ديدو إليزابيث بيل.. أول سيدة أرستقراطية من أصل أفريقي في تاريخ بريطانيا
تعد حياة ديدو إليزابيث بيل واحدة من أكثر الحكايات الرائعة والمثيرة للاهتمام في القرن الـ18، فهي فتاة جذابة وُلدت في ظل العبودية بإحدى جزر الهند التي كانت مستعمرة بريطانية، لكن حياتها تغيرت بشكل جذري وتوفيت وريثة ثرية لأحد نبلاء بريطانيا بعدما أصبحت سيدة راقية متعلمة ومحترمة تعيش في لندن.
ففي الوقت الذي ازدهرت فيه تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي عاشت بيل امرأة سوداء في المجتمع الراقي بلندن، وعملت سكرتيرة لرئيس المحكمة العليا في بريطانيا في ذلك الوقت.
ونظرا إلى قربها من وليام موراي المعروف باسم “اللورد مانسفيلد” القاضي الأول افترض البعض أن بيل كان لها الأثر الأكبر في قرارات الرجل المتخصص في القانون الذي اقترح الكثير من الأحكام التي تعد سابقة في القضايا المتعلقة بالعبودية والرق، وهي الأحكام التي اعتبرت العبيد بشرا وليسوا من الحيوانات أو البضائع كما كان ينظر إليهم في القانون الإنجليزي.
من هي ديدو إليزابيث؟
ولدت ديدو عام 1761 في جزر الهند الغربية، وهي ابنة ضابط بحري بريطاني شاب يدعى جون ليندسي وامرأة أفريقية تدعى ماريا بيل.
يُعتقد أن ماريا كانت ضمن العبيد على متن سفينة رقيق إسبانية كانت تسافر عبر البحر الكاريبي، فيما كان ليندسي قبطان السفينة الحربية البريطانية “إتش إم إس ترينت” (HMS Trent) التي كانت تقوم بدوريات في سواحل السنغال ومنطقة البحر الكاريبي.
وعلى الرغم من أن المؤرخين ليسوا متأكدين تماما من كيفية لقاء ليندسي وماريا للمرة الأولى فإنه يُعتقد أن سفينته استولت على سفينة العبيد التي كانت ماريا على متنها.
بعد ولادة ديدو أعادها جون وماريا إلى إنجلترا، حيث تم إرسال الفتاة الصغيرة للعيش مع عم ليندسي، وهو وليام موراي (اللورد إيرل مانسفيلد الأول) رئيس القضاة الذي كان يعد أقوى قاضٍ في إنجلترا.
كان اللورد مانسفيلد وزوجته بلا أطفال، لكنهما كانا قد تكفلا برعاية إليزابيث موراي ابنة عم ديدو، والتي توفيت والدتها، لذلك قامت عائلة موراي بتربية ديدو مع ابنة عمها، وعلمتها بطرق أرستقراطية أخلاقيات وإتيكيت النساء النبيلات في القرن الـ18.
حياة أرستقراطية وثقتها لوحة فنية
يُعتقد أن الضابط الإنجليزي جون ليندسي وحبيبته الأفريقية ماريا استمرا في علاقتهما حتى عام 1772 عندما غادرت السيدة إلى بينساكولا في ولاية فلوريدا الأميركية، لتعيش هناك مالكة قطعة أرض اشتراها لها ليندسي.
أما جون ليندسي -الذي حصل في ذلك الوقت على لقب فارس- فكان لديه الكثير من الأطفال غير الشرعيين على الرغم من عدم وجود ذرية من زواجه الفعلي من ماري ميلنر ابنة السير وليام ميلنر، وحينئذ نشأت ديدو كجزء من العائلة الأرستقراطية وعوملت كسيدة راقية.
وعلى الرغم من أنه لم يكن مألوفا في ذلك الوقت أن تصبح عائلة بريطانية ثرية وصيا قانونيا لمولود له قرابة منها بشكل غير شرعي فإنه كان في أحيان نادرة تتم تربية طفل من عرق مختلط (مولود لعبد سابق) كخادم في المنزل.
ومع ذلك، تظهر ديدو في لوحة للفنان الإنجليزي ديفيد مارتن معلقة على جدار في قصر “سكون” بمدينة بيرث الأسكتلندية في صورة مزدوجة تعود إلى القرن الـ18 لامرأتين شابتين من المجتمع الراقي، إحداهما تجلس تقرأ كتابا والأخرى تمسك سلة من الفاكهة، كل منهما ترتدي فستانا حريريا باهظ الثمن مع عقود من اللؤلؤ حول العنق، وتجسد اللوحة السيدة الشابة ديدو إليزابيث بيل إلى جانب قريبتها السيدة إليزابيث موراي.
سيدة راقية ولكن
تلقت ديدو التعليم ذاته الذي تلقته ابنة عمها، وعاشت داخل الجدران الفخمة لمنزلها الراقي اللندني، كما تلقت علاوة سنوية مقدارها 30 جنيها إسترلينيا، وهو المبلغ الذي يفوق أضعاف أجر عاملات المنازل، مما يؤكد أنه لم تتم معاملتها على أنها أحد الخدم.
وبحسب موقع “هيستوري هيت” (History Hit)، لم تعامل ديدو معاملة إليزابيث ذاتها التي كانت تتلقى 100 جنيه إسترليني سنويا راتبا للمعيشة، وهو ما يعكس حقيقة أنها كانت سليلة شرعية للأسرة، فيما كانت ديدو غير شرعية.
وعلى الرغم من قصتها المثيرة للاهتمام فإن هناك عددا قليلا من السجلات المكتوبة حول ديدو التي تلقي مزيدا من الضوء على تربيتها وشخصيتها وكيف عاملتها الأسرة.
تمت دعوة الأميركي توماس هاتشينسون الحاكم السابق لماساشوستس لتناول العشاء في “كينوود هاوس” (منزل عائلة ديدو) في عام 1779، وآنذاك قام بتوثيق الأحداث في يومياته الشخصية، فكتب “جاءت فتاة سوداء بعد العشاء وجلست مع السيدات، وبعد تناول القهوة سارت معهن في الحدائق، وكانت إحدى الشابات تتأبط ذراعها”.
وتابع هاتشينسون في مذكراته -التي نشر موقع “سكاي هيستوري” (Sky History) أجزاء منها- قائلا “من حيث كيفية عيشها ولباسها وتعليمها عوملت الفتاة مثل بقية أفراد الأسرة، وذلك عندما كانت الأسرة وحدها فقط الموجودة في المنزل، لكن الأمر يصبح محرجا عندما يكون لديهم ضيوف”.
ويتضح بذلك أنه عندما يكون هناك ضيوف في كينوود لا تتناول بيل العشاء مع الأسرة، ولكنها كانت تنضم إلى الحفل في مراحله الأخيرة.
تأثيرها في قضايا العبودية بإنجلترا
نتيجة لمهارات ديدو في العزف والكتابة بخط جميل كانت الفتاة الشابة تعمل سكرتيرة للقاضي الأول اللورد مانسفيلد، وقد ناقش المؤرخون ما إذا كانت علاقة اللورد بديدو أثرت في موقفه بأي شكل من الأشكال لمصلحة العبيد، ويتضح ذلك جليا في قضية حملت اسم قضية “سومرست ضد ستيوارت” عام 1772، وقال فيها إن “العبودية أمر بغيض”، وحكم لمصلحة عبد ضد سيده للمرة الأولى.
وغالبا ما يتم تذكر الحكم التاريخي كبداية لنهاية العبودية في بريطانيا على الرغم من أن الأمر استغرق حتى عام 1833، قبل أن يتم إلغاؤه تماما، لكن لا شك في أن للفتاة السمراء الذكية دورا في تمهيد الطريق.
ثم ما لبثت أن تغيرت حياة ديدو خلال ثمانينيات القرن الـ18 عندما تم تزويج إليزابيث وتوفيت السيدة مانسفيلد تاركة الشابة لرعاية اللورد العجوز.
وفي عام 1788 توفي اللورد مانسفيلد وورثت ديدو 500 جنيه إسترليني، وبعد بضعة أشهر تزوجت من فرنسي بريطاني يدعى جون دافينيير وأنجبا 3 أبناء عاشوا جميعا في لندن.