تكنولوجيا جديدة تجعل من أحلامنا لوحات إعلانية
التقنية المستخدمة بهذه التجارب تسمى “حضانة الحلم”
من منا لا يذكر فيلم الخيال العلمي “إنسيبشن” (Inception) المنتج عام 2010 من بطولة ليوناردو دي كابريو، وكتابة وإخراج كريستوفر نولان. حيث تقوم مجموعة من الجواسيس التابعين لإحدى الشركات بالتخطيط لسرقة وتدمير شركة منافسة عن طريق زراعة أفكار معينة بأحلام وريث ومدير تلك الشركة وهو مستغرق في النوم… لقد تمكنوا من خلال تكنولوجيا متطورة من سرقة عقله، ووضع ما شاؤوا من أفكار في ذهنه بعد أن نجحوا في التسلل إلى أحلامه.
حسنا، كان هذا فيلما للخيال العلمي لا يمكن أن يحدث في الواقع أو هكذا كنا نعتقد.. لكن الآن لم يعد الأمر مجرد خيال علمي بل صار واقعا حيا وحقيقيا وملموسا، فقد حذرت مجموعة، تتكون من 40 عالما من 11 دولة مختلفة في العالم، من نوع جديد ناشئ من الإعلانات التجارية تحاول فيه الشركات التلاعب بأحلام البشر.
إعادة تصميم الأحلام
واتهم العلماء مجموعة من الشركات: “كورز لايت” (Coors Light) و”مايكروسوفت” (Microsoft) و”سوني” (Sony) و”بيرغر كينغ” (Burger King ) بتجريب طرق لإعادة تصميم محتوى أحلام البشر، وهو الأمر الذي دفع ما يقرب من 40 من علماء النوم والدماغ لكتابة رسالة مفتوحة في وقت سابق من يونيو/حزيران الجاري، دعوا فيها إلى زيادة الرقابة الحكومية على هذه التجارب.
وقال العلماء في رسالتهم “بصفتنا باحثين في مجال النوم والأحلام وعلوم الدماغ، فإننا نشعر بقلق عميق بشأن خطط التسويق التي تنتهجها بعض الشركات بهدف تحقيق أرباح على حساب التدخل في أحلام البشر الطبيعية. ونحن نعتقد أن هناك حاجة ماسة وملحة لاتخاذ إجراءات استباقية وسياسات وقائية جديدة لمنع هذه الشركات من التلاعب بأحد الملاجئ الأخيرة لعقولنا وذواتنا المحاصرة بالفعل.. أحلامنا”.
وضمت قائمة العلماء أساتذة من أشهر المعاهد والجامعات مثل هارفارد وكامبردج وكاليفورنيا الأميركية، ومونتريال الكندية، وريو دي جانيرو البرازيلية، وموناش الأسترالية، ومعهد تكنولوجيا النوم والأحلام الألماني، وجامعة لاند السويدية، ومعهد باريس لأبحاث الدماغ الفرنسي، وغيرها من كبار المعاهد والجامعات في العالم.
وفي مقطع فيديو صدر في فبراير/شباط الماضي، تعاونت شركة “كورز لايت” مع أحد الباحثين من جامعة هارفارد لزرع إعلان في أحلام مشاركين متطوعين، وكانت التجربة عبارة عن إعلان لأحد منتجات الشركة. وفي وقت لاحق قالت الشركة إنها استخدمت في الإعلان ممثلين مدفوعي الأجر، لكن الباحثين يقولون إن العلم الأساسي المستخدم في التجربة حقيقي جدا.
وقالت الدكتورة سارة ميدنيك، باحثة علوم النوم في جامعة كاليفورنيا والتي وقعت على الرسالة المفتوحة “هناك الكثير مما يدعو للقلق”.
وأضافت في تصريحات نقلتها منصة “10 نيوز” (10news) “هناك العديد من الدراسات التي تُظهر أنه يمكننا الدخول إلى تلك المنطقة أثناء نوم شخص ما، وزراعة ما نريد من أفكار بدون أن يعلم شيئا حين يصحو… إنها مساحة رائعة للتلاعب بالفكر”.
حضانة الأحلام
التقنية المستخدمة بهذه التجارب تسمى “حضانة الحلم” (dream incubation). وفي الحقيقة، فإن محاولة الإنسان التلاعب بالأحلام ليس أمرا جديدا، فقط اكتشف البشر طرقا للتأثير على أحلامهم منذ آلاف السنين، لكن العلماء طوروا مؤخرا أدوات للقياس الدقيق تمكن من قياس هذا التأثير، ومدى القدرة على تغيير محتوى أحلام شخص ما بعد أن يدخل في نوم عميق.
وتؤكد الدكتورة ميدنيك “نحن أكثر عرضة للتأثر خلال وقت الحلم مما نحن عليه أثناء اليقظة”.
أثناء النوم، يقرر دماغنا أي الذكريات يجب الاحتفاظ بها، وأيها يجب التخلص منه. وقد تعلم العلماء أنه يمكنهم التأثير على هذه العملية بعدة طرق، سواء عن طريق إدخال الأصوات أو الروائح أو وميض الضوء أو حتى الكلام في اللحظات الحاسمة من دورة النوم.
وتوضح ميدنيك “لا يقتصر النوم على معالجة ذكرياتنا وتحويلها إلى ذكريات فحسب، بل إن النوم أيضا فترة مفتوحة حيث يمكن الوصول إلى تلك المنطقة والتلاعب بما يتم تذكره بعد الاستيقاظ”.
وفي الحقيقة، فإن “كورز ليست” هي الشركة الوحيدة التي تعمل على استخدام الأحلام في الدعاية لمنتجاتها التجارية، فقد استخدمت “أكس بوكس” (Xbox’s) التابعة لميكروسوفت هذه التقنيات لمنح اللاعبين المحترفين أحلام ألعاب الفيديو المفضلة لديهم، وكذلك فعلت “بلاي ستيشن” (Playstation) التابعة لشركة سوني التي استخدمت تقنية حضانة الأحلام في إحدى ألعابها كما ذكر العلماء في رسالتهم.
ويمكن استخدام هذه التقنية لغايات مفيدة أيضا مثل الأغراض العلاجية. فقد وجدت دراسة علمية أن تقنية “حضانة الأحلام” جعلت المدخنين المدمنين يستخدمون عددا أقل من السجائر لمدة تصل إلى أسبوع، كما يمكن لهذه التقنيات علاج بعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.
وتشير الأبحاث العلمية إلى أن الأحلام أرض خصبة يمكن استغلالها للإعلانات التجارية، فقد وجدت دراسة علمية أخرى أجريت عام 2019 أن الأشخاص الذين حلموا بإعلان ما أثناء نومهم قاموا بالتخطيط لشراء ذاك المنتج الذي حلموا به بنسبة 27% أكثر من الذين لم يحلموا بذاك الإعلان.
الغرب المتوحش
وحتى الآن استخدمت الشركات هذه التقنيات في التجارب فقط حسب ما يقولون، لكن ميدنيك وغيرها من العلماء قلقون للغاية من إمكانية استخدام هذه التقنيات قريبا على البشر دون علمهم، ويكفي أن نذكر أنه وفي الولايات المتحدة فقط هناك 40 مليون شخص لديهم مكبرات صوت ذكية في غرف نومهم.
وتوضح ميدنيك أن “نظام نيست” (Nest system) المستخدم في المنازل الذكية -على سبيل المثال- يعرف متى تنام..”إنه يتحكم في مكبرات الصوت الخاصة بك، ويسيطر على درجة حرارة الغرفة، كما أنه يتحكم في نوع المعلومات التي يمكن أن تأتي إلى عقلك أو تخطر ببالك”.
وتقول ميدنيك إن لدى لجنة التجارة الفدرالية قوانين ضد الإعلانات التي تستهدف اللاشعور للناس حين يكونوا مستيقظين، ولكن هذه القوانين لا تنطبق على النائمين .. “لا توجد ولاية قضائية على النوم… إنه الغرب المتوحش الآن”.
وتطلب وبقية العلماء الموقعين على اللائحة تحديث القوانين “قبل أن تصبح أحلامنا لوحات إعلانية”.
المصدر : الجزيرة