الهوايات خلال الوباء تتحول إلى مصدر لجني الأموال
جوان كوفمان : نيويورك تايمز
تعلمت جيني إيسلر الحياكة في الصف الأول، وكانت جيدة فيها، كما قضت وقتا كفتاة في الكشافة، مما صبغها بروح رائعة من الشعور بأن بإمكانها فعل أي شيء.
ونتيجة لذلك وعندما أعلنت مدينة نيويورك الإغلاق في الربيع الماضي لوقف انتشار فيروس كورونا وبينما كانت إيسلر البالغة 25 عاما من العمر عالقة في شقتها بدون الكثير من المشاغل طلبت بعض أطواق وإبر التطريز والخيط من موقع أمازون (Amazon)، مراهنة على أن تعلم حياكة سلسة ومثيرة للإعجاب يمكن أن يتم من خلال بضعة دروس تعليمية فقط على يوتيوب.
وقالت إيسلر -التي تعمل بائعة في متجر أزياء عبر الإنترنت- “كان أول شيء طرزته هو عبارة “حجر صحي” بخيط أخضر على سترة ذات قلنسوة رمادية اللون”.
وأضافت “لقد طرزت كل ملابسي، وبعد أن انتهت كل الأشياء خاصتي بدأت بتطريز أشياء لأختي”.
ومع انتشار الوباء انتقلت إيسلر إلى منزل والديها في سكارسديل بولاية نيويورك مع أدواتها الحرفية، وبدأت في توثيق تطورها على إنستغرام، وبدأ الناس في مراسلتها مباشرة لتقديم الطلبات -والتي بلغت 100 طلب في أول بضعة أسابيع- لشراء سترات صوفية مصبوغة ومطرزة حسب الطلب.
قالت إيسلر “لقد حدث ذلك بشكل ما”. وأضافت “كل أصدقائي كانوا يريدونها، لأن الجميع كانوا في منازلهم يرتدون ملابس الرياضة”.
كما حرك فيروس كورونا جيشا من كتّاب اليوميات، ومن خبراء العجين المخمر، والخبازين، والطهاة، والنساجين، والرسامين، والبستانيين، ومراقبي الطيور.
وبالنسبة للكثيرين كانت هذه الهوايات بمثابة وسيلة لتخفيف الملل والتوتر، ولإضفاء شكل ما على أيام تشبه بعضها البعض، وقد كانت إيسلر من هؤلاء الذين تحولوا إلى الاحتراف والذين حولوا هواياتهم خلال الوباء إلى مشروع مدر للدخل.
ووفقا لمسح حديث أجراه “ليندنغ تري” (Lending Tree) -وهو مكان لطلب القروض عبر الإنترنت- بدأ ما يقارب 6 من كل 10 من المشاركين البالغ عددهم ألف مشارك في ممارسة هواية خلال الوباء، وقد كسب ما يقارب نصفهم المال، مما جعلهم يحولونها إلى نشاط للكسب الإضافي.
وبالنسبة للبعض، تلك أرقام معتبرة للغاية، قالت إيسلر -التي سمت شركتها “جست باي جيني” (Just by Jeanie) (والفضل لدميتها التي هي على شكل أرنب)- إنها حاكت ما يوازي 20 ألف دولار في خط إنتاج امتد من القمصان والبنطلونات الرياضية إلى الجوارب وأغطية الأطفال وألبسة الرضع ذات الأكمام القصيرة والطويلة.
وفي الوقت نفسه، تقوم لان نجو -وهي صيدلانية- بإضافة 3 آلاف إلى 4 آلاف دولار شهريا إلى حسابها المصرفي من مبيعات أثاث بمقياس مصغر، والذي تصنعه في غرفة فارغة في شقتها المستأجرة في كلوفيس بولاية كاليفورنيا.
أما جيف نيل -الذي يعمل مقيّما للمشروعات لشركة دهانات صناعية- فيحصل على ألفي دولار شهريا من تربية الجنادب والصراصير وغيرها مما تسمى حشرات تغذية، والتي يبيعها لمربي البرمائيات والزواحف من خلال موقعه على الإنترنت “ذا كريتر ديبو” (The Critter Depot).
وبيع الجنادب هذا على الإنترنت نتج من هواية بدأها نيل في مرآب منزله الذي بني في العصر الاستعماري في وسط بنسلفانيا قبل وقت قصير من انتشار الوباء، وذلك لتحمل تكلفة إطعام مونيكا، السحلية الأليفة (من نوع التنين ذي اللحية) التي يمتلكها والجائعة دوما، وكذلك للتفاعل مع اهتمامات بناته الصغيرات الثلاث، (للعلم، زوجة نيل شاكرة للغاية لامتلاكهم مرآبا منفصلا عن المنزل).
قال نيل إنه بحسب تقديره كان متوسط عدد الطلبات لديه يوميا 10 إلى 15 طلبا في ذروة الوباء، مما جعله يجني 5 آلاف دولار شهريا، إن “الناس على منتديات الزواحف كانوا يقولون إن المتاجر المحلية للحيوانات الأليفة مغلقة بسبب الوباء، وكانوا يبحثون عن حشرات للتغذية”.
ويقوم “ذا كريتر ديبو” بشحن الحشرات إلى جميع أنحاء الولايات المتحدة، ويوفر إرشادات للعملاء حول ما يمكنهم توقعه عند تلقي الجنادب في البريد.
أما فيث بوبكورن فتنظر إلى جميع هذه المشاريع باعتبارها أمثلة على العديد من التوجهات التي قامت بمتابعتها على مدار العقود الماضية، والتي من ضمنها “الكبر للعمر الأصغر”، أي الحنين إلى الذات المبدعة الأصغر سنا، ومن ضمنها “مواجهة السلطة بالحقيقة”، أي الإتيان بشيء جديد خاص بك وعدم العودة إلى حياة المكاتب، و”متعة الانتقام”.
وقالت بوبكورن “في هذه الحالة، يعني ذلك الميل حقا إلى الهوايات والتفكير، بإمكاني فعل ذلك، فلقد اشترى ذلك شخص ما على موقع “إتسي” (Etsy)”.
وبينما كان الوباء يضرب كان آدم سركيس -وهو رائد أعمال مقيم في شيكاغو- يتخلى عن شركة ناشئة فاشلة.
وقال سركيس البالغ من العمر 35 عاما -والذي كان يلعب كرة السلة أو يشاهد مباريات كرة السلة- إنه لم يكن يرسم في دفتره، مضيفا “بدأت أفكر في الأشياء التي كنت أفعلها كهوايات عندما كنت أصغر في السن، أشياء لم أجد الوقت لفعلها منذ سنوات، قررت دمج هذه الأحاسيس لأرى كيف ستبدو على القماش”.
وباستخدام طلاء أكريليك وفرش إسفنجية وأقلام نوع “شاربي” (Sharpie) جلس سركيس على طاولة غرفة الطعام في منزله المستأجر وبدأ في رسم صور للرأس والكتف للاعبي الدوري الأميركي للمحترفين الذين اختارهم بعناية.
ويقول سركيس -الذي يصف أسلوبه كخليط بين أسلوبي كيث هارينغ وجين ديبوفي- إن تلك اللوحات ضمت لاتريل سبريويل “لأنه كان من أوائل الذين صففوا شعرهم بطريقة المجدل الذي يتدلى على ظهره”، ودينيس رودمان “لأنه كان رائعا في الكثير من رسومات الوشوم”.
وقد نشر بعضا من أعماله المبكرة على إنستغرام، وتفاجأ وفرح باكتشاف أن هناك اهتماما في احتمالية امتلاك عمل أصلي من سركيس.
قال سركيس “لقد طُلب مني لاعبون مثل بن والاس وستيف ناش وألين إيفرسون، لقد تضخم الأمر بسرعة مثل كرة ثلج”، وأشار إلى أنه باع حتى الآن أكثر من 100 لوحة.
لكن إرادة الناس أجبرته على تقليص حجم اللوحة (من 32×32 إلى 8×11 بوصة) وسعرها من 300 إلى 50 دولارا، ومع ذلك، قال سركيس “لقد جنيت بالتأكيد أموالا أكثر مما استثمرته”، مضيفا “إنني أفهم عملية التسعير والنفقات”.
وهناك الكثير مما يمكن قوله عن وجود عائلة متسامحة، حيث قالت إيسلر -التي وجدت في والدتها دينيس مساعدة مخلصة وقادرة على صبغ ربطات العنق- “لقد تسببت في إحداث فوضى في جميع أنحاء المنزل بالتأكيد”. وأضافت “فنحن نرتدي ملابس قديمة ثم نقوم بتشغيل الموسيقى ونخرج للعمل في باحة المنزل”.
وعندما بدأت تيفاني ريفير -وهي محامية متخصصة في المسؤولية القضائية عن المنتجات في واشنطن- في صنع الصابون كهواية خلال الوباء لجأت إلى زوجها ستيف المستشار في قطاع الأمن السيبراني للمساعدة في المطبخ للتعامل مع الزيوت الأساسية والمحاليل.
والآن، أصبح صابون تيفاني ريفر بروائح مثل اللافندر، والفانيليا، والأوكالبتوس متاحا عبر الإنترنت وفي عدد قليل من المتاجر في واشنطن وفرجينيا، وتأمل ريفر في الوصول لنقطة التعادل بين الأرباح والنفقات بحلول نهاية العام.
أما ماري دوك البالغة من العمر 14 عاما -وهي صانعة صابون أخرى- فقد استحوذت على غرفة الطعام في منزل والديها في إيستون بولاية كونيتيكت.
هذا هو المكان الذي تخزن فيه المكونات ومواد التعبئة، حيث تقوم لمدة تتراوح بين ساعتين إلى 5 ساعات في الأسبوع بصناعة الصابون وخليط السكر والمستحضرات ومرطبات الشفاة والتي تكوّن جميعها مجموعة تسمى “هاني باني سوبس آند ستاف” (Honey Bunny Soaps & Stuff)، والمنتج القادم سيكون الكريم الواقي من الشمس.
قالت دوك -التي تخطط للانتقال إلى طابق البدروم قريبا- “أنا جيدة جدا في التنظيم بعد الانتهاء مما أفعل”.
وفي غضون ذلك سيتم تناول الوجبات في المطبخ.
وأحيانا، الهواية التي صارت عملا ربحيا جانبيا تتحول إلى وظيفة، فعندما ضرب الفيروس العالم كان ديفيد أنجيلوف -وهو نجار- حريصا على إيجاد هواية “لا علاقة لها بالآخرين” كما يقول.
فوالدته بستانية ماهرة ومتفانية، ومع أخذ النموذج الذي قدمته في الاعتبار قرر أنجيلوف البالغ من العمر 24 عاما البدء في إزالة أغصان الكروم وتنظيف المنطقة المحيطة بمنزله الحديث والمكون من 3 غرف نوم والذي يتقاسمه مع والده في سوامبسكوت بولاية ماساشوستس.
وقال “لدي احترام للطبيعة ولكيف أنها كانت موجودة هنا قبلنا بوقت طويل”.
وأدى أمر إلى آخر، فقد بدأ أنجيلوف البحث عن النباتات في منطقته وعن تقنيات الحفاظ عل الشجيرات، إذ قام ببناء مسطبة مرتفعة وزراعة خضروات، ونقل إليها السماد المتحلل لتحسين التربة، وشذب أغصان اللبلاب والنباتات شائكة الأطراف، ونشر بذور الأزهار البرية، وكل ذلك تم بشكل جيد.
وقال أنجيلوف “لقد جعلني هذا أدرك أنه يمكنني جني المال من هذا”، فوضع خطة عمل لشركته “بلانت بارنتهود” (PlantParenthood) في الشتاء الماضي، والآن يرعى 12 بستانا في الأسبوع، ويكمل وقته ببعض أعمال المرة الواحدة، وأشار إلى أن زيادة العمل بطيئة “لكن البستنة تثبت أنها مربحة أكثر من النجارة”.
© مؤسسة نيويورك تايمز 2021
نقلتها للعربية صفحة ريادة-الجزيرة نت
المصدر : نيويورك تايمز