اليوم العالمي للغة العربية.. تحديات لسان العرب تحت شمس العولمة
اليوم العالمي للغة العربية.. تحديات لسان العرب تحت شمس العولمة
يحتفي العالم في 18 ديسمبر/كانون الأول من كل عام باليوم العالمي للغة العربية باعتبارها أحد أهم أركان التنوع الثقافي للبشرية، ولغة الحضارة العربية الإسلامية، ولغة العلوم والمعرفة والآداب.
وبدأ الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 2012، وتم اختيار 18 ديسمبر/كانون الأول لإحياء ذكرى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة اللغة العربية سادس لغة رسمية لها.
وتصدر وسم “#اليوم_العالمي_للغة_العربية”، منصات التواصل الاجتماعي، للاحتفاء بيومها العالمي، وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3190 في ديسمبر/كانون الأول 1973 بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية في الأمم المتحدة.
وتفاعلت منصات ومنظمات عالمية مع اليوم العالمي للعربية، منها منظمة الأمم المتحدة واليونسكو، مشيدين بأهمية اللغة العربية ومعتبرينها واحدة من أهم اللغات العالمية.
وأثنت منظمة اليونسكو عبر موقعها الرسمي على مساهمة اللغة العربية في الحضارة والثقافة الإنسانية، وسلطت الضوء على إسهاماتها في تعزيز التنوع الثقافي.
وغرد حساب الأمم المتحدة عبر تويتر ببيت شعر لأحمد شوقي جاء فيه “إن الذي ملأ اللغات محاسنا.. جعل الجمال وسره في الضاد”.
واحتفى مغردون بعظمة لغة الضاد ولغة القرآن، وعددوا معجزاتها وقوتها وبلاغتها بسرد مفردات تحمل معاني معبرة ومختلفة للكلمة نفسها، في حين تداول آخرون أبيات شعرية وآيات قرآنية مجدتها.
ورأى نشطاء أن “اللغة العربية أنقى اللغات وأدقها في التعبير، وأنها متفردة في طرق التعبير بأساليبها المتنوعة واشتقاقاتها الفنية، قائلين “لا يدرك جمالها إلا من أبحر فيها”.
وكتب الصحفي السعودي عبد العزيز دبلول في تغريدة على حسابه الرسمي تويتر “اللغة العربية جزء من هويتنا العربية الإسلامية والتحدث بها وتمكينها ونشرها يشكل نوعا من الاعتزاز والفخر، لا نسمح أن يستهان (بها)، إتقان اللغة العربية هو الفخر والعز والشرف”.
واعتبر الكثير من النشطاء أن اللغة العربية تستحق أن نعلمها أبناءنا، وقال أحد المتفاعلين “لغتنا العربية لا تنتظر منا احتفالات مؤقتة بها، ثم تجاهل لمكانتها في تفاصيل حياتنا!! بل تحتاج إلى احتفاء بها يمكّنها في ممارساتنا اليومية، بما يحفظ شأنها، ويعلي قدرها”.
تحديات أمام لسان العرب
تُعرف العربية بكونها لغة ذات خصائص متميزة تتمثل في ثروة مفرداتها وغنى تراكيبها وجمالية تعبيرها وغير ذلك، أو من ناحية دورها التاريخي الحضاري القديم، ومن ثمّ صلاحيتها لكل زمان ومكان، ومع ذلك فإن التحديات أمامها قائمة خاصة في عصر الحاسوبية والمعلوماتية والسيبرانية وغزو الفضاء والثورة التقنية.
وفي دراسته التي نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان “اللغة العربية.. تحديات عاصفة ومواجهة متواضعة” كتب الناقد واللغوي والمترجم والأكاديمي الراحل حسام الخطيب (1932 – 2022) قائلا إن ما أُنجز حتى الآن في خدمة العربية لا يوازي شيئا إزاء تعاقب التحديات وسرعة تضخمها مثل كرة الثلج.
وأضاف المشرف السابق على مركز الترجمة في المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث القطري، أن اللغة العربية تبدو عند أكثر مستعمليها من غير المتخصصين باللغة والأدب أشبه بعبء، ولا سيما في مجالات العلم والمهن والتجارة والتبادلات اليومية.
وتابع الأديب الفلسطيني السوري الراحل قائلا إن المطلوب هو التحول من سيكلوجية “اللغة-العبء” إلى واقعية “اللغة-الدافع”، ومن سيكلوجية القلق التعبيري إلى قوة الثقة بالنفس، ومن الشعور بالعجز إلى الشعور بالراحة والطمأنينة والفائدة والبهجة. وأخيرا من فداحة الشعور المتزايد بأن العربية الفصيحة أشبه بلغة أجنبية مسقطة قسرا على مستخدميها إلى نعمة التآلف مع اللغة وحرية الانتقاء من كنوزها وسعادة الإحساس بتجاوبها مع مستلزمات التفكير والتعبير.
وأضاف الخطيب “نحن، معشر العرب والمسلمين، من أشد الناس في هذا العالم تعلقا بلغتنا العربية الشريفة المقدسة الناصعة الحية الثرية المتجددة. إلا أننا نكتفي بالتغني والتمجيد ولا نقدم الخدمة الكافية العلمية والعملية، والتربوية والاجتماعية، والنفسية والإعلامية، لهذه اللغة العزيزة على قلوبنا التي هي كياننا، وصورة ماضينا ومرآة حاضرنا وأفق مستقبلنا، وهي -ويا للأسى- تكاد تكون، بعد كل تلك الخيبات التي شهدناها في العصر الحديث، آخر رابطة حية من روابط التوحيد والمصير المشترك، بعد أن هدرنا الروابط الأخرى التي كانت مبعث اعتزازنا وقوتنا على المدى. ومع ذلك هناك جهات تحاول تفكيك هذه الرابطة وضعضعتها بل التبرؤ منها، وذلك من خلال التضليل بشأن صلاحية اللغة العربية”.
أسئلة العربية في الزمن الحديث
وتساءل الخطيب في دراسته، هل ستبقى اللغة العربية أسيرة الاستعمالات الرسمية والمناسبات وأغلفة الكتب وبعض برامج أجهزة الإعلام؟ هل تتخطى ذلك باتجاه أن تصبح اللغة اليومية للإعلام، وللنشاط الفني والجماهيري، وللعمل والصناعة، وربما التجارة والتخاطب شبه الرسمي وربما غير الرسمي أيضا؟ هل يمكن ذلك؟ وكيف؟ وما هي السبل العملية؟ هل المؤشرات الحالية سانحة أم بارحة؟
وتابع متسائلا كيف يمكن أن يتحول درس اللغة العربية من درس قسري شبيه بتعليم أية لغة أجنبية إلى درس ودِّي مشوق؟ أي كيف يصبح درس العربية عربيا أليفا غير هجين؟ وهل يوجد في أي قسم لغة عربية مخبر صوتي أو أية آلة مساعدة للتعلم؟
ويقر الخطيب بحدوث تراجع واضح بشأن العربية لصالح تعليم الإنجليزية في جميع المستويات التعليمية، بسبب “غياب مراكز البحث اللغوي واقتصار نشاط أقسام اللغة العربية في الجامعات على المجهود التدريسي ومحدودية الإمكانات المتاحة لمجامع اللغة العربية والنقص الفادح في الخدمة العلمية والتقنية للغة العربية تواجه لغتنا عصرَ المعلومات كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح”.
وحذر الأديب والأكاديمي الراحل من أن تبدو اللغة العربية شبه ضائعة في وسط الخضمّ مع أنها تتمتع بمزايا دينية وتاريخية وجغرافية واقتصادية، معتبرا أنها أولى من غيرها في أن يكون لها مكان تحت شمس العولمة لولا غرقها في دوامات الإهمال والتمزق والانقسامات السياسة والنأي عن دفع ضريبة الحياة.
وأضاف “من المؤسف أنه حتى في الدراسات اللغوية الشاملة نادرا ما يجري لها ذكر بين لغات العالم”، ويقول “ألا ينبغي أن نقدم للغتنا الشريفة والعظيمة والعذبة والرافلة بمخزون ديني وأدبي وجمالي عظيم وغير ذلك وغير ذلك…، ألا ينبغي لنا أن نقدم لها مقومات تحفظ لها فاعليتها وتبقيها في مصاف اللغات الحيّة الفاعلة في مجال صراع الحضارات أو حوارها، وكذلك أن نحرص على إبقائها في واجهة تعاملنا اليومي وفي صدارة اللغات الحية بدلا من أن نعرّضها لخطر المصير الذي آلت إليه لغات كانت لها عظمتها في سالف الأيام مثل اليونانية واللاتينية، وأصبحت اليوم قابعة تحت قباب الكنائس أو في أقبية التخصص التاريخي، وانتهى بالتدريج الاهتمام بها حتى في الجامعات التقليدية – في الغرب”.
ويختم محذرا “يجب أن نسارع إلى إنقاذ لغتنا العربية من مثل هذا المصير ونحن قادرون. وقد كُتب الكثير في هذا المجال ولكن النتائج ظلت حتى الآن معكوسة. أي أن وضع اللغة العربية ظلّ في تراجع مستمر… لم يعد الصمت ممكنا، وأقولها بصراحة إننا نحتاج الآن إلى حملة شعبية شاملة لنصرة اللغة العربية بعد أن أصبحت جهات رسمية عربية عديدة تتغاضى عن قيام مؤسساتها التعليمية بإهمال اللغة العربية في مختلف مستويات التعليم، بل تحميها، بل تمدها بالعون في حالات عديدة تكون فيها مخالفة للدساتير والمبادئ المتوارثة واضحة وضوح الشمس”.