بتضامن مجتمعي.. “خنساء اللويبدة” تتغلب على ألم فقدان عائلتها و”تعود للحياة” مجددا
بتضامن مجتمعي.. “خنساء اللويبدة” تتغلب على ألم فقدان عائلتها و”تعود للحياة” مجددا
عمّان- بكثير من الصبر على ألم فقدان زوجها وأطفالها الثلاثة، وبعزيمة وإيمان، تتنقل الثلاثينية عبير رشيد في محل الألبسة الذي بدأت العمل فيه منذ شهر، توضب الإكسسوارات ومواد التجميل، وترتّب أغطية الرأس والحقائب النسائية.
وبين توضيب وترتيب، تقف برهة تتأمل صورة أطفالها الذين فقدتهم في حادثة انهيار عمارة سكنية في منطقة اللويبدة منتصف سبتمبر/أيلول 2022، بعدما قضوا تحت الأنقاض. وهو انهيار أفقدها آمالها وأحلامها، وأفرغ حضنها من تلمس وجوههم وشمّ رائحتهم، وغيّب ضحكاتهم وصراخهم إلى الأبد.
وبحسب تقرير -نشرته وكالة الأنباء الأردنية بترا– فإن انهيار عمود الوسط في تسوية العمارة كان سببا في انهيار بناية اللويبدة السكنية، كما أن الانهيار كان بسبب أعمال الصيانة.
لكن عبير لم تفقد الأمل ولم تستسلم للحزن والعزلة، وقررت “العودة للحياة” وفتحت محلا لبيع الملابس في منطقة اللويبدة، مقابل موقع العمارة المنهارة، وأطلقت عليه اسم “خنساء اللويبدة” تيمّنا بصبر الصحابية والشاعرة الشهيرة تماضر السلمية المعروفة بـ “الخنساء”.
شهد افتتاح محلّها إقبالا وتفاعلا من أهالي المنطقة والإعلاميين والمتضامنين. وقبل أيام، زارها في المحل ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله ترافقه خطيبته الأميرة رجوة آل سيف، مقدّما لها الدعم النفسي والمعنوي.
التشبث بالأمل
أصيب زوج عبير بالسرطان بشكل مفاجئ، بعد زواج استمر أكثر من 17 عاما، وتوفي قبل عامين وترك لها 3 أطفال: محمد (17 عاماً) وأميرة (12 عاماً) وملك (7 أعوام) لكن القدر شاء أن يتوفّوا معا في حادثة انهيار عمارة اللويبدة لتبقى وحيدة بعدهم.
تقول عبير للجزيرة نت إنها بعد وفاة زوجها، قبل عامين، بدأت العمل في توزيع الألبسة والإكسسوارات عبر وسائل التواصل، ومن خلال علاقاتها الاجتماعية وأقاربها ومعارفها ومعلمات أطفالها في المدرسة، وكانت تخطط مع ابنها محمد لفتح محل للملابس برأس مال متواضع.
وتضيف “كنتُ أعمل في مواسم العودة إلى المدارس على بيع وتسويق القرطاسية والزي المدرسي والحقائب، وأقوم بتوزيع تلك الأغراض بالسيارة التي تركها لي زوجي بعد وفاته، ويساعدني أطفالي في التوزيع وحمل الأغراض ونقلها، بالإضافة إلى مواسم الأعياد والمناسبات”.
ويُذكر أن عبير انتقلت بعد الزواج إلى السكن في منطقة اللويبدة، وسط عمان، وعاشت فيها أجمل أيام حياتها ورزقت فيها بأبنائها الثلاثة، وكانت متفرغة لتربيتهم والعناية بهم، رافضة أي عمل يشغلها عن أطفالها، لكن قدر الله شاء أن تفارقهم.
وبفقدها أولادها، قررت مغادرة اللويبدة وعدم العودة إليها. ولم تتوقع أن تفتح محلا تجاريا بجوار العمارة التي قضى تحتها أولادها، فـ “القرار بالعودة إلى اللويبدة والإقامة فيها لم يكن سهلاً” كما تقول عبير، لكن تخليدها لذكرى أولادها، ووقفة أهالي المنطقة معها منحها القوة والعزيمة.
تضامن وتعاطف شعبي
حالة التضامن الشعبي مكّنتها من “العودة للحياة” والعمل مجددا، وغيّر المحل من نظرتها إلى الحياة. “يزورني الكثير من الناس الذين لا أعرفهم، منهم من يواسيني، ومنهم من يُضحكني ويغمرني بعطفه، ومنهم من يشاركني همومه وأفراحه” تقول عبير.
وعقدت المرأة الصابرة العزم على دعم زوارها بـ “الطاقة الإيجابية والإقبال على الحياة على الرغم من الألم” وبدأت استقبال منتجات حرفية أبدعتها سيدات في منطقة اللويبدة، مساهمةً منها في تقديم الدعم المجتمعي لمحتاجيه، ومساندة الأهالي الذين ساندوها بمحنتها.
وفي مبادرة تطوعية، بدأت ترتيب زيارات لمرضى السرطان في أحد مستشفيات عمّان، لتقديم الدعم النفسي والمعنوي للمرضى، ومدّهم بالأمل ودعوتهم للإقبال على الحياة، على الرغم من ألم العلاج والمرض، وتقابل زياراتها بالترحاب والثناء، على حد قولها.
ويشهد محل “خنساء اللويبدة” زيارات متكررة من أهالي العمارة المنهارة، يتبادلون الذكريات مع عبير، ويرسمون الحياة بريشة الأمل. ولا يغيب عن المحل أصدقاء ابنها محمد، يوضّبون معها البضاعة، ويساعدونها في العمل ويخفّفون عنها من الذكريات المؤلمة.
وفي مبادرة ملكية، سلّم رئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي قبل أيام سندات تسجيل شقق سكنية لـ 5 أسر تضرّرت من حادثة انهيار مبنى اللويبدة، من ضمنها شقة من نصيب عبير رشيد، مجهزة بجميع المستلزمات الأساسية من أثاث وأجهزة كهربائية، وبما يكفل توفير حياة كريمة للأسر في بيئة آمنة وصحية.