( جبريل ابراهيم ) .. خيارات محدودة لتجاوز الوضع الراهن
( جبريل ابراهيم ) .. خيارات محدودة لتجاوز الوضع الراهن
تقرير: سنهوري عيسى
يواجه دكتور جبريل ابراهيم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، تحديات عديدة بعضها موروث من سلفه دكتور ابراهيم البدوي وحكومة دكتور عبدالله حمدوك ، وبعضها في عهده نتيجة لاستمراره في سياسة سلفه بتحرير الاقتصاد ورفع الدعم عن السلع
والخدمات، وبعضها لقرارات التى أصدرها جبريل منذ بداية هذا العام بزيادة تعرفة الكهرباء وفرض الرسوم والضرائب و تحرير سعر الدولار وايقاف نظام تقسيط الجمارك واهمال تمويل قطاعات الإنتاج والصادر بجانب زيادة الضرائب التى دفعت التجار الي اغلاق الأسواق
بالولايات، ودفعت أصحاب المصانع لإيقاف الإنتاج، ودفعت المستوردين الي اجحام عن الاستيراد، بجانب ضعف المرتبات مقابل ارتفاع تكاليف المعيشة الأمر الذي دفع العاملين
بالعديد من المرافق الخدمية والوزارات لرفع سلاح الاضراب، لتصبح الخيارات السهلة التي لجأ إليها جبريل بزيادة الضرائب والاستمرار في رفع الدعم عن السلع غير مجدية لتجاوز الوضع الراهن، بل يتطلب الوضع الاقتصادي الراهن البحث عن خيارات جديدة.
ويري خبراء اقتصاديون، أن هنالك خيارات محدودة أمام دكتور جبريل ابراهيم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي لتجاوز الوضع الراهن بالبلاد، وتداعيات ايقاف المساعدات الدولية للسودان، في مقدمتها مراجعة السياسات الاقتصادية الحالية واحداث تناغم بين
السياسات المالية والنقدية، وايقاف زيادات الرسوم والضرائب والعمل على توسعة المظلة الضريبية أفقيا بادخال ممولين جدد، بدلا عن زيادة الضرائب والتعسف في
تحصيلها، وتحريك قطاعات الإنتاج الزراعي والصناعي والصادر واشراك القطاع الخاص في اتخاذ القرارات الاقتصادية.
وأجمع الخبراء علي أن حل الأزمة الاقتصادية بالبلاد هو حل سياسي للأزمة السودانية بتشكيل حكومة مدنية لإدارة الفترة الانتقالية ومعالجة قضايا الاقتصاد السوداني ومعاش
الناس وتوفير الأمن وإجراء الانتخابات، بجانب استئناف المساعدات الدولية للسودان.
تحديات جبريل
ويري دكتور عبدالحميد اليأس مدير مركز البحوث والدراسات الإنمائية بجامعة الخرطوم، أن دكتور جبريل ابراهيم وزير المالية يواجه تحديات عديدة وكبيرة تتجلى فى الركود
التضخمى وتراجع مؤشرات الاداء الاقتصادى خاصة ارتفاع تكاليف الانتاج بسبب الضرائب وارتفاع تكاليف مدخلات الانتاج، كما يعانى الاقتصاد من آثار العزلة الدولية بسبب الانقلاب
الذى يدعمه وزير المالية عبر حركته المشاركة في السلطة، فضلا عن انه لا توجد حكومة ولا رئيس وزراء مما جعل البلاد فى حالة من الفوضى والفراغ الإدارى مما انعكس على كافة مناحى الحياة.
اللجؤ للخيار السهل
واضاف دكتور عبد الحميد اليأس: لجأ وزير المالية للخيار السهل وهو جيوب المواطنين الخالية مما أدى الى تفاقم الكساء بسبب انكماش الطلب المصحوب بضعف العرض..
المخرج الوحيد
وأكد دكتور عبدالحميد اليأس، انه لا مخرج من هذا الوضع الراهن، الا بانهاء الانقلاب، وتشكيل حكومة كفاءات تعيد الامور الى نصابها.
الاستمرار في سياسات التحرير
وفي السياق ذاته يري دكتور ةهيثم محمد فتحي الخبير الاقتصادي، أن المعضلة التي وقع فيها دكتور جبريل ابراهيم، هو استمراره فى سياسات التحرير، والتعاطي مع الأزمة
بذات الأدوات الاقتصادية والفكرية التي كانت تتبعها الاداره الاقتصادية قبله
واضاف دكتور هيثم: جوهر أى أزمة اقتصادية وسببها الأساسى دائماً هو (عجز الموازنة)، وإذا استطعنا أن نجد حلاً لهذه المشكلة فسنستطيع أن نجد حلاً لجميع المشاكل
التالية المترتبة عليها، فتعود الأسعار للانخفاض، ويهدأ سعر الصرف، ويقل العجز فى ميزان المدفوعات، وبالتالى يقل الضغط على سعر الصرف فى السوق، ويعود سعر الجنيه للثبات.
حل ليس سهلاً
وأكد دكتور هيثم، إن حل العجز ليس سهلاً، لأن الحكومة لا يمكنها الاقتراب من ثلاثة أرباع المصروفات التى تذهب للمرتبات والصحة والتعليم، وهذا يعنى أن العجز مستمر في الميزانية.
واضاف : لابد أن من تخفيض المصروفات دون أن يؤثر ذلك على المواطن محدود الدخل، ودون أن تزيد الأعباء عليه، مع الاهتمام فى نفس الوقت بزيادة الإيرادات بشكل أكبر
زيادة الإيرادات الحكومية
ونوه دكتور هيثم ، إلي أن زيادة الإيرادات تكون أيضاً من خلال زيادة النشاط الاقتصادى الذى يمكن اعتباره المفتاح الرئيسى لحل عجز الموازنة، وحل عجز الموازنة مفتاح الاستقرار، واللجوء إلى النشاط الاقتصادى هو الحل الأمثل.
السياسة والاقتصاد
لكن الاستاذ محمد نور كركساوي الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية لقوي الحرية والتغيير( تيار الوسط) ، يري أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، فالبعد
السياسى القائم الآن، قد ألغى بمؤثراته السالبة على الهياكل الاقتصادية والاجتماعية الحالية هذا بالإضافة إلى السياسات المالية والنقدية التى اتبعتها وزارة المالية والبنك
المركزى خلال الفترة الانتقالية السابقة واكمل عليها وزير المالية الحالى بصب الزيت على النار بلجوءه الى جيب المواطن مباشرة وبالاستدانة من النظام المصرفى لسد عجز
ايرادات الدولة وتسبب فرض الضرائب الباهظة إلى هروب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد وتوقفت عجلة الانتاج فخلقت الندرة فى الاسواق ، واشعلت إرتفاع الأسعار ونسب
التضخم إلى معدلات تفوق القدرة الشرائية للمواطن مما أفقره باضعاف القوة الشرائية للعملة المحلية بالتالى تاثرت سلبا كل طبقات المجتمع بازدياد نسبة الفقر التى فاقت
(٧٠% ) من السكان بحسب تقرير منظمة الاغذية العالمية، فذابت الطبقة الوسطى وجزء كبير من الطبقة الغنية فزادت معدلات هجرة الأسر السودانية إلى دول الإقليم
وخاصة مصر (بحدود ٤ مليون نسمة) أو العالم البعيد بصورة مخيفة، بالاضافة الى تفشى ظاهرة الفساد ، الرشوة والنهب المسلح داخل وخارج المدن السودانية .
الخيارات والحلول
وأكد كركساوي، أن مستقبل حل المشكلة الإقتصادية يكمن فى حل الأزمة السياسية الراهنة أولا، ثم بعد ذلك التفكير فى وضع المناهج والحلول الاقتصادية تحت ظل نظام
سياسى مدنى حر تسوده العدالة ، الشفافية والاستقرار بعيداً عن التجاذبات الايدولوحية والمصالح الدولية والإقليمية.
جوهر الأزمة الاقتصادية
لكن المهندس عادل خلف الله الخبير الاقتصادي والناطق باسم حزب البعث العربي، يري أن جوهر الأزمة الاقتصادية الماثلة ، هو سياسى ، ظهرت تجليته في التازم الاقتصادى
الاجتماعى بحسبان ان انقلاب 25 اكتوبر ،صمم فى الاساس لحماية مصالح وامتيازات الرأسمالية الطفيلية التى نمت وترعرعت فى كنف سياسات التحرير الاقتصادى
والخصخصة على نطاق واسع ،بحماية سلطة لها توجهها الاقتصادى والاجتماعى القائم على تمكين الموالين وتسخير جهاز الدولة لهذا الهدف .
غياب الحل الحقيقي
واضاف خلف الله: لا يتوفر اى حل حقيقى للأزمة فى اطار السلطة الإنقلابية وسياسات الخصخصة على نطاق واسع، لانهما يعبران ويرعيان مصالح وامتيازات فئات محدودة من
المجتمع ،غير منتجة ،دينها وديدنها الفساد والافساد ، وقلب هرمى الايرادات والانفاق، والغاء الوظيفة الاقتصادية والاجتماعية للدولة ( الاقتصاد المختلط) وتوفير ودعم السلعة
والخدمات الأساسية والضرورية، التى تشكل اساس وضمان الحياة الكريمة وتحفيز الانتاج والمنتجين وتحريك النمو الاقتصادى.