تحمض المحيطات كارثة تهدد البيئات البحرية
حدد الباحثون 6 جوانب لسياسة فعالة لمواجهة تحمُض المحيطات، لكل منها مؤشرات محددة يمكن لهيئات صنع السياسات في الحكومات استخدامها لتقييم سياساتها وتوجيهها.
اقترح فريق بحثي دولي، بقيادة أكاديمية كاليفورنيا للعلوم، إطارا مبتكرا للحكومات في جميع أنحاء العالم لتقييم استعدادها لمواجهة تحمض المحيطات، الذي يعتبر من أكثر التهديدات خطورة على النظم البيئية البحرية، فمن المتوقع أن تتسبب هذه الظاهرة في تدمير واسع النطاق للبيئات البحرية بحلول نهاية هذا العقد، إذا لم نتخذ إجراءات عاجلة لمواجهتها.
ويعتقد الباحثون، الذين نشروا ورقة بحثية تتضمن الإطار المقترح في دورية “إنفايرومنتال ريسيرتش ليترز” (Environmental Research Letters)، أن إطار عملهم سيساعد البلدان على إنشاء خط أساس لتقييم استعدادهم لتحمض المحيطات، وتمكين العلماء ودعاة الحفاظ على البيئة والهيئات الإدارية -على جميع المستويات- من تحديد مجالات الاستثمار أو التعاون من أجل حماية بيئاتهم ومجتمعاتهم بشكل أفضل.
كيف تتحمض المحيطات؟
يقول البيان الصحفي الصادر من أكاديمية كاليفورنيا للعلوم إن تحمُض المحيطات عملية تحدث عندما ينخفض الرقم الهيدروجيني لمياه البحر، بسبب امتصاصها من الغلاف الجوي ثاني أكسيد الكربون (CO2)، الذي تطلقه الأنشطة البشرية مثل حرق الوقود الأحفوري، وإزالة الغابات، والعمليات الصناعية الأخرى، حيث يذوب جزء كبير من ثاني أكسيد الكربون الزائد في المحيطات.
وعندما يذوب ثاني أكسيد الكربون في مياه البحر، فإنه يشكل حمض الكربونيك، الذي يتفكك بعد ذلك، إلى أيونات البيكربونات وأيونات الهيدروجين، ومن تم تؤدي هذه الزيادة في أيونات الهيدروجين إلى انخفاض الرقم الهيدروجيني في مياه البحر، مما يجعل مياه المحيط أكثر حمضية.
كما تقلل هذه العملية أيضا من توافر أيونات الكربون، التي تعد لبنات بناء أساسية لعديد من الكائنات البحرية، مثل الشعاب المرجانية والمحار وبعض أنواع العوالق، التي تشكل أصدافها وهياكلها العظمية.
القاتل الصامت
ووفقا للبيان الصحفي، فإن ظاهرة تحمُض المحيطات لها عواقب وخيمة على النظم البيئية البحرية، فهي تؤثر سلبا على نمو وتكاثر وبقاء عديد من الأنواع البحرية، وتؤدي إلى تعطيل الشبكات الغذائية للكائنات البحرية، والتأثير على التنوع البيولوجي لموائل المحيطات.
وعلاوة على ذلك، فإن تحمُض المحيطات له آثار اجتماعية واقتصادية، لأنه يهدد سبل عيش المجتمعات التي تعتمد على الموارد البحرية للغذاء والسياحة والأنشطة الاقتصادية الأخرى.
وفي هذا الصدد، تقول رئيسة الفريق البحثي الدكتورة ريبيكا أولبرايت إن “تحمُض المحيطات هو أحد العوامل القاتلة الصامتة للنظم البحرية، والناتجة عن تغير المناخ، فعلى الرغم من أن تحمُض المحيطات ليس بارزًا مثل تبيّض المرجان الذي يعتبر واحد من أبرز التهديدات التي تواجه البيئة البحرية العالمية، فإنه سيؤدي إلى تدمير واسع النطاق للبيئات البحرية بحلول نهاية هذا العقد إذا لم نتخذ إجراءات عاجلة لمعالجة المشاكل الناجمة عنه”.
مقترحات لمواجهة تحمُض المحيطات
ولمواجهة أخطار تحمُض المحيطات، ووضع الاستعدادات لمواجهتها، سعى الفريق العلمي إلى تحديد الإجراءات التي يجب أن تتخذها الحكومات لتطوير خطط شاملة لحماية البيئة والمجتمع.
وبحسب بيان أكاديمية كاليفورنيا للعلوم، حدد الباحثون 6 جوانب لسياسة فعالة لوضع الاستعدادات لمواجهة تحمُض المحيطات، لكل منها مؤشرات محددة يمكن لهيئات صنع السياسات في الحكومات، استخدامها لتقييم سياساتها وتوجيهها.
تشمل تلك الجوانب الستة للسياسة الفعالة، التي حددها الباحثون في دراستهم ما يلي:
- تدابير حماية المناخ (Climate protection measures): التي تتطلب وضع سياسات مناسبة للحد من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى تحمض المحيطات.
- محو الأمية بشأن تحمض المحيطات (Ocean acidification literacy): وتعني نشر وعي عام وفهم عام للتهديدات التي يشكلها تحمض المحيطات.
- الإدارة على أساس المنطقة (Area-based management): وتتضمن وضع خطط لحماية المناطق البحرية المحمية وخطط إدارة إستراتيجيات واضحة لقياس وزيادة المرونة في مواجهة تحمض المحيطات.
- البحث والتطوير (Research and development): وهي البحوث المخصصة لفهم ومعالجة تحمض المحيطات واستثمار الأموال.
- القدرة على التكيف للقطاعات التابعة (Adaptive capacity of dependent sectors): ويقصد بها فهم الآثار على القطاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك المجتمعات المعرضة للخطر، فضلا عن إستراتيجيات التخفيف.
- اتساق السياسات (Policy coherence) مع الجهود القائمة على الأدلة والمدعومة بالعلم للتصدي لتغير المناخ والمحيطات.
التطبيق على أستراليا
من ناحية أخرى، قام الباحثون بتطبيق هذه الجوانب الستة على وضع البيئة البحرية في أستراليا، وتقييم استعداداتها لمواجهة تحمض المحيطات. ويأتي اختيار تطبيق تلك السياسات على البيئة البحرية في أستراليا، لأنها تضم أكبر نظام للشعاب المرجانية في العالم، وهي أنظمة بيئية نابضة بالحياة تدعم سبل عيش أكثر من مليار شخص في جميع أنحاء العالم، ولكنها معرضة بشكل فريد لتحمض المحيطات.
وفي هذا السياق، وجد الباحثون أنه على الرغم من أن أستراليا تمتلك فهما عميقا للقدرة التكيفية للقطاعات الاجتماعية والاقتصادية الضعيفة وإستراتيجيات الإدارة التي تتناول تحمض المحيطات، فإنها تفتقر إلى اتساق السياسات وتدابير حماية المناخ الأوسع نطاقا، مما قد يعوق قدرتها على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، المساهم الرئيسي لتحمض المحيطات.