د. الشاذلي عبد اللطيف يكتب :. ترانيم الظلم..الخلايا النائمة وحماية الحسم القانوني

د. الشاذلي عبد اللطيف يكتب :. ترانيم الظلم..الخلايا النائمة وحماية الحسم القانوني
لم تكن الشرطة يومًا خارج معركة الوطن، ولم تكن مؤسسات العدالة متأخرة عن واجبها التاريخي. ففي الحرب التي خاضها السودان دفاعًا عن وجوده، وقفت الشرطة كتفًا بكتف مع الجيش في الميدان، وقدّمت الشهداء، وحمت المدن، ومنعت الانهيار الداخلي. واليوم، وقد تغيّر شكل التهديد، تنتقل المعركة إلى مستوى أدقّ وأخطر: حرب الخلايا النائمة، حيث يصبح القانون هو السلاح، والمؤسسات العدلية هي خط الدفاع الحاسم.
محاربة الخلايا النائمة ليست مهمة جهاز واحد، بل منظومة دولة تعمل بتكامل محسوب.
فالشرطة تضطلع بالدور التنفيذي المباشر: الرصد، الضبط، تفكيك الشبكات، وحماية الأمن العام. وهي بحكم انتشارها وارتباطها بالمجتمع تمثل العين الساهرة التي تلتقط المؤشرات الأولى للتخريب قبل أن يتحول إلى فعلٍ واسع. حزم الشرطة هنا ليس خيارًا، بل واجب سيادي، لأن الفوضى إذا تُركت لحظة تمدّدت.
إلى جانبها، تقوم الاستخبارات بدور العقل الهادئ الذي يقرأ ما خلف الظاهر: تحليل الأنماط، تتبع مصادر التمويل، كشف غرف التوجيه، وربط الخلايا ببعضها وبالعدو الخارجي. عمل الاستخبارات ليس استعراضًا، بل وقاية استراتيجية؛ تفكيك الخطر قبل أن يصل إلى الشارع، وإغلاق المسارات التي يتسلل منها التخريب متخفّيًا في الخطاب أو النشاط المدني.
ثم تأتي النيابة العامة باعتبارها صمام الأمان القانوني. دورها أن تحوّل الجهد الأمني إلى مسار عدلي منضبط، يثبت التهم بالأدلة، ويقدّم القضايا بوضوح، ويحفظ الحقوق دون تفريط في هيبة الدولة. النيابة هنا ليست جهة إجرائية، بل حارسٌ لمشروعية الحسم، حتى لا يُقال إن الدولة تعاقب بالهوى أو خارج إطار القانون.
أما القضاء، فهو الكلمة الأخيرة، وميزان العدالة الذي يُغلق الباب أمام أي تشكيك. أحكام واضحة، علنية، مؤسسة على القانون، وسريعة دون إخلال بالضمانات، هي أقوى ردّ على الخلايا النائمة وأقوى رسالة للداخل والخارج معًا. فالدولة التي تحسم بالقضاء لا تُدان، بل تُحترم، لأنها تثبت أن سيادتها تُمارس بالعدل لا بالانتقام.
وهنا تكمن النقطة الأهم: لا يجوز ترك ثغرات تُستغل خارجيًا. حين يكون الأداء منضبطًا، والإجراءات واضحة، والحقوق مصانة، تُغلق الأبواب أمام أي ابتزاز سياسي أو انتقاد دولي متربّص. العالم لا يحترم الدول المترددة، لكنه يحترم الدول التي تطبق قانونها بشفافية وحزم، خاصة في مواجهة تهديدات تمس أمنها القومي.
إن محاربة الخلايا النائمة ليست حربًا على المجتمع، بل حماية له. وليست قمعًا للرأي، بل دفاعًا عن الدولة. الرأي يُناقَش، والنقد يُسمَع، لكن التحريض يُجرَّم، والتخريب يُحاسَب، والاصطفاف مع العدو يُقطع من جذوره.
الخلاصة أن هذه المعركة لا تُكسب بالصوت العالي، بل بتكامل الأدوار:
شرطة تنفّذ، استخبارات تكشف، نيابة تُقنّن، وقضاء يحسم.
هكذا تُهزم الخلايا النائمة، ويُحمى الداخل، وتُصان التضحيات، وتبقى الدولة قوية… بالقانون، لا بالفوضى.





