يس ابراھيم الترابي يكتب:الطريقة البرهانية … تزكية للنفوس وإرشاد للأمة ونشر للعلوم ومحبة صادق
الخرطوم |العهد أونلاين
يس ابراھيم الترابي يكتب:الطريقة البرهانية … تزكية للنفوس وإرشاد للأمة ونشر للعلوم ومحبة صادق
من أجمل أقدار الله لي هذا العام أنني قد قضيت أيام عيد الأضحى المبارك بمدينة عطبرة الرائعة ، مدينة الحديد والنار والقلوب الطيبة الحنينة، إذ بمثل ما ينصهر فيها الحديد تنصهر العلاقات وتقوى ويعيش
الناس في إلفة وتوادد قلّ نظيره في كافة بقاع ومناطق البلاد ، وتشعر كأنهم يتعارفون جميعا
بالتقارب بينهم والتحابب بين قلوبهم في مجتمع طابع علاقاته تشبه إنسان الريف رغم التمدن الواضح في كثير من معالمها مما خلق تمازج فريد وخلطة مجتمعية مثالية.
ومن دواعي سروري وسعادتي أيضا أنني قطنت بالقرب من الزاوية البرهانية الدسوقية الشاذلية بحي أم بكول بعطبرة مما جعلني أتابع كل برامجهم وحلقات ذكرهم التي تأثرت بها روحيا مما جعل عبق عيد هذا العام يختلف تماما عن بقية الأعياد السابقة التي شهدتها في فترة الحرب هذه.
فقد وجدت نفسي منجذبا لهم وهم بهذا التهذيب الجم والأدب والكرم والتعامل الراقي مع كل الناس والترتيب والنظام الدقيق والحب الجارف فيما بينهم وهم في تحدثهم وعلاقاتهم إذ لا ترتفع أصواتهم إلا عبر الذكر والمديح الذي تطرب دواخلهم له فيتمايلون
فرحا وتأثرا سعيدا، كما فعل سيدنا جعفر بن أبي طالب(الطيار) حينما سره قول النبي صلى الله عليه وسلم(تشبه خَلقي وخُلقي) فتراقص بذلك وكاد أن يطير فرحا.
وقد سرت في دواخلي رغبة جامحة لسبر غور هذه الطريقة والحصول على معلومات مبدئية عنها ومعرفة بعض جوانبها وآثارها المهمة، فحظيت بالجلوس مع الشيخ المفضال محمد الحسن الشهير بود الفكي
المرشد العام للطريقة البرهانية على مستوى العالم ، وهو منطقة أبوحمد وقد سلك في الطريقة البرهانية في العام ١٩٦٧م على يد الشيخ محمدين أكواي دينق
من أبناء الدينكا عليه رحمة الله، وكان ذلك من داخل زاوية عطبرة الحالية، مما يدل على أن هذه الطريقة ينسجم فيها كل أفراد مكونات وفئات المجتمع
السوداني باختلاف أعراقه وجنسياته وألسنته وألوانه ، فالتقوى والمحبة هي أساسها الأوحد تطبيقا لقوله صلى الله عليه وسلم(لا فضل لعربي على أعجمي ولا
أبيض على أسود إلا بالتقوى) وهذا الحديث يعضد ويبين قوله تعالى ومنطلقا منه (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وحعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
ومن خلال دردشتي معه عبر جلسة عفوية لمست تواضعه وعلمت منه أن هذه الطريقة البرهانية تعود لمؤسسها سيدي الشيخ إبراهيم الدسوقي المتوفي في مدينة(دسوق) بجمهورية مصر العربية(٥٥٠ هه) وكان
يسمى برهان الخلق والدين ، ومن هنا جاءت تسمية الطريقة البرهانية ولكنهم يضيفون إليها كلمتي ( الدسوقية الشاذلية) نسبة لهذا المؤسس ، فهي طريقة تليدة وتاريخية ومتجذرة في مصر والسودان.
وقد اختفت هذه الطريقة بعد وفاة مؤسسها بعض الشئ واندثرت إلا في مناطق نائية وغير معروفة، فقيّض الله لها الشيخ الولي الصالح قطب زمانه وكل الأزمان محمد عثمان عبده البرهاني الذي أحيا معالمها
من جديد ، وهو من الأشراف ، وقد ولد بمدينة حلفا في العام ١٩٠٢م وصاهر الحلفاويين، فقد استخرج أذكارها من الآثار التي تحصل عليها وبدأ في نشر الطريقة من وادي حلفا التي كان الانتشار بها خفيفا وسط الحلفاويين لأن هذا الشيخ البرهاني كان عابدا وزاهدا وعالما وعادلا.
وقد انتقل الشيخ محمد عثمان عبده البرهان من مدينة حلفا إلى مدينة عطبرة في العام ١٩٤٨م ، وابتدر نشر الطريقة البرهانية التي انتشرت بسرعة على يديه وتوسعت بعطبرة، وكثر أتباعها وتضاعفت أعدادهم حتى تم تأسيس الزاوية الخاصة بالطريقة البرهانية
بعطبرة في العام ١٩٥٦م بحي أم بكول وتم افتتاحها على يدي الشيخ محمد عثمان عبده البرهان الذي كان حريصا على نشر الطريقة عبر العلم وغرس محبة
النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس أتباعه وكل الناس مستشهدا بالآيات والأحاديث التي وردت في هذا المعنى ، وحبّب الناس في دروس الفقه ومعاشرة الصالحين بعد أن انتقل للخرطوم من عطبرة في العام ١٩٥٠م.
وأول مكان مكث فيه في الخرطوم أنه قد قام باستئجار منزل بميدان الدوحة(حديقة القرشي حاليا) ، ثم اشترى قطعة أرض بني وشيد عليه منزله بالقرب من ميدان عبدالمنعم محمد، وأسس زاويته في
نمرة(٣) لإقامة الدروس وحلقات الذكر وعاش في هذا المكان وكان يذهب إلى مصر لزيارة ضريح الحسين بن علي وأضرحة آل البيت الموجودة هناك، وظل على
هذه الأعمال الصالحة والتأثير التربوي الإيجابي على حياة الناس إصلاحا وإرشادا ومحبة حتى انتقل للرفيق الأعلى في العام ١٩٨٣م ودفن في مجمع البرهانية قرب السوق الشعبي الخرطوم.
وقد قام بتأليف عدد من الكتب مثل كتاب(انتصار أولياء الرحمن على أولياء الشيطان) وكتاب (تبرئة الذمة في نصح الأمة) ولديه ديوان شعر يحتوى على عدد من القصائد التي تحث الناس على أموار الخير
بعنوان (شراب الوصل) ، ومازال المريدون والأتباع ينهلون من علم مؤلفاته ويستمتعون بقصائده في حلقات الذكر وقد مثلت لهم مصدرا لتزكية النفوس
وإلهاما للمحبة الصادقة وإرشادا للأمة على ذكر الله جل وعلا ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد تولى الخلافة بعد وفاته ابنه الشيخ إبراهيم محمد عثمان عبده البرهاني الذي سار على نهج والده
بتعليم الناس الأذكار والحب في الله والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يسكن بالرياض بالخرطوم ويأتي للخلوة في الخرطوم تلاتة ، وقد التفّ حوله الناس والمريدين وبادلوه محبة بمحبة وله
إسهامات ملموسة في مجال التربية والتزكية وكل مقاصد الطريقة البرهانية قد أولاها اهتماما كبيرا حتى وفاته في العام ٢٠٠٢م ودفن مع والده داخل مجمع السادة البرهانية جوار السوق الشعبي بالخرطوم.
وهذا المجمع الكبير للطريقة البرهانية بالقرب من السوق الشعبي قد بدأ العمل فيه الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني وأكمله ابنه إبراهيم الذي قام بتوسعته وقد أضاف إليه الشيخ الحالي محمد إبراهيم محمد عثمان عبده البرهاني بعض الإضافات حتى صار منارة
تزكوية للنفوس يقصدها الأتباع بالمحبة والرغبة في النهل من علمهم والنيل من بركاتهم وصلاحهم والتأسي بهم والسير على دربهم مما تركوه من علوم وأذكار وبصمات طيبة ومؤثرة.
وقد أجمع الناس على جعل الشيخ محمد إبراهيم محمد عثمان عبده البرهان خليفة للطريقة بعد وفاة والده، وذلك في العام ٢٠٠٢م، وقد اهتم بالتوسعة في نشر هذه الطريقة وأقام العديد من الزوايا للطريقة البرهانية في بعض مدن البلاد الكبرى مثل(أبوحمد-
مدني – بورتسودان- كوستي- الأبيض- أم روابة- الدويم- مروي- جوبا- واو- ملكال- نيالا- الفاشر- زالنجي- كادقلي- كسلا- القضارف- الحصاحيصا- المناقل) وغيرها من المناطق، كما ساهم الشيخ الورع
محمد إبراهيم محمد عثمان عبده البرهاني في نشر ونقل الطريقة البرهانية لبعض البلدان والدول الأوروبية مثل ألمانيا (بها زاوية وأتباع) وإيطاليا(بها زاوية وأتباع) وفرنسا (بها زاوية وأتباع) الدنمارك (بها زاوية وأتباع، كما يوجد مريدين ببريطانيا.
وقد اهتم الخلفاء بنشر علم والدهم الشيخ محمد عثمان عبده البرهان ومؤلفاته وقصائده وكذا الأحباب والمريدين الذين ظلوا يرددون على الدوام هذه القصائد التي تدعو للمحبة والاهتمام بالأذكار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضا يتناول هؤلاء
الأحباب بعض قصائد المديح من الطرق الأخرى، ويهتمون أيضا بتدارس مؤلفاته فضلا عن الدروس الأخرى في الفقه والسيرة والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد مكث الشيخ محمد الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني عام وشهر في مجمع البرهانية الرئيس بالخرطوم يقوم بتوفير الأكل للناس في هذه الظروف الصعبة المعلومة للجميع ، وقد شرف مدينة عطبرة قبل شهرين ونيف وقد اهتم فيها بعمل مصلى
للنساء وحمامات داخل مسجد زاوية الطريقة البرهانية وتدافع الناس لحضور حلقات الذكر، فضلا عن تلبيته للدعوات العديدة التي ترده من بعض جهات الأحباب والمريدين
وختم حديثه بأن الطريقة البرهانية لا تختلف كثيرا عن بقية الطرق الصوفية الأخرى ولكن نجدها في تواصل واستمرارية في حلقات الذكر وتلقي العلم بهذه الروح الطيبة والنفوس السمحة ، وهؤلاء الأحباب هم من يتولون كل شؤون الزاوية من اهتمام وإكرام
وغيره عبر إحسان تبرعاتهم من حر مالهم ولعمل كافة المشاريع الخيرية وهم يوقرون الشيخ محمد ويجلونه ويكونون طوع أمره ورهن إشارته ليواصل في مسيرة الطريقة البرهانية لتربية الشباب والاجيال وتزكية
نفوسهم على هدى مراميها ومقاصدها وكذا يجتهدون معه لتسهيل أعباء هذا الأمر عليه لما يعلمون عنه من خلق رفيع وأخلاق فاضلة وصلاح وتجليات ولما يقوم به من أدوار عظيمة في تربية وتزكية الأجيال المتعاقبة والمتتابعة.