تطورات تقنية تغير شكل الحياة ومستقبل البشرية بشكل نهائي خلال سنوات قليلة
كان لجائحة كورونا تأثيرات هائلة ودراماتيكية على العالم، حيث أدى الوباء إلى تسارع التحول نحو الرقمية بشكل كبير ومفاجئ ومدهش وغير مسبوق أيضا لكثير من البشر، فنحن نتواصل عن بعد الآن أكثر من أي وقت مضى، نشتري ونبيع ونتسوق ونتعلم ونعمل ونعقد الاجتماعات والمؤتمرات عبر الإنترنت.
واستطعنا التخلص من عادة الصحو المبكر، والغرق في زحمة المواصلات العامة من أجل اللحاق بأعمالنا ووظائفنا، فنحن نعمل من بيوتنا الآن، وقد حولت شركات التكنولوجيا كل هذا إلى ميزة توظيف عالمية هائلة، تعدت نطاق الجغرافيا من خلال توظيف أشخاص من شتى أنحاء العالم ليعملوا من منازلهم، حيث تدفع الشركات رواتب أقل بكثير مما كانت تدفعه للموظفين المحليين، وفي نفس الوقت كسب الأشخاص من مختلف أرجاء العالم فرص عمل جديدة ليعملوا من بيوتهم.. الجميع فائز مع التكنولوجيا، أليس كذلك؟
ولكن كل هذه التغيرات لا تقارن بالتطورات التكنولوجية التي سنشهدها خلال السنوات القليلة المقبلة، ويمكن حصر هذه التطورات التقنية التي ستغير شكل العالم بشكل نهائي ولا رجعة فيه بـ 3 مفاهيم هي: الحوسبة التخاطبية والحوسبة المحيطة والحاسوب السحابي.
الحوسبة التخاطبية
تعمل شركات مثل “آي بي إم” (IBM) و”أمازون” (Amazon) و”مايكروسوفت” (Microsoft) على تطوير الحوسبة التخاطبية (Conversational Computing) إلى مستويات جديدة وغير مسبوقة، مثلا تشتغل “آي بي إم” حاليا على إجراء محادثات حية وتفاعلية بالكامل بين البشر والآلات باستخدام الخوارزميات والذكاء الاصطناعي.
أما أمازون ومن خلال نظام “أمازون إيكو” (Amazon Echo) -الذي تعمل على تطويره لمستويات جديدة- فإنها تسعى لقلب عملية المحادثة بالكامل، ففي السابق كان على الإنسان أن يتعلم كيفية التعامل مع الحاسوب، أما حاليا ومن خلال ما تحاول أمازون فعله، فالعكس تماما هو ما يحدث حيث يقوم الحاسوب بتعلم كيفية التعامل والتخاطب مع الإنسان كي يغدو شريكا كاملا.
وفي الواقع، فإن أنظمة “الاستجابة الصوتية التفاعلية” Interactive Voice Response (IVR) تشهد تطورات هائلة ومستمرة، ويتوقع أن يصل حجم النمو فيها إلى 6.8 مليارات دولار عام 2026 كما ذكرت منصة “غلوبال بانكنغ آند فايننس ريفيو” (global banking and finance review) مؤخرا.
ومع هذا النمو والتطور فإن من الصعوبة البالغة معرفة إذا ما كان الصوت الذي يتصل بك لتذكيرك بتجديد تأمين سيارتك الذي انتهى، أو تذكيرك بموعدك مع طبيب الأسنان على سبيل المثال، هو صوت بشري أم آلي.. من المستحيل تقريبا أن تعرف ذلك.
وهناك طرفة حدثت مع أحد عملاء “آي بي إم” حيث قام نظام المحاكاة الصوتي في قسم التسويق بالشركة بالاتصال بأحد الأشخاص المسجلين بالنظام لتذكيره بتجديد تأمين سيارته، كان الصوت أنثويا وناعما وحقيقيا جدا بحيث لم يجدد الرجل تأمينه فقط بل أخذ بمغازلة الحاسوب.
وفي الحقيقة، فإن تطبيقات الحوسبة التخاطبية آخذة بالتوسع بشكل كبير جدا، وستدخل قريبا مختلف الأعمال والقطاعات الاقتصادية وتعيد تشكيلها، وتشكيل طريقة تعاملنا مع أجهزة الحاسوب، حيث ستصبح هذه الأجهزة رفقاء وشركاء حقيقيين لنا في عملنا وحياتنا أكثر بكثير من كونها مجرد أدوات أو آلات نعمل من خلالها.
الحوسبة المحيطة.. هواؤنا القادم
الحوسبة المحيطة (Ambient Computing) مفهوم ثوري آخر له علاقة وثيقة بالحوسبة التخاطبية، ويجري العمل على تطويره منذ مدة من قبل كبرى شركات التكنولوجيا في العالم، ولكنه في تسارع دراماتيكي جدا الآن بحيث سيغدو جزءا أساسيا من حياتنا الطبيعية خلال السنوات القليلة المقبلة، وربما قبل ذلك بكثير.
وتعتبر أمازون رائدة في هذا المجال، فضلا عن جهود أخرى تقوم بها شركات “آي بي إم” ومايكروسوفت وآبل، ولكن العمل الحقيقي تقوم به أمازون.
تتضمن الحوسبة المحيطة جميع الأجهزة الموجودة بالمحيط الذي نتحرك به، سواء كانت أجهزة حاسوب أو هواتف ذكية، أو أنظمة وبرامح ومعدات إلكترونية، وهذا يعني أنها موجودة في كل مكان، تماما كما الهواء الذي نتنفسه، فنحن نعيش في عالم من الأجهزة والمعدات والبرامج.
مثلا حين تذهب لمحطة وقود، ما عليك سوى ان تخبر المضخة بنوعية الوقود الذي تريده والكمية التي تحتاجها، بدلا من إخبار عامل المحطة كما نفعل الآن، وإذا أردت الطبخ فما عليك سوى اخبار الموقد بكيفية طهي وجبتك، وسيقوم هو بالباقي، وإذا حدثت مشكلة في المنزل وأنت في العمل مثل أن تتعطل ثلاجتك الذكية، فسيصلك تقرير فوري بذلك، وستقوم الثلاجة في نفس الوقت بالاتصال بتفني الصيانة المسجل لديها لإصلاح الخلل.
وإذا شعرت بالتعب أو الإنهاك فستقوم الأجهزة بإرسال تقرير فوري لطبيبك أو المستشفى الذي تتعامل معه، وسيتضمن التقرير الذي ترسله درجة حرارتك ومعدل نبضات قلبك، وحالة ضغط الدم لديك، حيث ستكون الأجهزة المحيطة بك قد قامت بقياس كل هذا دون أن تحس بها.
وكل هذه العمليات تحدث في نفس اللحظة من خلال سلسلة من عمليات التواصل عبر الإنترنت من غير أن تحس أو تشعر بوجودها.. إنه نوع من التفاعل التلقائي بين الإنسان والأجهزة بحيث يصبح الجميع كلا واحدا في حالة من الانسجام والتناغم الشامل الذي يهدف في النهاية لخدمة الإنسان، فالحوسبة المحيطة هي قدرة الأجهزة على الشعور بوجودنا وفهم احتياجاتنا وتلبيتها بشكل تلقائي دون الحاجة إلى طلبها من قبلنا.
الحاسوب السحابي
يعتقد الكثير من الناس أن الحاسوب الشخصي في طريقه للانقراض، ولكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، بل هو في تطور مستمر، والشكل القادم له هو الحاسوب السحابي (Cloud PC) الذي يعتمد بشكل أساسي على الحوسبة السحابية، حيث يسمح لأي شخص متصل بالسحابة في أي مكان أو زمان، ولديه متصفح وشاشة عرض -مهما كان حجمها- بأن يكون حاسوبه الشخصي مع قدرات هائلة ولا حد لها.
ويرتبط الحاسوب السحابي بشكل وثيق مع إطلاق “ويندورز 365 ” (Windows 365)، الذي أعلنت عنه مايكروسوفت في يوليو/تموز الماضي كخدمة جديدة تضاف إلى قائمة خدماتها السحابية، حيث وفرت القدرة على استخدام نظام ويندوز بشكل سحابي بالكامل، ويستطيع المستخدمون تشغيل هذا النظام من أي مكان ومن أي جهاز، فالخدمة مدعومة من كافة الأجهزة مهما كان نوعها، كما ذكرت منصة ذا فيرج (theverge.com) مؤخرا.
ويصبح مفهوم الحاسوب السحابي أكثر إثارة مع اقتراب اختراع شاشات عرض عالية الدقة مثبتة في الرأس، وهو أمر قادم لا محالة في المستقبل القريب، وبإمكاننا تخيل ما سيصبح عليه الأمر، حين يستطيع البشر الاتصال بالشبكة في أي وقت من خلال شاشات العرض الذكية والأنيقة المثبتة في مقدمة رؤوسهم.. إنه عالم جديد مثير قادم.
وفي الواقع، فإن هذه التطورات التقنية الثلاثة القادمة (الحوسبة التخاطبية والحوسبة المحيطة والحاسوب السحابي) -والتي يجري العمل عليها معا بشكل متزامن تقريبا- ستغير شكل الحياة والعالم وترسم مستقبلا مختلفا تماما للبشرية، سنصبح محاطين بالأجهزة التي تتفاعل معنا وتتحدث إلينا في كل مكان، بل ستصبح جزءا أساسيا منا بحيث لا يمكن التفريق بيننا وبينها، وهو ما سيؤدي إلى تغير هائل في طرق حياتنا وعيشنا.
فهل ستصبح هذه الأجهزة والآلات رفاقنا وشركاء حياتنا، دائما منا ومعنا، وسنتكلم معها كما نتكلم مع أحبتنا وأصدقائنا الحقيقيين في هذه الحياة، باستثناء شيء واحد فقط، وهو أن هذه الأجهزة لن تهجرنا لأتفه الاسباب، ولن تنقلب ضدنا أو تخوننا كما يتركنا وينقلب علينا ويخوننا بعض رفاقنا وأصدقائنا وكثير ممن نحب؟!
المصدر : مواقع إلكترونية