حسن حامد يكتب :سليمان كنج والرحيل المر
فحيح اليراع
حسن حامد
*سليمان كنج والرحيل المر*
حاولت جاهدا أن أرتب الكلمات المبعثرة منذ ليلة الفاجعة التى ألمت بنا بخبر حادث أعز الأصدقاء (شهداء) الموكب المشارك من جنوب دارفور فى مليونية مولد الهدى والنور الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم، بمحلية كلبس بولاية غرب دارفور.
فأبت الكلمات أن تترتب أمام لسانى المتعثر ولكنى أحاول أن أستجمع قوى علنى أستطيع أن أقول شيئا فى حق رفيق دربي الغالي جدا سليمان كنج الذي إصطفاه الله ضمن خمسة من رفاقه فى تلك الرحلة التى لا عودة بعدها بجانب إصابة ستة آخرين من بينهم صديقي العزيز عبدالرحمن إبراهيم(عبدوش) الذي أجريت له عملية ناجحة فى الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس إستغرقت أكثر من خمسة ساعات نسأل الله له ولبقية المصابين عاجل الشفاء يارب.
بأى كلمات أقول فيك حبيبى سليمان كنج وكأنى أراك ماثلا أمامى فى شاشة هاتفي والدموع تغمرنى حتى أفقد كل كلمة حضرتها لأضعها فى موقعها المناسب.
ولكنى أعود إلي رشدى ولا أقول إلا ما يرضي الله تعالى “إنا لله وإنا إليه راجعون”.
سليمان إبراهيم “كنج” الذي ولد فى مدينة الجنينة ونشأ وترعرع فى حى السلام بنيالا عاش حياة بسيطة سلك من خلالها كل الدروب من أجل توفير متطلبات الإستقرار الى أن توقف عند مهنة المتعة والمتاعب “الصحافة” فكان نعم المصور البارع الذي أثبت النجاح من خلال مطاوعته لعدسة الكاميرا الفوتوغرافية والتلفزيونية آخذا التجربة من عمنا شيخ المصورين بجنوب دارفور العم أحمد بيضه أطال الله في عمره.
سليمان هو أب لطفلتين يعيشون فى منزل متواضع لم تكتمل لهم بعد إجراءات تقنينه الذي يحلم به حتى فى الأمس القريب قبيل هذا الرحيل المر نسأل الله أن تجود حكومة الولاية ووزارة البنى التحتية بإكمال إجراءات تقنين هذا المنزل لإيواء طفلتيه ووالدتهم التى لم يسبق لها العمل سوي الإعتماد على رب الأسرة الذي غادر الدنيا الفانية.
سليمان رحل خلاص وبعد تغطيته لختام المولد بنيالا جلسنا معه بعد صلاة المغرب لتناول كوب الشاى بالقرب من ساحة المولد ومعنا الزميل على منصور ولأول مرة أشعر بأن سليمان لم يكن الذي أعرفه وهو يعمل معى مصورا لقناة سودانية ٢٤ من جنوب دارفور فكان مشغولا بأشياء لم أعهدها من قبل لسيت كالمأموريات الصحفية التى يسأذننى للذهاب لتغطيتها فأنا كنت مشغولا طوال ساعات نهار ختام المولد وإتصل على عدة مرات ولم يكن هاتفى معى (وعندما إلقيته عقب صلاة المغرب هاجمنى بالعتاب قائلا عليك الله رد لى فقط عاوز أكلمك بأن بكرة مسافر) وذات العبارة كررها للزميل على منصور قائلا له كنت عاوز فقط أخطركم إنت وحسن بأننى مسافر عقب صلاة الصبح لأن الدنيا ما معروفة وإكتفى بهذا الحديث وهو وعلى منصور فى طريقهم إلي منزله بحى السلام.
غادر سليمان برفقة بقية الوفد نيالا صوب كلبس وكأنه يشعر بأنه لا يعود من واقع حديثه لنا ولأسرته قبل مغادرته وحتى لحظة وداعه لبنتيه ووالدتهم ولأول مرة تقوم إبنته الكبري البالغة تسعة سنوات بمرافقته حتى الظلط وبعد وداعها لوالدها عادت إلي المنزل وكتبت فى وريقة ” سأشتاق لك يا بابا” إحتفظت بها والداتها.
غادر سليمان آملا فى العودة لترتيب لمواصلة المشوار من واقع ترتيب مسبق للذهاب معنا إلي معسكر كلمة لتسجيل حلقة لصالح “برنامج أوراق” الذي يعده ويقدمه الزميل على منصور حسب الله بقناة الحوش والذي يعاوننى فيه الزميل سليمان كمساعد مخرج ومصورا للبرنامج حيث قال للزميل على ” برنامج التسجيل فى كلمة عندى ليكم رؤية خاصة أوع تمشو مع حسن تخلونى لازم تنتظرونى أعود عشان أمشي معاكم”، وقد وعده الزميل على بذلك ولكن رحل سليمان خلاص تاركا لنا جرح عميق.
عمل سليمان مصورا ومخرج بتلفزيون نيالا ومصورا لقناة الخضراء ثم قناة طيبة ومصورا لبعض الوكالات العالمية وأخيرا مصورا لقناة سودانية ٢٤ مكتب نيالا وكذلك قناة الخرطوم حتى رحيله وإستفاد من خبرته وتجاربه بإنشاء قناته على منصات التواصل واليوتيوب تحمل إسم ” سما دارفور”.
بدأ الراحل معى كمصورا لقناة سودانية ٢٤ التى أعمل أنا مراسلا لها من جنوب دارفور وكان ذلك فى العام ٢٠١٦م حيث أنتجنا تقارير وأخبار لا تحصي ولا تعد من خلال عملنا بنيالا وطوافنا على كل ولايات دارفور فى إطار تحقيق شعار القناة ” بلد فى شاشة”.
برحيلك يا سليمان إختفت الكاميرا التى تقف أنت شامخا خلفها وتصوبها نحوى وأنا ممسكا بلوقو سودانية ٢٤ لنقل ما يدور من حراك وقضايا هنا وهناك وبدونك لا أستطيع أن أعمل لغياب عدستك التى تجيد عبرها إختيار الزوايا وبإحترافية.
رحل سليمان وإبتسامته لا تفارقه أبدا وكل الصور التى وثقها الزملاء له تؤكد ما ذهبت إليه.
عاش سليمان فى حياة بسيطة ومتواضعة كتواضعه بين زملاءه وفارقنا بذات التواضع والخصال الطيبة ومن خلال عمله معى فى قناة سودانية ٢٤ كان دوما متقبلا نقدى له فى بعض الأحيان فى الصور التى يأخذها ودوما يقول ” حاضر ومنك نتعلم ونستفيد”.
هكذا كان صديقي وزميلي بل أصبح شقيقي الأكبر سليمان كنج الذي رحل عنى فجأة تاركا فينى مساحات شاسعة جدا من الحزن ولكنى لا أقول إلا مايرضي الله سبحانه وتعالى “إنا لله وإنا إليه راجعون”
اللهم تقبل عبدك سليمان وأدخله فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء وألهمنا الصبر الجميل.
إن العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا على فراقك ياسليمان لمحزونون.
أخيرة اليراع
بإسم زملائي الصحفيين والإعلاميين بكافة ولايات البلاد نرسل التحية والتقدير والثناء لأهل جنوب دارفور ونيالا تحديدا على وقفتهم معنا فى هذه المحنة منذ وصول المصابين لمستشفى نيالا التعليمى وحتى تشييع جثامين الموتى.
والتحية لحكومة الولاية ولجنة أمنها برئاسة الوالى موسي مهدى اسحق ولأسرة وزارة الصحة والتأمين الصحى على وقوفهم فى علاج المصابين وتكفل والى الولاية بكل تكاليف عملية الزميل عبدوش التى تمت بنجاح بمستوصف الأبرار الطبي بنيالا بتكلفة مليون وستمائة وخمسين ألف جنيه.
التحية لأسرة المرور السريع قطاع جنوب دارفور بقيادة الرائد شرطة د محمد أحمد سبيته وطاقمه المتميز على سرعة الإستجابة بتوفير دورية للذهاب إلي نيرتتى لحظة وصول خبر الحادث وتحية أيضا لإستخبارات الفرقة (١٦) مشاه بقيادة العقيد الطيب ولقيادة اللواء (٦١) كاس وبصفة خاصة الملازم أول بانقا على تخصيصهم لعربة ذهبت معنا إلي نيرتتى إلا أننا قابلنا الوفد المتجه إلي الجنينة فى منطقة طور يحمل معه جثامين الشهداء الخمس.
وصوت شكر وعرفان نسجله لحكومة ولاية وسط دارفور ومحلية غرب جبل مرة حكومة وشعبا وأجهزة أمنية على دورهم المشهود فى الوصول لموقع الحادث وإجلاء الجرحى والشهداء إلي مستشفى نيرتتى وتوفير إسعاف لنقل المصابين إلي مستشفى نيالا التعليمى فالتحية والتجلة لأهل نيرتتى الوريفة هكذا عهدناكم فأنتم حققتم بأن البلاد كالجسد الواحد إذا إشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
والتحية للزملاء الصحفيين والإعلاميين بجنوب دارفور على مبادرتهم بتأبين الراحل فى منزله أمس الأربعاء بحضور والى جنوب دارفور ولجنة أمن الولاية.
وهناك العديد من الجهات والزملاء بداخل وخارج الولاية الذين ظلوا على الدوام فى التواصل معنا لتقديم واجب العزاء للشهداء والإطمئنان على المصابين والذين لا تسعفنى الذاكرة لذكرهم ولكنى أقول لهم جزاكم الله خيرا وأسأله تعالي أن لا يريكم مكروها فى فقد عزيز.