خبيرة التنمية البشرية لولوة البنعلي: هكذا يتصالح الفرد مع نفسه والآخرين
يختلف الأفراد في وجهات نظرهم وتوجهاتهم وقيمهم الاجتماعية، وتنتج عن ذلك خلافات متكررة تؤدي إلى المقاطعة والكره في كثير من الأحيان، وهنا يأتي التسامح ليشعر الفرد بالسلام الداخلي والصفاء وتقبل الآخر، فالتسامح يقلل المشاحنات والمشاكل والضغائن في المجتمع، ويقوي النسيج الاجتماعي ويسهل الانسجام بين أفراده، كما تقول خبيرة التنمية البشرية القطرية لولوة البنعلي في حوار مع الجزيرة نت.
وقالت البنعلي الحاصلة على شهادة مدرب محترف من الاتحاد الدولي للتدريب أو الكوتشنغ “آي سي إف” (ICF) تخصص اكتشاف الذات والمسار المهني إن التسامح يبدو صعبا بادئ الأمر، وذلك لأن النفس البشرية تخشى كل ما هو جديد، ولكن مع الممارسة والتقبل يصبح الأمر أسهل، وسيكون التسامح سمة من سمات الفرد الراغب في التغيير.
وأضافت أن التسامح قوة، والقوي هو الذي يعتذر ويقف عند تجاوزاته ويعترف بها ويحاول إصلاحها، سواء في حق نفسه أو في حق الآخرين، والثقة بأن ذلك سيعود بالنفع على الفرد والمجتمع.
وفي ما يلي نص الحوار:
كيف يمكن تعلم التسامح ونشره في المجتمع؟
الدراسات العلمية الحديثة أثبتت أهمية التسامح على الصحة النفسية والعقلية والجسدية، لذلك ينبغي الاهتمام به وتربية النشء عليه، وزرع قيمة التسامح داخل المنزل وفي المدرسة، وتحفيز الأطفال على ممارسته من خلال الأنشطة المدرسية والفعاليات التربوية في مؤسسات الدولة، وحرص الإسلام قبل ظهور الدراسات على التسامح، فجاء في سورة الزخرف قوله تعالى {فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}.
لماذا نحتاج إلى التسامح؟
الحياة قائمة على التبادل والأخذ والعطاء، ولا يستطيع الفرد أن يعيش وحيدا معتمدا على ذاته في كل أمور حياته، لذلك لا بد من الانسجام مع الآخر وخلق حدود اجتماعية لطيفة، والتسامح ضروري للبقاء على التواصل بين الأفراد والرقي في التعامل وحسن الخلق.
ما هي الأمور التي نحتاج أن نسامح فيها؟
بشكل عام ليست هناك أمور محددة، أنت لست بحاجة إلى السلبية في حياتك، لأنها ستعيقك كثيرا عن تحقيق النجاح الذي تسعى إليه، لذا لا تأسر نفسك بأحقاد الماضي، وسامح من أساؤوا إليك وامض إلى الأمام، فالحياة أقصر من أن تقضيها في الكراهية والحسرة على ما فات.
كيف يمكن للفرد أن يتخلص من لوم نفسه ومسامحتها؟
يسرف بعض الأفراد في جلد ذواتهم ولومها، ومن المهم التخلص من الجلد للآثار السلبية في تطوير الشخص، فلا تحمّل نفسك ما لا طاقة لك به، وسامح نفسك على ما ارتكبته من أخطاء، تذكر دائما أن الفرص وفيرة في العالم وإن أضعت إحداها فسيأتي غيرها.
ما العلاقة بين التسامح وتقدير الذات؟
التسامح مهم في حياة الفرد وتقديره لذاته، فإذا لم يسامح فسوف تزداد المشاحنات والتراكمات التي تتسبب المشاعر السلبية، والتي ستؤثر على علاقته بالآخرين والأخذ بالثأر والانتقام، فالتسامح يساعد الشخص على التخلص من هذه المشاعر، وتزداد ثقته بنفسه وتقديره لذاته وينعكس عليه الشعور بالسعادة، مما يؤثر بشكل إيجابي فينجح في علاقاته مع الآخرين.
ما المشاعر التي يمر بها الفرد إن لم يتسامح مع ذاته؟
لن يستطيع تكملة المسار في هذه الحياة، سوف يكون دوما مشحونا على الغير وليس لديه ثقة بهم، مما يسبب المشاحنة والقطيعة، والرسول أوصانا “صل من قطعك”، أي نصل من تسبب لنا في أذى وقطيعة، أي لنتواصل يجب أن نسامح ونغفر.
هل يمكن التصالح مع الماضي وظروف الحياة؟
من عفا وأصلح فأجره على الله، مهما طال الخلاف فالأخلاق تفوز في النهاية، والعفو من شيم الكرام قال الله تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين”.
هل هناك من لا يستحق أن نسامحه؟
نعم، الأشخاص المتعصبون وكذلك الأشخاص غير السويين الذين لديهم مشاكل حقد وتراكمات اجتماعية ويتعمدون إلحاق الضرر بالآخرين بقصد ودون النظر إلى عواقب تصرفاتهم وتطاولهم على مشاعر أناس وخصوصياتهم.
ماذا عن التسامح في بيئة العمل؟
التسامح مهم لسير العمل وتكملة الأدوار بين الموظفين أو الموظف ورئيسه، حيث إن كلا منهم يمثل الوظيفة وليس نفسه، هناك اختلاف في الآراء ووجهات النظر ولكن لا تؤخذ بالشكل الشخصي، لأن ذلك ينعكس على الأداء العام للعمل، التباغض والمشاحنات ستصل بهم إلى طريق مسدود ولن يتمكنوا من الإنجاز وتحقيق الأهداف المرجوة.
لماذا يقاوم كثيرون التسامح؟
الإنسان الذي لم يتذوق التسامح ولم ينشأ عليه صعب أن يسامح في الكبر، والفرد الذي لا يؤمن بأن الله غفور رحيم لن يغفر لغيره، بالإضافة إلى التراكمات والضغوط النفسية التي تطغي عليه وتحجب عنه التسامح الفعلي.