الوجه الآخر لعمليات الإجلاء من كابل.. تفريغ أفغانستان من ذوي الخبرة
الوجه الآخر لعمليات الإجلاء من كابل.. تفريغ أفغانستان من ذوي الخبرة
من المتوقع أن يؤثر هرب الكوادر والمتخصصين سلبا في أداء المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، وسيُعدّ الفراغ الذي خلفوه من أبرز التحديات أمام الحكومة القادمة التي فقدت أهم ركائزها البشرية.
كابُل- في جامعة كابُل بالعاصمة الأفغانية، اضطرت كلية اللغات إلى إغلاق قسم اللغة الفرنسية، بعد أن نُقل أعضاء هيئته التدريسية والعاملين فيه (حتى الفرّاش) إلى فرنسا، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها الولايات المتحدة ودول أجنبية للمتعاونين معها والمواطنين الأفغان منذ سيطرة طالبان على أفغانستان منتصف الشهر الجاري.
وحسب أحد أساتذة كلية اللغات في جامعة كابل، فإن نقصا كبيرا تواجهه الجامعة والمؤسسات الأكاديمية عامة في أعضاء هيئات التدريس إثر مغادرة أعداد كبيرة منهم.
ورغم التفجيرات التي وقعت في مطار كابل وراح ضحيتها أكثر من 175 شخصا من الأفغان، فإن الرئيس الأميركي جو بايدن أكد أن عمليات الإجلاء ستستمر.
ومع نهاية شهر أغسطس/آب الحالي، سيُنقل أكثر من 130 ألف أفغاني إلى دول غربية كالولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وكندا وأستراليا وغيرها.
وفي آخر تحديث للبيت الأبيض، أُعلن إجلاء نحو 113 ألفا و500 شخص من كابل منذ سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية منتصف أغسطس/آب، و119 ألفا منذ نهاية يوليو/تموز، عبر الرحلات الجوية الأميركية.
ولا تشمل هذه الأعداد المتعاونين مع القوات الأميركية وقوات حلف الأطلسي فحسب، وإنما أيضا الآلاف من الموظفين في الحكومة والعاملين في المؤسسات الدولية والمؤسسات غير الحكومية.
من كل التخصصات
ورحيل هؤلاء من أفغانستان جعل هذا البلد الذي يعاني الحرب والفقر منذ عقود يفقد أهم ما يملك من الثروة البشرية والطاقات المدربة التي كانت تشكّل عماد المؤسسات الحكومية والخاصة.
ووفقا لتقارير وأخبار وسائل الإعلام الأفغانية وشبكات التواصل الاجتماعي، وبناء على المشاهدات العينية، فإن أغلب الذين غادروا أفغانستان، في إطار ما سميت بـ”عملية الإجلاء”، هم من المتخصصين وذوي الخبرة في مجالات مهمة مثل الإدارة والاقتصاد والهندسة والطيران والإعلام والدبلوماسية والقضاء والحقوق والآداب واللغات والشرطة والأمن وغيرها.
ويُعدّ قطاع الإعلام أكثر القطاعات المتضررة من فقدان الكوادر، إذ خسر نسبة كبيرة من العاملين فيه. ففي قناة مثل “طلوع نيوز” الإخبارية الشهيرة بأفغانستان، غادر المخرجون ومقدمو البرامج ومذيعو نشرات الأخبار وفريق المراسلين، بمن فيهم رئيس القناة، إلى دول مثل فرنسا وتركيا وأوزبكستان.
وتؤكد مصادر وشهود عيان أن مصير العاملين في قنوات ومؤسسات إعلامية أخرى كالتلفزيون الحكومي والصحف اليومية لا يختلف كثيرا، إذ غادر البلاد عدد كبير من العاملين فيها، مع أسرهم.
ولعل مغادرة الإعلاميين تأتي استغلالا للفرصة المتاحة للوصول إلى الغرب، والبحث عن مستوى حياة أفضل، فضلا عن خوفهم على مستقبلهم الوظيفي في ظل التحديات الأمنية الجديدة، على الرغم من طمأنة حركة طالبان وتأكيد مسؤوليها أنها لن تتعرض لعمل وسائل الإعلام ولا تخطط لفرض قيود على حرية التعبير.
وكان قطاع المال والأعمال من أبرز الخاسرين لكوادره أيضا، حيث ترك كثير من المسؤولين والموظفين في وزارتي المالية والاقتصاد والبنوك وظائفهم وغادروا البلاد إلى أميركا و أوروبا.
أهم التحديات أمام الحكومة
ولا شك أن أخطر تبعات هرب الأدمغة تفريغ أفغانستان من كوادرها البشرية الذين درسوا وتدربوا واكتسبوا الخبرة خلال السنوات الـ20 الماضية، ومن المتوقع أن يؤثر غيابهم سلبا في أداء المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، وسيكون هذا من أبرز التحديات أمام الحكومة القادمة التي فقدت أهم ركائزها البشرية.
ويؤكد مراقبون أفغان أن النتائج السلبية لفقدان الكوادر المؤهلة على مستقبل أفغانستان ستكون أخطر وأشد إذا ما أخذ بالاعتبار الهرب الجماعي والمفاجئ لعشرات الآلاف من موظفي الدولة والعاملين في القطاع الخاص، لأن ملء الفراغ الذي تركوه سيحتاج إلى وقت طويل.
و يرى مراقبون أن تأهيل آلاف الأفغان في مختلف التخصصات العلمية والمهنية وتدريبهم، وتحديث نظام العمل في الوزارات والمرافق الحكومية والمؤسسات كان إنجازا كبيرا للحكومة الأفغانية السابقة المدعومة من أميركا والمجتمع الدولي، رغم فساد تلك الحكومة وضعفها.
فراغ بعد حرب ووعود
ومن الواضح أن عمليات الإجلاء الحثيثة التي تنفذها الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة تلقي بظلالها على القطاعات المدنية، كما أثرت أيضا في القطاع العسكري والأمني كالجيش وقوات الشرطة التي انهارت خلال 10 أيام في مواجهة عناصر حركة طالبان.
وتعود أفغانستان إلى مربعها الأول في بناء مؤسساتها، في حين أوشكت القوات الأميركية، ومعها قوات حلف الأطلسي، على إكمال انسحابها، بعد 20 سنة من حرب استُخدمت فيها أنواع الأسلحة المختلفة من “أم القنابل” إلى طائرات “بي إم 52″، بدلا من الوعود الأجنبية بالأمن وإرساء الديمقراطية والحكومة المستقرة والنظام والدستور والجيش والتنمية والازدهار الاقتصادي والثقافي.
المصدر : الجزيرة