مقالات

د. الشاذلي عبداللطيف يكتب: .. تراتيل الظلم..الولاية الشمالية… خط الدفاع الذي لا ينام

د. الشاذلي عبداللطيف يكتب: .. تراتيل الظلم..الولاية الشمالية… خط الدفاع الذي لا ينام

 

سعادة والي الولاية الشمالية المحترم،

ليست هذه المعلومات سريّة ولا تحتاج إلى تقارير استخباراتية؛ فكل من مرّ بالطريق الممتد من الكيلو (2) في أم درمان حتى الكيلو (163) يعرف ما يجري هناك. يعرف كيف تحوّل الطريق إلى منطقة رمادية بين سلطة الدولة وسلطة السلاح، وكيف صار المواطن يُفتَّش ويُهَان باسم القانون، بينما يمرّ المهرّب والمجرم محمولًا على أكتاف “المهمة الرسمية”.

إنّ المشهد الأمني في الولاية الشمالية أصبح انعكاسًا صريحًا لمعادلة خطيرة: غياب الدولة يخلق دولًا صغيرة داخل الدولة.
ارتكازاتٌ متناثرة يتجاوز عددها الخمسين، بعضها شرعي وأكثرها مجهول الانتماء، أفراد بزيٍّ رسمي وآخر مدني، يحملون أسلحة ثقيلة ويتعاملون مع المارة كأنهم أسرى لا مواطنين.
نساءٌ يُفتّشن بلا مسوّغ، وشاحناتٌ تُوقَف لتُبتَز، ووقودٌ وسلاحٌ ومخدراتٌ تُباع وتُنقَل على مرأى من الجميع.

يا سعادة الوالي،
لقد تجاوز الأمر حدود “التفلّتات”، فأصبحنا أمام اختراقٍ منظمٍ للأمن القومي السوداني، يُدار من داخل المعسكرات والمناطق المفتوحة، ويتغذّى من غياب التنسيق بين القوات الرسمية وتراجع الوجود الميداني الفعّال.

إنّ ما بين الكيلو (60) إلى القبولاب وجعيرين وبوحات حتى معسكر التمتام لا وجود فيه لارتكازٍ واحدٍ نظاميٍّ واضح، وهو ما جعل تلك المسافة مسرحًا للنهب وتهريب الشحنات المصرية وابتزاز المسافرين.
أما العفاض ومحيطها فقد أصبحت ممرًّا مكشوفًا، تنتقل فيه الذخائر والمخدرات والوقود عبر الدراجات النارية دون رقيبٍ ولا حساب، بينما يقف المواطن حائرًا لا يجد جهة يتصل بها ولا رقمًا يُجيب.

يا سعادة الوالي،
إنّ الولاية الشمالية ليست ممرًّا تجاريًا فحسب، بل خط الدفاع الأول عن السودان، ومن يستهين بأمنها يفتح الباب لانهيار ما تبقى من سيادة الدولة.
ولهذا، فإنّ الموقف يتطلب منكم قراراتٍ حاسمة لا بيانات تهدئة، أهمها:

1. إعلان حالة طوارئ أمنية فورية في المحاور الحساسة ونشر قوة نظامية مركزية تحت إشرافكم المباشر.

2. إلغاء كل الارتكازات غير المعترف بها رسميًا وإحالة عناصرها للتحقيق الفوري.

3. تشكيل غرفة عمليات موحدة تضم الشرطة والمخابرات والقوات البرية، تعمل بنظام المناوبة المستمرة.

4. ضبط حركة العربات المسلحة، ومنع مرور أي مركبة مجهولة أو غير مرقمة دون تفتيش.

5. تطهير المعسكرات ومواقع اللجوء من الخلايا النشطة والعناصر المشبوهة.

6. تأمين شبكة الاتصالات والطوارئ ليشعر المواطن أن الدولة حاضرة لا غائبة.

يا سعادة الوالي،
لسنا نكتب هذه السطور طلبًا للمجاملة، بل نداء للوطن.
فهيبة الدولة لا تُستعاد بالتصريحات، بل بالفعل، والقانون لا يُهاب إلا حين يُنفّذ.
الناس اليوم لا يريدون بيانات مطمئنة، بل يريدون أن يروا الدولة وهي تمشي أمامهم على الطريق، لا خلف المكاتب.

أمن الشمالية ليس شأناً محليًا، بل قضية وطنية تمس أمن السودان من حدوده حتى قلب الخرطوم.
فلتكن الشمالية نقطة البداية في إعادة بناء الثقة، واستعادة هيبة الدولة، وبسط العدل بلا استثناء.

إنّ التاريخ لا يرحم من تهاون في حماية الأرض…
والأوطان لا تُحرس بالشعارات، بل برجالٍ ينام الوطن آمنًا على أكتافهم.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى