ خاصةً النفايات الحيوية لأنها تتسبب في نقل الأمراض؛ لتتسهل على هؤلاء الأطفال عملية جمع وفرز هذه النفايات من المنازل (من المصدر)، ومعروف أن عملية فرزها من أصعب عمليات إدارة النفايات

خلاصة القول أن قطاع إدارة النفايات أحد ركائز الإقتصاد الأخضر، وأصبحت قضيتة قضية مُلحة ومهمة؛ ولا سبيل ولا مناص من التهرّب او التنصل منه؛ لدرجة أن بعض الدول أفردت مؤسسات منفصله لإدارة وتكنولوجيا النفايات مثل المملكة العربية السعودية التي أهتمت بقطاع النفايات لدرجة أنها قامت بإنشاء المركز الوطني للنفايات.

د. الفاتح يس

أستاذ وباحث في قضايا البيئة والتنمية المستدامة

alfatihyassen@gmail.com

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى