دعوات مصرية لمبادلة الديون بالاستثمارات.. هل تعالج الأزمة الاقتصادية؟
دعوات مصرية لمبادلة الديون بالاستثمارات.. هل تعالج الأزمة الاقتصادية؟
القاهرة- تكافح مصر للتخلص من الديون التي تراكمت بشكل متسارع خلال السنوات القليلة الماضية، بعد أن وصلت لمستويات غير مسبوقة، وتهدد في حال استفحالها وعدم التخفيف منها بالوقوع في فخ التخلف عن سداد الديون.
وطرقت مصر جميع الأبواب لتوفير العملة الأجنبية للوفاء بالتزاماتها وتجنب احتمال التخلف عن السداد، من بينها الاقتراض، إلا أن تكاليفه باتت باهظة في ظل اضطراب الأسواق العالمية، مما دفعها إلى بيع حصص مختلفة في الأصول التي تمتلكها الدولة، من بينها شركات ومصانع وبنوك وموانئ بحرية.
ومن بين تلك الأبواب اقتراح طرحه وزير خارجية مصر سامح شكري خلال كلمته أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة -قبل أيام- التي أشار فيها إلى الآثار السلبية للأزمة الروسية الأوكرانية، واستمرار الآثار السلبية لجائحة كورونا، التي تزيد من الأعباء الملقاة على عاتق الدول النامية، لا سيما ما يتعلق بالديون السيادية وتفاقم العجز في الموازنات العامة.
إذ دعا شكري إلى أهمية تجاوب الدول المتقدمة مع مطلب إطلاق مبادرة عالمية بين الدول الدائنة والمدينة، تهدف إلى “مبادلة الديون”، وتحويل الجزء الأكبر منها إلى مشروعات استثمارية مشتركة، تخلق المزيد من فرص العمل وتسهم في تحقيق نمو إيجابي للاقتصاد.
ومع أن مصر ليست وحدها في صراع مع الديون -مثلها مثل غالبية الدول الناشئة- إلا أن احتمالية إخفاقها في سداد ديونها ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ 2013، مما جعل تكلفة التأمين على تخلفها عن السداد تقفز -في وقت سابق- إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وفي ظل تأخر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، يراقب المستثمرون الوضع الاقتصادي في مصر عن كثب مع ارتفاع مخاطر التخلف عن سداد الديون، حسب موقع “إنتربرايز” (Enterprise) الاقتصادي، لافتا إلى أن المؤشرات التحذيرية بدأت في الظهور في ما يخص الديون المصرية.
ويلخص خبراء ومحللون اقتصاديون أسباب الضغوط التي تواجهها مصر مع تفاقم الدين الخارجي في الأسباب التالية:
- ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميا نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية.
- ارتفاع العائد على الفائدة الأميركية لمواجهة التضخم وارتفاع الدولار.
- خروج استثمارات بقيمة 22 مليار دولار من سوق الدين المحلي.
- اتساع عجز الحساب الجاري وتزايد الضغوط على العملة المحلية.
مبادلة الديون
للوقوف على مصطلح “مبادلة الديون”، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار أنه يعني “حصول الجهة الدائنة على أصول عينية للدولة المدينة مقابل ديونها أو جزء منها، بسبب عدم قدرة الدولة المدينة على السداد. وقد تم استخدام تلك السياسة ولا يزال منذ عقود بهدف التخفيف من وطأة الديون الدول النامية”.
ولكنه أشار، في تصريحات للجزيرة نت، إلى أن هذه السياسة لها جانب سلبي أيضا يتعلق بتراجع موارد الدولة؛ لأنها ستفقد جزءا من الإيرادات التي كانت تحصلها من الأصول التي تقايضها بالديون، وبالتالي تراجع حجم الاقتصاد القومي. ورأى نوار أن الإدارة المصرية تحاول تجنب السقوط في فخ التخلف عن سداد الديون.
وانخرطت مصر في آلية مبادلة الديون، بشكل محدود، مع بعض البلدان الأوروبية -مثل ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا- منذ بداية الألفية الجديدة، ولا تزال مستمرة، لتوفير تمويل للمشروعات التنموية لصالح بعض القطاعات كالتعليم والبيئة والطاقة وتحسين جودة المياه وغيرها من المشاريع ذات الأولوية.
من جهتها، أعلنت وزيرة التعاون الدولي الدكتورة رانيا المشاط أن بنك التعمير الألماني أتاح مبلغا بقيمة 41 مليون يورو ضمن برنامج مبادلة الديون لصالح وزارة التربية والتعليم الفني، لتنفيذ مبادرة التعليم الفني الشامل في مصر.
وتتسق دعوة الوزير شكري مع دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دول الخليج إلى تحويل ودائعها لدى البنك المركزي إلى استثمارات مباشرة، وهو ما اعتبره البعض تحولا في سياسة مصر الاقتصادية نحو تعظيم فرص الاستثمار المباشر بدلا من الاعتماد على الودائع في تأمين الاحتياطي النقدي.
وقال السيسي -خلال حواره مع عدد من الإعلاميين بمدينة السادات شمال القاهرة- يونيو/حزيران الماضي “نحاول من جانبنا أن نجعل هذه الودائع استثمارات، ونحن لدينا مشروعات كثيرة، فمصر بها 100 مليون نسمة وفرص كثيرة، سواء كاستثمار مشترك أو منفرد”.
استثمارات مباشرة
واعتبر المحاضر بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية بالقاهرة هاني جنينة أن “طرح آلية مبادلة الديون هو محاولة من الحكومة المصرية لجدولة بعض الديون عن طريق تحويلها إلى استثمارات، وجاءت الدعوة من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف توسيع نطاق مبادلة الديون على المستوى العالمي، وليس على المستوى الإقليمي والتقليل من فاتورة الديون”.
وأوضح -في تصريحات للجزيرة نت- أن هناك استحقاقات مالية على مصر تقدر بنحو 40 مليار دولار خلال العام 2022/2023، وأشار إلى أن آلية مبادلة الديون تعتمد على نقل ملكية حصص بعض الشركات في البلاد إلى الدول الدائنة -وهذا يعتبر استثمارا أجنبيا مباشرا- أو من خلال إنشاء شركات جديدة.
وأعرب جنينة عن اعتقاده بأن مبادلة الديون ستكون في إطار بيع الأصول المملوكة للدولة، نافيا في الوقت نفسه أن تكون هناك مخاوف من إتمام تلك المبادرة التي دعت إليها وحثت عليها مصر؛ لأن هناك قطاعات مهمة في الدولة تملكها أو تسيطر على جزء منها شركات أجنبية مثل قطاع الأسمنت والاتصالات.
وعبر عن اعتقاده بأنه ما دام البيع سيتم بصفة جزئية، فلن تكون هناك أي مخاوف، لكن أكد أن ما يدعو للقلق هو أن تتم عملية البيع بأسعار أقل من السعر العادل والحقيقي، متسائلا عما سيفعل الشركاء الجدد في عوائد الاستثمار هل سيتم تحويلها للخارج أم إعادة ضخها واستغلالها في الداخل؛ لأن نقطة ضعف تلك المبادرة هو تحويل الأرباح للخارج، وفق تعبيره.
ما حجم أزمة الديون؟
زاد الدين الخارجي لمصر نحو 4 أمثال خلال السنوات القليلة الماضية وصولا إلى 157.8 مليار دولار بنهاية مارس/آذار الماضي، وسط استمرار لعملية الاقتراض في الشهور الأخيرة من البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي وغيرهما، وكذا استمرار التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
وحصة الدول الدائنة من إجمالي الديون ليست بالقليلة، إذ يظهر توزيعها وفق جهات الإقراض كما يلي:
- 52 مليار دولار من مؤسسات إقليمية ودولية، أبرزها الصندوق والبنك الدولي.
- 36 مليار دولار من 22 دولة.
- 29 مليار دولار إصدارات سندات بالأسواق الخارجية.
- 12 مليار دولار من بنوك قُطرية أجنبية وخليجية.
- 26 مليار ديون قصيرة الأجل من دول ومؤسسات إقليمية.
ولمعرفة حجم الفجوة التمويلية التي تعاني منها مصر، فإنها تحتاج إلى جمع 41 مليار دولار لسداد عجز الحساب الجاري والديون المستحقة بحلول نهاية عام 2023، وتواجه خطر انخفاض احتياطاتها من النقد الأجنبي إذا لم تحصل على قروض جديدة، وذلك في ظل موجة هروب استثمارات بقيمة 22 مليار دولار هذا العام، وفق بيانات حكومية.
وشهد احتياطي البلاد من النقد الأجنبي انخفاضا بنحو 20% إلى 33.14 مليار دولار هذا العام، بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتدفقات رأس المال الخارجة وتكاليف الاقتراض المتزايدة.
هبوط درامي للجنيه
سمح البنك المركزي المصري في 21 مارس/آذار 2022 بتخفيض جديد لقيمة العملة إلى نحو 18.15 للدولار عن مستواها السابق البالغ 15.60 جنيها مقابل الدولار، بنسبة هبوط أكثر من 15%، قبل أن يواصل الهبوط حتى مستويات 19.60 جنيها مع استمرار خفض قيمة الجنيه بشكل تدريجي إلى رقم غير معلوم. وتسبب نقص الدولار في أزمة للمستوردين في مصر بسبب قيود الاستيراد.
وتطرق الرئيس السيسي إلى تلك الأزمة التي تعصف بالمستوردين، وأكد في كلمة له -خلال افتتاح بعض المشروعات قبل أيام- اعتزام الحكومة إزالة المعوقات أمام الصناعة المحلية، بما في ذلك مشكلات استيراد المواد الخام ومدخلات الإنتاج، في غضون شهر أو شهرين.
وتأمل الحكومة المصرية في التوصل إلى اتفاق للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي في غضون شهر أو اثنين، ولم يتقرر حجمه بعد، وفق تصريحات وزير المالية محمد معيط. لكن بغض النظر عن حجم هذا القرض، فإنه يمنح شهادة ثقة للاقتصاد المصري، وبالتالي يمكن جذب المزيد من أموال الاستثمار المباشر وغير المباشر.
حزمة بدائل
وكشف وزير المالية عن أن بلاده أجرت مناقشات مع بعض الحكومات الآسيوية الغنية، مثل اليابان والصين، بشأن الحصول على قروض بتكلفة معقولة إلى جانب دراسة حزمة من البدائل، لمحاولة الحصول على تمويل رخيص.
ومن بين تلك البدائل طرحُ حصص من 10 شركات حكومية في البورصة، وجمع ما يصل إلى 6 مليارات دولار، قبل يونيو/حزيران من العام المقبل، عبر بيع حصص في شركات ناجحة مملوكة للدولة، حسب وزيري المالية والتخطيط.
وتعول الحكومة على نجاح برنامج “الطروحات” لجمع 40 مليار دولار على مدار 5 سنوات، الذي يأتي في سياق التزام الدولة بتنظيم ملكيتها في عدد من القطاعات بما يتيح فرصة أكبر للقطاع الخاص في بعض المشروعات.
وأطلق رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، “وثيقة سياسة ملكية الدولة”، يوم 13 يونيو/حزيران الماضي، التي تضم القطاعات والصناعات التي تخطط الحكومة للتخارج منها أو زيادة حصتها فيها من أجل زيادة فرص مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، إذ تمثل رسالة اطمئنان للمستثمر المحلي، وعنصر جذب للاستثمار الأجنبي، كما تسهم في تعزيز ثقة المؤسسات الدولية.