د. الشاذلي عبداللطيف يكتب:.. ترانيم الظلم..الدكتور إدريس عبدالله إدريس ليمان… جوهرة تستعيد الدولة بريقها حين تعود إليها

د. الشاذلي عبداللطيف يكتب:.. ترانيم الظلم..الدكتور إدريس عبدالله إدريس ليمان… جوهرة تستعيد الدولة بريقها حين تعود إليها
حين لا يعرف الظل مكان النور، قد تُخفى الجواهر خلف قراراتٍ لا تُنصف أصحابها. لكن الزمن – كما الحكمة – لا يخون الحقيقة طويلًا. هكذا عاد الدكتور إدريس عبدالله إدريس ليمان، لا كضابطٍ عاد إلى لباسه النظامي فحسب، بل كضوءٍ يعيد للدولة جزءًا من بريقها حين اختارت أن تُصحّح، لا أن تُبرّر.
وكانت اللحظة التي استقبل فيها الدكتور ليمان نائب المفوض السامي لشؤون اللاجئين، ومدير المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية، وسفير الاتحاد الأوروبي الجديد بالسودان، أكثر من لقاء بروتوكولي.
كانت شهادة صامتة تقول للعالم: ها هي الدولة تستعيد رجالها… وتعيد وضع الجواهر في مواضعها الصحيحة.
لم يكن المشهد مجرد استضافة رسمية، بل كان رمزًا لتحوّل داخلي؛ فالرجل الذي غادر المؤسسة يومًا بقرارٍ جائر، عاد اليوم ممثلاً لولاية الخرطوم أمام أرفع وفود المجتمع الدولي، ثابتًا، واثقًا، متمكنًا… كأن الزمن لم يُضعف فيه سوى القيد، أما الروح فقد ازدادت اكتمالًا.
إن الضباط المفصولين تعسفياً لم يكونوا يومًا عبئًا على الدولة؛ كانوا ثروة مؤجلة، وجذوة انطفأ ضوءها في القرارات، لكنها لم تنطفئ في القلوب ولا في العقول.
وعندما عادت الدولة تستوعبهم، فإنها لم تُنصف أفرادًا فقط… بل أنصفت صورتها أمام نفسها، وأعلنت أن الدول القوية هي التي تُراجع أخطاءها، لا التي تتمسك بها.
الدكتور ليمان، في لقائه مع وفد الاتحاد الأوروبي، لم يمثل نفسه ولا منصبه؛
بل مثّل الحكمة الجديدة للدولة:
الحكمة التي تقول إن الخبرة التي صقلها الظلم أقوى من الخبرة التي صقلتها المكاتب،
وأن الإنسان الذي يعود بعد الإقصاء يعود أكثر فهمًا، وأكثر نضجًا، وأكثر قدرة على حمل الأمانة.
إن الاستفادة من ضباط الشرطة المفصولين تعسفياً ليست خيارًا إداريًا… بل خيار حضاري.
إنها إعادة ترتيب لمفهوم القوة، وإعلان بأن الأمن ليس أرقامًا وإجراءات، بل رجالٌ يُعرف وزنهم حين يقفون أمام الشركاء الدوليين بثباتٍ لا يتكلف، وعمقٍ لا يُصنع، وهيبةٍ تتجاوز الرتبة إلى الإنسان نفسه.
وما فعله الدكتور ليمان في ذلك الاستقبال لم يكن فعلًا إداريًا… بل كان رسالة:
رسالة بأن الدولة التي تُعيد ضباطها المظلومين إلى مواقعهم، هي دولة قررت أن تمشي نحو المستقبل بوعيٍ لا ينسى دروس الماضي.
وهكذا… حين عادت الجوهرة إلى الضوء، أضاء المكان كله.




