الأخبارالثقافية

جريمة قابلة للتكرار.. “نيترام” فيلم يؤرخ لمذبحة حدثت منذ 25 عاما

جريمة قابلة للتكرار.. “نيترام” فيلم يؤرخ لمذبحة حدثت منذ 25 عاما

عند الإعلان عن الفيلم قوبل بالرفض، وسادت المخاوف من أن يمجّد قاتلا، أو يصوره على أنه متعاطف.

لم يعد من الممكن القول إن الأفلام يجب ألا تتحدى أو تثير القلق، أو لا ينبغي أن تتعمق في أغمق الموضوعات، بعد تاريخ طويل من استخدام السينما في فضح أسوأ الجرائم، عبر العديد من الأفلام حول الإبادة الجماعية، وعدد لا يحصى من المشاهد التي تقشعر لها الأبدان، وصولا لهذا الفيلم “المُثير للقلق، كقصيدة ذات نغمة مزعجة للغاية”، على حد وصف الناقد السينمائي لوك بكماستر.

إنه فيلم “نيترام” (Nitram) للكاتب الأسترالي شون غرانت، والمخرج الأسترالي المثير للجدل دائما جاستن كورزل، خاصة عندما يقرر استكشاف ملابسات حدث يمثل صدمة غير مفهومة، ويضعنا في الأجواء التي سبقت مذبحة بورت آرثر في تسمانيا عام 1996، التي قتل فيها 35 شخصا وجرح فيها 23 آخرون، في محاولة لفهم أسباب وكيفية حدوثها.

إنكار الجاني

الفيلم معني بالدرجة الأولى بسبر أغوار شخصية مارتن براينت، الذي ارتكب أسوأ مجزرة في تاريخ أستراليا، وهو ما يُفسر حرص الكاتب غرانت على أن يبني السرد “بطريقة شديدة الوعي وغير تعليمية، ترفض الإجابات السهلة، وتُضفي إحساسا غريبا ومضطربا على الأحداث”، كما يقول بكماستر. وذلك لإدراكه قيمة كل تسلسل يؤدي إلى فهم المأساة.

وفي مثال مُبكّر على هذا النهج، نرى المسلح (قام بدوره النجم الأميركي كاليب لاندري جونز)، الوحيد الذي لم يُذكر اسمه مطلقا في الفيلم، كأسلوب حديث للمخرج كورزل، يهدف إلى إنكار وجود الجاني لسمعته السيئة؛ فهو نفسه كان يُنكر ذاته؛ ففي إحدى المرات قال لوالدته “أحيانا أشاهد نفسي ولا أعرف من الذي أنظر إليه”.

يحاول أن يجرب رياضة التزلج على الأمواج، فتكرر عليه والدته (النجمة الأسترالية جودي ديفيس) القول “أنا والدتك، أنا أحبك، ولكن ركوب الأمواج ليس لك”.

وهو ما يجعل المشاهد يتساءل عن الأهمية الخاصة لهذا المشهد، الذي يمكن مقارنته بالسؤال القديم حول إذا كانت حياة هتلر وبالتالي مسار التاريخ البشري سيسيران بشكل مختلف إذا تم قبوله في مدرسة الفنون؟ وبالمنطق نفسه أيضا: هل كانت الأمور ستسير في طريق المأساة لو كانت والدة الفتى شجعته على النجاح في رياضة ركوب الأمواج؟

والإجابة أنه رغم أن كلا من الكاتب غرانت والمخرج كورزل يعرفان أن بطل الرواية يعاني من مشاكل في الصحة العقلية، ويتعاطى مضادات الاكتئاب، لكنهما لا يستخدمان هذا لتبرير أفعاله أو شرحها، بل حرصا على أن يُظهرا أنه كان لديه أشخاص مهمون في حياته في الفترة التي سبقت المذبحة، وقبل أن يميل نحو الحافة؛ هما والده الخجول (أنتوني لابغليا) وصديقته الثرية (إيسي ديفيس).

بانوراما من المشاهد غير المزخرفة

بمجرد الإعلان عن الفيلم -الذي “تضمن اختبارات لا هوادة فيها لجزء من أحلك فترة في التاريخ الإجرامي بأستراليا”، كما يقول أليسون تايلور، المتخصص في دراسات الأفلام في جامعة بوند الأسترالية- قوبل بالرفض، وسادت المخاوف من أن يمجّد قاتلا، أو يصوره على أنه متعاطف.

إلا أن الفيلم اهتم بما قبل المجزرة، بدل المجزرة نفسها، ليصور شابا كان منبوذا طفوليا، وأصبح غير قادر على تنظيم عواطفه، أو الاندماج في المجتمع من حوله، حتى اعتاد والداه على سلوكه المنحرف على مر السنين.

وبقدر ما أظهر كورزل السفاح على أنه منبوذ مُستخف به، فإنه لم يقل أن أفعاله تشكل تمردا قهريا على المجتمع، وفضّل أن يفند فكرة أن شيئا ما قد حدث معه منذ صِغَره، وشكل خطأً عميقا. وقاوم فكرة “الطفل الشيطاني” التي اعتادت أفلام مشابهة أن تقدم فيها البطل بوصفه وُلد شريرا خالصا.

ففي مشهد من أهم مشاهد الفيلم التي تم تنفيذها جيدا، وكتبه غرانت من دون زخرفة “رغم أنه ينبض بالحياة بالكامل”، حسب وصف بكماستر؛ نرى مناجاة الأم وهي تذكر عندما فقدت ابنها (براينت) ذات يوم، أثناء رحلة تسوق، ثم فوجئت به بعد طول بحث وهلع جالسا في المقعد الخلفي للسيارة ينظر إليها ويضحك، تقول “كان يضحك على ألمي”.

لكن الأكثر أهمية هو المشهد الأول الذي حدث في قسم الحروق بالمستشفى، حيث يُسأل الشاب براينت عما إذا كان قد تعلم الدرس بخصوص العبث بالألعاب النارية؟ فيجيب بنعم، “لكنني ما زلت ألعب”.

وهنا يعلق الناقد بكماستر “إنها لمسة ذكية، أثبتت منذ البداية أن بطل القصة يدرك تماما أن أفعاله لها تداعيات وعواقب، وأنه ليس مجرد ضحية للسلوك المعادي للمجتمع”.

بطل القصة يدرك أن أفعاله لها تداعيات وعواقب وأنه ليس مجرد ضحية للسلوك المعادي للمجتمع (مواقع التواصل)

رسالة أيديولوجية

أسهمت لمسات المخرج كورزل الحية الغنية بـ”تأثير التكثيف النفسي” في استغلال طاقة الممثل كاليب لاندري جونز (الفائز بجائزة أفضل ممثل في مهرجان كان هذا العام) ليأتي أداؤه آسرا بشكل قاتم طوال الوقت، لما لديه من موهبة “شدة الانجراف والانحسار المؤلم، والمد والجزر”.

وصولا إلى نهاية المطاف، حيث يتم تعزيز جمالية الفيلم المُبهمة برسالة أيديولوجية تظهر عندما يذهب البطل (المجرم) للتسوق لشراء الأسلحة؛ فتجعل من الواضح أن كورزل وغرانت وضعا العمل في قلب النقاش حول قوانين الأسلحة؛ كأنهما يتساءلان: لماذا يُسمح لشخص مثل هذا أن يشتري أسلحة، سواء هو أو من يأتي بعده؟ وهو ما أجابت عنه اتفاقية الأسلحة النارية الوطنية التي تم تنفيذها في أستراليا بعد المذبحة.

لذا رأى بكماستر أن هذا شيء جيد تميز به هذا الفيلم عن أعمال كثيرة أخرى من هذا النوع، بعد أن ظهر على هذا المستوى الرائع من استخدام أدوات الدراما، وما تتضمنه من الشخصيات إلى القصة والأداء، لدرجة تجعله يمثل إنجازا غير عادي، لا تنقصه الأناقة، متسائلا: “ما الفائدة من أن نصنع فيلما عن إطلاق نار جماعي من دون رؤية أو أجندة، لمجرد الرغبة في إعادة سرد أشياء فظيعة بشكل واقعي؟”

وبدل ذلك -حسب أليسون تايلور- “يطرح الفيلم أسئلة معقدة حول المزيج المتقلب للقوى الشخصية والتاريخية والاجتماعية التي ربما أدت إلى أحداث المجزرة”.

المصدر : مواقع إلكترونية

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى