بسبب السقطات التاريخية.. هل يخرج “سره الباتع” من السباق مبكرا؟
الخرطوم|العهد اونلاين
بسبب السقطات التاريخية.. هل يخرج “سره الباتع” من السباق مبكرا؟
أخطاء تاريخية صادمة ومستوى فني لم يحظ بالقبول، كانت تلك هي الانتقادات الأولية التي وجهها الجمهور والنقاد للحلقات الأولى من المسلسل المصري “سره الباتع” الذي يعرض في رمضان.
وحظى المسلسل بتوقعات عالية جذبت اهتمام عدد كبير من المشاهدين لضخامة العمل، وحبكته التي تجمع بين الدراما والتاريخ.
ويعتبر “سره الباتع” التجربة التلفزيونية الأولى للمخرج خالد يوسف الذي لم يكتف بالإخراج وإنما عالج القصة القصيرة ليوسف إدريس التي اقتبس منها العمل، ويستعرض المسلسل حقبتين، الأولى وقت الحملة الفرنسية ودفاع المصريين المستميت عن أرضهم ضد الاحتلال، والثانية عام 2010 حيث يحاول البطل تتبع سيرة “السلطان حامد” أحد الرجال الشجعان والمستبسلين في وجه الطغيان.
المسلسل بطولة أحمد فهمي وريم مصطفى وصلاح عبد الله ومحمود قابيل، بالإضافة إلى حسين فهمي وحنان مطاوع وأحمد صلاح السعدني وأحمد عبد العزيز وشمس الكويتية ونضال نجم وخالد الصاوي ومنة فضالي ونجلاء بدر وخالد أنور وغيرهم.
أخطاء فنية واضحة
الخطأ الأول الذي وقع به صانعو العمل تم اكتشافه بمجرد طرح البوستر الدعائي للمسلسل قبل الشهر الكريم، إذ انقسم البوستر إلى نصفين أحدهما للزمن المعاصر، والثاني للحملة الفرنسية. وعلى النصف الأخير، ظهرت مئذنة “جامع محمد علي” في الخلفية، وهو خطأ تاريخي، ذلك لأن الحملة كانت بين عامي 1798 و1801، في حين أن جامع محمد علي تم بناؤه بين 1830 و1848.
ومع عرض المسلسل ظهرت أخطاء أخرى أكثرها وضوحا، فكان اختيار الممثل أيمن الشيوي للعب دور نابليون بونابرت. فمع أن نابليون لم يتجاوز طوله 1.58 متر إلا أن الشيوي يقترب من المترين، هذا بالإضافة إلى فارق العمر الواضح بين الاثنين، حيث بدأ بونابرت حملته على مصر بعمر الـ 29.
سقطات تاريخية أم هفوات غير مؤثرة دراميا؟
كشف الصحفي والكاتب أحمد المرسي -عبر صفحته الشخصية على فيسبوك- عن بعض الأخطاء التاريخية التي رصدها بالحلقة الثانية من المسلسل، وتنوعت بين عدم مواكبة الملابس لحقبة الحملة الفرنسية من مناديل بأوية (الأوية هي زخارف من الحرير أو الكتان تنقشها النساء على ملابسهن) وقمصان منقوشة لم يرتدها المصريون قبل ثلاثينيات القرن الماضي، وهو ما استشهد عليه بصور لملابس المصريين من كتاب “وصف مصر”.
كذلك انتقد المرسي ظهور أحمد السعدني مرتديا ملابس قطنية أسفل جلبابه، مؤكدا أن مصر لم تعرف القطن إلا بعد زراعته في عهد محمد علي، عشرينيات القرن الـ 19.
من الأخطاء الأخرى ظهور أحمد عبد العزيز على ظهر “كارته” وهي عربة خشبية يجرها حصان، ذلك لأن أول من أدخل تلك العربة هو نابليون يليه محمد علي، وبالتالي لم تكن أمرا دارجا لعامة الشعب ذاك الوقت، هذا بجانب ظهور منضدة خشبية طويلة أشبه بالسفرة لتناول الطعام وهو ما لم يكن موجودا أيضا في تلك المرحلة التاريخية.
الرأي والرأي الآخر
من جهته، قام الباحث في التاريخ وكاتب التقارير التاريخية، وسيم العفيفي، بتفنيد تلك الأخطاء والرد عليها من خلال حسابه على فيسبوك، أولا الملابس، حيث أشار إلى أنه ليس هناك ما ينفي أن المصريات ارتدين منديل بأوية قبل القرن العشرين، فمع أن هذا لم يُذكر بكتاب “وصف مصر” ولا حتى اللوحات، إلا أنه في تاريخ الجبرتي، وصف المنطاد الذي أراد الفرنسيون إطلاقه بالهواء بأنه يُشبه الـ “أوية” مما يعني أنها كانت معروفة قبل الحملة الفرنسية.
وفي ما يخص القطن، أكد العفيفي أن المصريين عرفوا المنسوجات القطنية قديما لكنهم كانوا يرتدونها على هيئة “شال” أو “صديري” وهو ما تطور في عصر محمد علي، وبالتالي فإن معلومة عدم معرفة المصريين الأقطان في ذاته خاطئة، لكن بالوقت نفسه لم يرتدوه بالطريقة التي ظهرت بالمسلسل.
وبخصوص ظهور الكارتة والسفرة، أكد أيضا أنهما لم يكونا موجودين بعصر الحملة، لكنه يراهما زلة لا تؤثر على الدراما، ولما كان المسلسل ليس وثائقيا أو تسجيليا وإنما هو عمل درامي مع شق تاريخي، فيجب أن يقبل الجمهور وجود مساحة للخيال دون الاكتفاء بالحقائق.
سلبيات أخرى
على المستوى الفني، اتهم الكثيرون صانعي المسلسل بالاستسهال، بداية من اللهجة المصرية التي يتحدث بها كل من بالعمل، من دون مراعاة فرق الأزمنة بين الماضي والحاضر، حتى الفرنسيين ظهروا بينما يتحدثون العامية المصرية، بل إن أحدهم سخر وظل يردد “مدد يا سلطان حامد مدد”.
وعلى مستوى الإخراج، ظهر العمل بمستوى متواضع ومن مدرسة فنية قديمة، أقرب لأفلام خالد يوسف قبل أكثر من 15 عاما، كذلك جاءت النقلات الزمنية بالحلقة الأولى سريعة وضعيفة على مستوى المونتاج ونقلات الكاميرا.
أما الأداء التمثيلي، فيما يتعلق بجزء الحملة الفرنسية، فقد ضم العمل مجموعة من النجوم المميزين، وباستثناء خالد الصاوي، حاول الغالبية تقديم أدوارهم باحترافية، إذ كان أفضلهم أحمد صلاح السعدني، كذلك ظهرت براعة خالد يوسف الإخراجية ببعض الكادرات.
لكن الجزء المعاصر من القصة جاء مخيبا للآمال، سواء من حيث التمثيل أو الحبكة والسرد الدرامي، ولعل أضعف اختيارات الممثلين بالمسلسل حتى الآن هو أحمد فهمي لدور البطولة، خاصة وأنه لم يستطع الخروج من جلباب الكوميديا وعكف على تقديم الشخصية بكثير من السذاجة والاستخفاف أحيانا.
سحر التتر
وتظل النقطة الإيجابية للعمل هي التتر المميز من كلمات مصطفى إبراهيم وغناء محمد منير، وهي الأغنية التي لعبت على وتر حب الوطن وتاريخ طويل من المقاومة، لكن ورغم جمال الكلمات وحساسية صوت منير، فإن اللحن والهندسة الصوتية كانا أعلى من صوته، مما جعل الجمهور يعجز عن تفسير بعض الكلمات.