جدية عثمان تكتب : الفن في وجه العاصفة

جدية عثمان تكتب : الفن في وجه العاصفة
في مشهد حيّ من مهرجان “غلاستنبري” الشهير، صدم مغني فرقة “بوب فايلان” الجمهور والمتابعين حين قاد هتافًا مباشرًا ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، نُقل على الهواء عبر شاشة الـBBC دون
رقابة أو تدخل. هذا الموقف الجريء أجبر هيئة الإذاعة البريطانية على الاعتذار لاحقًا، بعدما طالبتها “أوفكوم” – الهيئة المنظمة للبث في بريطانيا – بتوضيح موقفها من المشهد.
هذا الحدث أعاد طرح سؤال قديم جديد:
متى يكون الفن مجرد ترف؟ ومتى يتحوّل إلى موقف لا يعرف الحياد؟
الفن لم يُخلق للترفيه فحسب. عبر التاريخ، كان مرآةً صادقة لحال الشعوب، وسلاحًا ناعمًا ضد القمع. والموقف الذي اتخذه فايلان – وإن أثار الجدل – أعاد التأكيد أن المسرح قد يصدح بما لا يجرؤ السياسي على قوله. حين تصمت الحكومات، قد يتكلم الفن.
ونحن في السودان نعرف هذا جيدًا. فقد اختار الفنانون الوقوف في الصفوف الأمامية، سواء في ثورة ديسمبر أو في حرب الكرامة الحالية.
عاطف السماني، الذي لم يكتف بالكلمات بل حمل السلاح وقدم أغانٍ تحوّلت إلى رسائل دعم للمقاتلين،
وطه سليمان الذي عبّر بوضوح عن موقفه الوطني، وكذلك الفنانتان ندى القلعة وميادة قمر الدين، إلى جانب كثيرين ممن اختاروا أن يكونوا صوتًا للناس لا صدى للسلطة.
الفن السوداني أثبت أنه ليس تابعًا، بل ناطقٌ باسم الضمير الشعبي.
نعم، قد تخلق المواقف الفنية صدامًا مع المؤسسات الكبرى، لكنها – بصدقها – تظل ضرورية. في زمن الضباب، من يملك صوتًا نقيًا عليه أن يرفعه.
التحية للفنانين السودانيين الذين فهموا أن الانحياز للوطن لا يحتاج إلى إذن، وأن الكلمة الصادقة لا تُقمع… بل تُكرَّم.