مقالات

جعفر باعو يكتب : وداعا.. أمي

من الواقع

جعفر باعو
وداعا.. أمي
*أجمل لحظات حياتي ومحال أن تمسح من الذاكرة هي تلك الجلسة الصباحية ونحن ننتظر والدتنا عطر بت حسن ود محمود باعو وهي تجهز لنا شاي الصباح المطعم بالحنية والحب ومعه لقيمات الطيبه والاخلاص التى كانت تجتهد لنا فيها والابتسامة علي وجهها الصبوح.
*كان يومها يبدأ مع أذان الفجر وبعد أداء صلاتها والتسبيح تتجه صوب الغنيمات لحلب اللبن ثم إشعال النار في” المنقد” لصنع أجمل كباية شاي وأروع لقيمات، وبعدها تبدأ رحلة صاج الكسرة وتجهيز الخضار ليوم ينتهي بعد صلاة العشاء بعد أن تطمئن أن الجميع تناول وجبته، لم تكن تخلد للنوم إلا بعد أن ‘تحجينا”بأروع القصص التى لا زالت محفورة في الذاكرة.
*ظل هذا البرنامج اليومي مستمراً حتى بعد أن كبرنا وظلت تفعل مع أحفادها ما كانت تعمله لنا ونحن أطفال، في حضرتها لم نشعر أننا كبرنا فحنان الأم لا يعوض أبداً، لم يتغير برنامجها إلا في ذاك اليوم الذي توضأت فيها لأداء صلاة الفجر فسقطت على مصلايتها مصابة بجلطة قبل خمسة أعوام ربما تزيد قليلاً، وظلت طيلة هذه الفترة صابرة على الألم والمرض الذي أفقدها الحركة والنطق، فكانت عيونها هي اللسان الذي يرسل لنا
عند غيابنا وكانت يداها الطاهرتان هي التى تشعرنا بالدف والحنان.


*الأم  هي أعظم نعمة منّ الله بها علينا، الأُم هي مصدر السعادة والتفاؤل والأمل في هذه الحياة، بوجودها تحلو الحياة في عيون من حولها، ولكن ليس على الإنسان الفرار من القدر وهو الفقد لذلك علينا أن نقدر هذه النعمة بطاعتها والإحسان اليها قبل فقدها.
عصر الأربعاء الثالث والعشرين من يونيو٢٠٢١م الثالث عشر من ذي القعدة كان رزق والدتنا من الصحة والصبر وجريان الدم في العروق قد نفد، رحلت امي الغالية وهي بين أيدينا بعد أن كنا بأيديها منذ ولادتنا وحتى أصبحنا رجالاً رحلت أمي وابتسامتها حاضرة وأعمالها على لسان الجميع.  أصعب اشتياق أن تشتاق لأحد لن تراه أبداً ولن يأتي مثله ولن يعوض مكانه أحد، رحمة ربي عليك يا أمي. أمي أفتقدتك ولكن لن ننساكِ من دعائنا، ولن نقلق عليكِ يا أمي؛ فأننا واثقون أن لكِ رباً كريماً ورحيماً عليكِ، ولكن كل ما أود قوله أننا لن ننساكِ، رحمكِ الله وغفر لكِ. أمي أشتاق لأسمع ضحكاتك، أمي سامحيني إذا قصرت في حقك، سامحيني إذا انشغلت عنك، أمي لن أنساكِ مهما عشت.
*وأنت بين يدي الكريم المقتدر يا امي اعلمي أن عادل اجتهد لرؤيتك ولكن ظروف الحرب منعته، وعاطف كان يجهز نفسه للعودة حتى يتلمس بعضاً من حنانك، أما رضا فكان قلبه يعتصر ألماً وهو الذي ودعك قبل أيام من رحيلك ولم يلق نظرته الأخيرة عليك فدموعه لم تتوقف منذ وصوله وأنت في قبرك الطاهر، معز يا أمي أجل سفره لكي ينهل من حنانك وحبك لتكون زاداً له في سفره فصعدت روحك الطاهرة وأنت بين يديه.
*أمي .. إن كانت الدموع تعيد الموتي لكنتِ بيننا الآن، فبناتك لم تجف دموعهن لأيام متتالية وأبناؤك امتلأت قلوبهم حزناً ومقلهم دمعًا وأحفادك امي لازالوا ينتظرون رؤية ابتسامتك العذبة.. ينتظرون معايدتك لهم في عيد الفداء وينتظرون أن تواصلي لهم قصة فاطمة السمحة والغول وود نفاش وغيرها من القصص التى زينت بها ليالينا ولياليهم.
*أمي.. نسأل الله لك الرحمة والمغفرة والعتق من النار ونسأله تعالى أن يبدلك داراً خيراً من دارك وأهلاً خيراً من أهلك وأن يسكنك الفردوس الأعلى مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.. ولا حول ولا قوة الا بالله.
(إنا لله وإنا إليه راجعون).
 

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى