بين “بومة ليلية” و”طير مبكّر”.. لماذا يفضّل المراهقون السهر؟ وكيف تتأثر صحتهم؟
بحثت دراسة حديثة نُشرت في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ما يحدث لأدمغة وسلوك المراهقين الصغار بعد سنوات من تحوّلهم من النوم مبكرًا إلى النوم في وقت متأخر من الليل، أو بعد أن يصبحوا ما يُطلق عليه بالـ “البومة الليلية”.
وخلصت الدراسة إلى أن هذا التحوّل في نمط النوم يزيد من خطر التعرض لمشكلات سلوكية، وتأخّر نمو الدماغ في مرحلة المراهقة المتأخرة.
وكانت بحوث سابقة أشارت -وفقًا لموقع “ساينس ألرت” (Science Alert) العلمي- إلى وجود بنية دماغية مختلفة بين كل من محبي الاستيقاظ مبكرًا (الطيور المبكّرة)، ومحبي السهر ليلًا (البومة الليلية)، ويتضمّن ذلك اختلافات في كلٍّ من المادة الرمادية والبيضاء في الدماغ، والتي جرى ربطها بالاختلافات في الذاكرة والرفاهية العاطفية والانتباه والتعاطف.
سلبيات السهر ليلًا
بحثت الدراسة الجديدة المنشورة في مجلة “ذا جورنال أوف تشايلد سيكولوجي آند سايكايتري” (The Journal of Child Psychology and Psychiatry)، في كيفية ظهور العلاقة بين الاختلافات في النوم وبنية الدماغ، وكيف يؤثّر كلٌّ منهما في الآخر، وذلك من خلال متابعة المراهقين طوال بضع سنوات.
وسلّطت الدراسة الضوء على أهمية التركيز على عادات النوم والاستيقاظ لدى المراهقين في بداية سنوات المراهقة؛ لدعم صحتهم العاطفية والسلوكية مستقبلًا.
طلب الباحثون من أكثر من 200 مراهق وأولياء أمورهم أن يكملوا سلسلة من الاستبانات حول تفضيلات نوم المراهقين والرفاهية العاطفية والسلوكية، مع تكرار ملء هذه الاستبانات مرات عدة على مدى سبع سنوات.
أجرى المراهقون -أيضًا- فحصين للدماغ، يفصل بينهما بضع سنوات، لفحص نمو أدمغتهم، مع التركيز على رسم خرائط التغيرات في بنية المادة البيضاء، وهي النسيج الذي يضمّ للدماغ، والذي يسمح لأدمغتنا بمعالجة المعلومات والعمل بشكل فعال.
أظهر البحث أن المشاركين الذين تحوّلوا إلى السهر ليلًا كان لديهم معدل نمو دماغي مختلف عن المشاركين الذين استمروا في النوم مبكرًا والاستيقاظ في الصباح الباكر. فقد وجد الباحثون أن المادة البيضاء لدى مراهقي “البومة الليلية” لم تزد بالدرجة ذاتها لدى مراهقي “الطيور المبكرة”، علمًا بأن نمو المادة البيضاء مهم في سنوات المراهقة، لدعم التطوّر المعرفي والعاطفي والسلوكي.
وتوصّلت نتائج الدراسة كذلك إلى أن المراهقين الذين تحوّلوا ليصبحوا “بومة ليلية” في مرحلة المراهقة المبكّرة من سن 12 إلى 13، كانوا أكثر عرضة للإصابة بمشكلات سلوكية بعد سنوات عدة، وشمل ذلك مقدارًا أكبر من العدوانية، وكسر القواعد والسلوكيات المعادية للمجتمع.
لماذا يفضل المراهق النوم متأخرًا؟
تتغير إيقاعات الساعة البيولوجية عند البلوغ، ربما بسبب التغيرات الهرمونية، ما ينتج عنه ذهاب بعض المراهقين إلى الفراش متأخرًا كل ليلة، والاستيقاظ متأخرًا كذلك، مقارنة بالبالغين. ولكن لماذا يحدث ذلك؟
وفقًا لموقع “ذا كونفرزيشن” The Conversation، فإنه قد يحدث تأخير شديد في إيقاع الساعة البيولوجية لدى بعض الأشخاص، والذي قد يكون نتيجة حالة تُعرف باسم “اضطراب مرحلة النوم المتأخر” Delayed sleep phase disorder. وقد وجدت دراسة حديثة أن معدّل انتشار هذا الاضطراب لدى طلاب المدارس الثانوية النرويجية يبلغ 8.4%، وارتبط ذلك بتدنّي الدرجات في المدرسة، إضافة إلى التدخين وتعاطي الكحول، وارتفاع درجات القلق والاكتئاب.
أما موقع مؤسسة “راند” (Rand) الأميركية، فيذكر سببًا آخر وراء رغبة المراهقين في التأخر في النوم ليلًا، وهو أن المراهقة تعدّ فترة من زيادة الرغبة في التفرّد والانفصال عن الوالدين. لذلك يمكن أن تكون قدرة المراهقين على البقاء مستيقظين إلى وقت متأخر مظهرًا بيولوجيًا لهذه العملية. ويقترح باحثون من جامعة ميشيغان أنه عندما يتجنّب المراهق والديه بالبقاء سهرًا والتواصل الاجتماعي مع أقرانه، فقد يكون ذلك استجابة لدافع هرموني لتأسيس حياة مستقلة في وقت من اليوم، لا يهيمن عليه الأفراد الأكبر سنًا.
كيف تساعدين ابنك المراهق؟
يذكر موقع “ساينس إيه بي سي” (Science ABC) أنه عندما يدخل الطفل سنوات المراهقة، فإن هرمونات البلوغ تعمل على تغيير ساعة الجسم البيولوجية بمقدار ساعة إلى ساعتين. وهذا يعني أن المراهق سينام بعد ساعة أو ساعتين من نوم الطفل الأصغر أو البالغ. وعلى الرغم من ذلك، فإن المراهقين لا يزالون بحاجة إلى النوم من تسع إلى عشر ساعات يوميًا. ومع الحاجة إلى الاستيقاظ مبكرًا من أجل المدرسة، فإنهم لن يحظوا أبدًا بالوقت الكافي للنوم والنموّ بشكل صحي، ما جعل بعض الدراسات تطالب بأنه يجب ألا تبدأ المدارس قبل الساعة التاسعة صباحًا.
ترتبط قلّة النوم بعدد من النتائج الصحية الضارة، بما فيها السُمنة عند الأطفال؛ إذ تؤثّر قلّة النوم في الهرمونات التي تتحكّم بالشهية، وتعطّل أيضًا التحكم في الغلوكوز. كما ترتبط قلّة النوم بضعف تقوية الذاكرة، وعدم القدرة على حل المشكلات المعقّدة، وضعف الأداء المدرسي.
لذا، فإن الحصول على قسط كافٍ من النوم مهم للغاية لكل من الصحة العقلية وصحة الدماغ بالنسبة إلى الأطفال والمراهقين. وتشير البحوث إلى أنه يمكننا تعديل تفضيلات وعادات النوم الخاصة بأطفالنا، وذلك من خلال التالي:
يؤدي التعرّض للضوء -حتى الضوء الاصطناعي- إلى تغيير إيقاع الساعة البيولوجية، ما قد يؤثّر في تفضيلات النوم لدينا. ومن ثم، فإن تقليل التعرّض للأضواء الساطعة والشاشات في وقت متأخر من الليل يمكن أن يكون أحد الطرق لتعديل تفضيلاتنا بخصوص النوم.
ويمكن أن يساعد التعرّض للضوء أول شيء في الصباح -أيضًا- في تحويل ساعاتنا البيولوجية إلى إيقاع أكثر توجّهًا نحو البُكور (أي الاستيقاظ فجرًا والتّوجّه إلى العمل في وقت مبكّر). ومن ثم، يمكنك تشجيع ابنك المراهق على تناول الإفطار في الشرفة أو الحديقة، قبل التّوجّه إلى المدرسة.