مقالات

جدية عثمان تكتب: ..مسافات..قطار العودة… ونبض الوطن

جدية عثمان تكتب: ..مسافات..قطار العودة… ونبض الوطن

 

 

“قطار الشوق متين ترحل تودينا نزور بلداً.. حنان أهلها فراقهم كان يبكينا”…
لم تكن هذه مجرد كلمات في أغنية خالدة، بل تحوّلت إلى مشهد حي يلامس القلوب، حين رنت أجراس العودة في قلب القاهرة، وتحديداً من محطة رمسيس، اصطف المئات من السودانيين العائدين إلى وطنهم عائدين بشوق لا يصدأ وأمل لا ينكسر.

في لحظة فارقة، شكّل القطار الذي أعدته منظومة الصناعات الدفاعية جسراً بين الفقد والعودة، بين ألم الغربة ودفء الوطن لم يكن القطار مجرد وسيلة نقل، بل رمزاً وطنياً متحركاً محمّلاً بالكرامة، ومشهدية مدهشة لقيمة الوفاء والواجب. عائلات كاملة، كبار في السن، نساء، أطفال، شباب عيونهم معلقة على الأفق السوداني، وقلوبهم تهتف لوطن ما زال يقاوم، وطن لم يفقد أبناءه إيمانهم به رغم الحروب والتشظي.

منظومة الصناعات الدفاعية، التي عرفها السودانيون دوماً كخط دفاع أول في ميادين الحرب، برهنت أنها أيضا خط الدفاع الإنساني والاجتماعي في لحظات المحن. لم تكتفِ بتوفير الحماية والسلاح، بل صنعت الأمل، ورتّبت العودة الطوعية لأبناء السودان في الخارج، بترتيبات دقيقة، وخدمات راقية وطعام دافئ، وعناية تراعي كرامة الإنسان قبل أي شيء آخر. وهذه ليست مجاملة، بل حقيقة تجلّت أمام الجميع في كل تفصيلة من تفاصيل هذا المشهد الوطني.

وراء هذا الإنجاز يقف قائد مثقل ليس فقط بخبرته العسكرية، بل بروحه الوطنية ومسؤوليته الاجتماعية، المدير العام للمنظومة الفريق أول مرغني إدريس سليمان رجل لا تستهويه الأضواء، لكنّه حاضر في كل تفاصيل الإنجاز، من أصغر قرار إلى أكبر تحرّك. يقود فريقه بإخلاص الجندي وحكمة القائد، ويضع السودان نصب عينيه في كل موقف. في زمن تُدار فيه الحروب والبلاد بالعناوين الكبيرة والشعارات الفضفاضة، هذا الرجل اختار أن يعمل بصمت، وأن يحوّل مسؤولياته إلى أفعال محسوسة في حياة الناس.

اليوم، يقف الوطن على عتبة جديدة، نعم، الحرب لم تنتهِ، والجراح لم تندمل، لكن في كل قطار عائد، هناك وطن يُعاد ترميمه بالحب. وفي كل وجه مبتسم بين العائدين، قصة صمود وإيمان بأن السودان لا يُبنى فقط بالبندقية، بل ببذل الأرواح والقلوب والعقول.

يبقى الدور الأهم على عاتق الشعب نفسه – فالوطن لا يبنيه إلا أبناؤه. لا الجيش وحده، ولا الدولة وحدها، بل كل من يزرع خيراً، يُعلّم طفلاً، يبني طوبة، أو يعود ليساهم من جديد. فالسودان، رغم الجراح، يستحق أن نحلم له، ونحلم به.
فعودوا يا أبناء الوطن، فقد آن أوان البناء.
مسافات.. جدية عثمان
لندن …22 يوليو 2025

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى