انطلاق الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش
انطلاق الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش
عبدالغني ملوط
مراكش- انطلقت الاثنين، التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مدينة مراكش المغربية.
ويعد تقديم كتاب “جهود المغرب من أجل نمو أكثر قوة وشمولا” أهم المحاور التي ميزت اليوم الأول من الاجتماعات التي تستمر حتى 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
ويشير الكتاب -الذي أشرف على إصداره كل من روبرتو كارداريللي وتالين كورنشليان من صندوق النقد الدولي- إلى الفرص التي يتمتع بها الاقتصاد المغربي، والتحديات التي تواجهه.
صدمات خارجية ومحلية
وتبرز مقدمة الكتاب أنه على مدار العقدين الماضيين، واجه المغرب عديدا من الصدمات الخارجية والمحلية، بما في ذلك التقلبات الكبيرة في أسعار النفط العالمية، والتوترات الجيوسياسية الإقليمية، وحالات الجفاف الشديدة، ومؤخرا تأثير وباء كورونا والتداعيات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الروسية على أوكرانيا.
ويلاحظ مؤلفا الكتاب أنه على الرغم من الظروف القاسية واصلت الحكومة مسيرتها وظلت تركز ليس على الاستقرار الفوري فحسب، بل على احتياجات الاقتصاد المغربي على المدى الطويل أيضا، إذ تضمن ذلك تبني سلسلة من التدابير الصعبة، مثل إلغاء الدعم عن منتجات الطاقة، وإستراتيجية تهدف إلى تحسين البنية التحتية للبلاد، وتنويع قواعد الإنتاج والتصدير من خلال جذب الاستثمار الأجنبي، وتحديث هيكل الإدارة العامة.
ويضيف الكتاب أن الطريق إلى نمو أعلى وأكثر شمولا لا يزال صعبا، بالرغم من المكاسب التي تحققت في الحد من الفقر ومحاربة الأمية، إذ إن نسبة البطالة لا تزال مرتفعة في أوساط الشباب النشطين، مع وجود نقص كبير للفرص الاقتصادية للنساء، علاوة على تشتت أنظمة الحماية الاجتماعية ووجود حواجز أمام تنمية القطاع الخاص.
ويؤكد الكتاب ضرورة وجود برنامج إصلاح طموح لتلبية تطلعات المغاربة بشكل أفضل، من خلال جعل النمو الاقتصادي أقوى وأكثر مرونة وأكثر شمولا، وخاصة توفير فرص أكبر للشباب والنساء ورواد الأعمال.
وأبرز أن المغرب، كما يبدو، في وضع جيد للتصدي لهذه التحديات، من خلال إطلاق “نموذج جديد للتنمية”، والإعلان عن إصلاحات كبرى تعمل على تجديد نظام الحماية الاجتماعية ونموذج أعمال الشركات المملوكة للدولة.
الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية
وفي كلمة افتتاحية، قال رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش إن هذا الكتاب “يعبر بشكل جلي عن رغبة المملكة في بلوغ أهداف طموحة على صعيد تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
وأبرز أنه على مدى السنوات العشرين الماضية، نفذ المغرب “إصلاحات طموحة واستباقية، ساهمت في إرساء دعائم تحولٍ عميق ومستدام للاقتصاد الوطني”، كما مكنته “من تعزيز مرونته، والحفاظ على توازناته الماكرو اقتصادية”.
وأشار إلى أن المغرب “أطلق سلسلة من الإصلاحات الرامية إلى تعزيز تماسك المؤسسات وأنظمة الحماية الاجتماعية، مع إيلاء مكانة مهمة لتعزيز النظام الصحي وتحسين جودة نظام التعليم وتشجيع البحث العلمي والابتكار”، وفق تعبيره.
وأكد أن المملكة المغربية تسعى إلى “مضاعفة الإنتاج في الطاقة الريحية والشمسية 3 مرات، مع السعي لتكريس تموقع المغرب بصفته فاعلا رئيسيا في قطاع الهيدروجين الأخضر، مما يعزز السيادة الطاقية”.
وأكد أخنوش أن بلاده “أطلقت مشاريع مبتكرة لتحلية مياه البحر بشراكة مع القطاع الخاص، لمواجهة الجفاف وندرة المياه”، كما يتم العمل على الربط بين الأحواض المائية المختلفة في البلاد، وذلك لتزويد المناطق التي تعاني نقصا في المياه، انطلاقا من مناطق أخرى تتوفر فيها بكثرة
دور دول الجنوب
وفي سياق متصل، أشاد عدد من المتدخلين بـ”سرعة رد الفعل” التي قام بها المغرب إثر زلزال الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي، من خلال تعبئة جميع موارده، وانخراط مواطنيه التلقائي والتطوعي من أجل تجاوز تداعياته المدمرة.
وفي هذا الصدد، أبرز المحلل الاقتصادي محمد جديري للجزيرة نت أن ذلك “محل فخر للمغرب”، مشيرا إلى “أهمية الإصلاحات الاقتصادية التي نهجتها المملكة طيلة العقدين الماضيين، علاوة على سرعة عودة انتعاش القطاع السياحي بعد الزلزال”.
ولاحظ المتحدث ذاته وجود حديث متكرر عن الدور الريادي الذي يمكن أن تقوم به دول الجنوب في إنعاش الاقتصاد العالمي، إذا ما تم عدد من الإصلاحات في المؤسسات المالية الدولية، وإعادة النظر في المديونة وريادة النساء، والأخذ بعين الاعتبار التقلبات المناخية، كما جاء مثلا على لسان رئيس البنك المركزي لدولة بيرو.
من جهته، أبرز المحلل الاقتصادي مهدي فقير أن الطابع الدولي للاجتماعات فرضَ -إلى جانب “استعراض التجربة المغربية المتميزة”- الحديثَ عن التحديثات العالمية في المجال الاقتصادي ارتباطا بالتضخم والتغيرات المناخية.
وأشار في حديث للجزيرة نت إلى الضغط الناتج عن التوترات والأزمات والتغيرات الجيوسياسية لدى الشعوب، وإشكاليات تنميتها واستمرار الجهود من أجل ذلك، “مما يضع مصداقية هذه الجهود على المحك”.
وأضاف أن المؤسسات الدولية “تجد نفسها أمام معضلة حقيقية متعلقة بالتمويل، في سياق متلاطم الأمواج، وضعف ميزانية الدول واختلاف ماليتها العمومية وقدرتها لمواجهة هذه الضغوط المتنامية”.
سندات التنمية
وتزامن اليوم الأول من الاجتماعات السنوية أيضا مع إعلان البنك الدولي إصدار سندات التنمية المستدامة بقيمة 100 مليون يورو على مدى 3 سنوات، و100 مليون يورو على مدى 5 سنوات، والتي حصل عليها بنك
المغرب في إطار إدارة احتياطاته من النقد الأجنبي، وحدد أجل استحقاقها في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2026 والسادس من أكتوبر/تشرين الأول 2028.
وأشار بلاغ البنك الدولي إلى دمج العمل المناخي في جهوده لتمويل التنمية، لا سيما على مستوى النظم الغذائية القادرة على الصمود، والطاقة النظيفة والمتجددة، والأمن البيئي والمائي، بما في ذلك في البلدان الأفريقية.
من ناحيته، علق المحلل الاقتصادي عبد النبي أبو العرب قائلا إن منح هذه السندات يعزز الثقة بين البنك المركزي المغربي والمؤسسات المالية الدولية.
وأضاف للجزيرة نت أن الاستثمار في هذه السندات ينتظر أن تزيد قيمته مع تزايد الاهتمام بالانتقال الطاقي، والاستثمار في الطاقات المتجددة، والوقوف أمام الاحتباس الحراري والانبعاثات الغازية.