مقالات

بابكر عباس محمَّد يكتب :أهل البصر والبصيرة في الغناء السوداني

أهل البصر والبصيرة في الغناء السوداني
بقلم: بابكر عباس محمَّد
٭ مدخل:
«لا شوفةً تبل الشوق .. لا رداً يطمن
أريتك تبقى طيّب إنتَ إنا البي كلو هين»
ثم:
«الزول الوسيم في طبعو دايماً هادي
من أوصافو قول أسمعنا هات يا شادي»
هكذا يأتي صوته منساباً كنسمات الصباح ومساءات الفرح الجميل،  ناثراً
عطره الذي فاح وملأ كل أرجاء السودان بطيبه، إنه فنان الطمبور الرائد
النعام آدم، نذكره هنا متأملين هذا الألق وهذا الإبهار، وللتذكير أيضاً
بآخرين مثَل لهم النعام آدم دافعاً ليُخرجوا مكنونات تثور في دواخلهم،
فالنعام آدم القادم من الشمالية في ستينيات القرن الماضي بهر الناس
بقدراته الفائقة في العزف على آلة الطمبور وبصوته الملئ بالشجن والتطريب
فأحدث حينها نقلة واسعة في هذا الضرب من الفنون فسار على دربه العديد ممن
جاءوا بعده خاصة وأنه كان يتمتع بحسن الاختيار والألحان.
وهؤلاء المبدعون الكثر رغم فقدانهم نعمة البصر، إلا أن بصيرتهم المتقدة
أضاءت أمامهم آلاف القناديل التي ساروا عليها نحو فضاءات الإبداع بما
ملكوا من مواهب حباهم بها الله، فما بخلوا بهذه النعمة حيث سكبوها في
دواخل أهل السودان أغانٍ سارت بها الركبان ولا يزال عطاءهم مستمراً.
ومن أهل البصيرة هؤلاء فنان الحقيبة مبارك حسن بركات.. أو «كمبيوتر
الحقيبة» كما يحلو لأهلها أن يسموه يجئ رمزاً لأولئك المبدعين فهو الذي
تغنى بمئات من أغنيات الحقيبة فكان صوته الملئ بالطرب والتطريب ضارباً في
دواخل الناس عشقاً ومحبة وهو يعتبر من المجددين والمجيدين الذين غنوا
الحقيبة بمختلف آلاتها ووسائطها. وهو كما معروف من منطقة العيلفون التي
رفدت ساحات الغناء السوداني بعدد وافر من الشعراء والمغنين. كما وأن
مبارك حسن بركات أبدع وأجاد في أداء أغاني الحماسة والتراث ويعتبر من
الباحثين والموثقين لهذا الإرث العظيم.
ويقودنا الحديث لأن نذكر هنا كذلك ثلاث من المبدعات صاحبات البصمة
الواضحة في مسيرة الغناء السوداني هن حنان النيل وآمال النور ونبوية
الملاك. فالأولى ومنذ ظهورها من خلال الدورات المدرسية استطاعت أن تضع
بصمتها ولونيتها التي تميزت بها دون غيرها وهي صاحبة إنتاج وافر يحمل في
جوانبه كل آيات الجمال والإمتاع ورغم توقفها عن الغناء فلا يزال صوتها
مسموعاً وسيظل يرن في أذان أهل السودان طويلاً إن كان ذلك في مجال المديح
النبوي ولها فيه باع طويل أو الغناء، وبتوقفها عن الغناء فقدت الساحة
الفنية واحدة من المبدعات اللاتي كن دائماً في القمة.
والفنانة الثانية هي آمال النور المطربة الدارسة صاحبة الصوت متعدد
الطبقات وصاحبة القدرات المهولة وقد مكنتها قدراتها هذه مشاركة العديد من
الفنانين المميزين الذين اعترفوا لها بالامكانات الكبيرة والأداء المتفرد
الذي لا يتوفر لغيرها ومنهم الفنان الكبير محمد وردي ومصطفى سيد أحمد
وآخرين.. وقدمت من إنتاجها كذلك أعمالاً راقية أعملت فيها تجاربها
الدراسية فأسعدت الناس بصوتها الشجي وقدرتها التطريبية العالية وينتظر أن
تقدم آمال النور الكثير من الأعمال العلمية المدروسة التي عرفت بها وهي
تملك القدرات التي تؤهلها لذلك.
أما الفنانة الثالثة فهي نبوية الملاك التي اقتحمت هذا المجال بقوة وبخطى
واثقة فقدمت بصوتها الدافئ عدداً وافراً من الأعمال المسموعة والخاصة
فكان التوفيق حليفها في كل ما قدمت فانتشرت سريعاً عبر كافة الوسائط
وبهرت المستمعين والمشاهدين وحجزت لها مقعداً مرموقاً في ساحة الغناء
السوداني.
وكذلك من المطربين الذين ملكوا أسباب النجاح بصوته القوي المبدع عاطف عبد
الحي الذي يمثل حضوراً أنيقاً خاصة في منتديات الخرطوم المختلفة والتي
يتمتع روادها بحس وذوق فني راق، حيث جعلته مشاركاته هذه نجماً يشار إليه
بالبنان.
أما الموسيقي الساحر صاحب الأنامل الذهبية عوض أحمودي فحدث ولا حرج فكل
وتر يضربه عوض له في قلب عشاقه لون وطعم ونكهة، وعوض أحمودي صاحب العود
الملئ بالشجن والفرح والمعبر عن آمال الناس وأحلامها وآلامها هو هبة من
الله جاء ليضع ما ملكه من موهبة سعادة لمعجبيه في كل إطلالة تجئ عبر
الوسائط.. عوض أحمودي يمثل اجتهاداً موفقاً لفاقدي البصر للسير على هداه
دون خوف أو وجل فهاهو قد أثبت للجميع أن فاقد البصر صاحب بصيرة وصاحب
رسالة سامية عليه ألا يتخلف عن حركة المجتمع الذي يسعده النجاح والطموح
وعلو الهمة.
 فهل يطلق أهل  البصر والبصيرة مزيداً من طموحاتهم لتعانق عنان السماء
تحفيزا للآخرين أم يطول الإنتظار؟؟.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى