الموت العظيم هو أكبر أحداث الانقراض العظيم الذي شهدته الأرض عبر تاريخها، وقد وقع قبل 251.9 مليون سنة في الفترة بين العصرين الجيولوجيين البرمي والثلاثي، وقضى على نحو 96% من كل أنواع الأحياء البحرية، وأدى إلى انقراض نحو 70% من كل أنواع الفقاريات الأرضية.
كما يُعد هذا الانقراض هو الانقراض الجماعي الوحيد المعروف للحشرات، إذ انقرضت نحو 57% من كل العائلات، و83% من جميع الأجناس، وقد استغرق الأمر وقتا طويلا لعودة الحياة مرة أخرى على الأرض مقارنة بحالات الانقراض الأخرى.
تغيرات مناخية كان لدى العلماء اعتقاد بأن حدوث الموت العظيم مرتبط بحدوث تغيرات دراماتيكية في المناخ يرجع سببها إلى نشاط بركاني هائل حدث في حقل ضخم من الحمم البركانية يسمى مقاطعة مصائد سيبيريا النارية الكبيرة (STLIP) (Siberian Traps Large Igneous Province)، لكن آلية حدوث ذلك كانت لا تزال غير محددة وبلا دليل قاطع.
والآن يعمل فريق دولي من العلماء على فهم سبب وكيفية تطور أحداث الموت العظيم من خلال التركيز على الزئبق من البراكين السيبيرية التي انتهى بها المطاف في الرواسب في أستراليا وجنوب أفريقيا، ونشر الفريق نتائج البحث في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” (Nature Communications).
وعلى الرغم من حدوث الموت العظيم منذ أكثر من 250 مليون عام، فإن هناك أوجه تشابه مع التغيرات المناخية الرئيسية التي تحدث اليوم، كما توضح تريسي فرانك، الأستاذة ورئيسة قسم علوم الأرض بجامعة “كونيكتيكت” (University of Connecticut)، في البيان الصحفي الذي نشرته الجامعة يوم 26 يناير/كانون الثاني الماضي.
وتقول تريسي فرانك إن “فهم ما حدث في الماضي له صلة بفهم ما قد يحدث على الأرض في المستقبل. والسبب الرئيسي لتغير المناخ مرتبط بضخ كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في وقت قريب من الانقراض، مما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة بسرعة”.
نشاط بركاني هائل حدث في مقاطعة مصائد سيبيريا النارية الكبيرة أدى لانقراض جماعي (شترستوك) الزئبق دليل قاطع يذكر البيان الصحفي أن البراكين تترك أدلة مفيدة في السجل الجيولوجي، ومع تدفق الحمم البركانية كانت هناك أيضا كمية هائلة من الغازات المنبعثة، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، جنبا إلى جنب مع الجسيمات والمعادن الثقيلة التي تم إطلاقها في الغلاف الجوي وترسبت في جميع أنحاء العالم.
بيد أنه، بحسب ما قالت تريسي فرانك، “من الصعب ربط شيء من هذا القبيل بشكل مباشر بحدث الانقراض، ولكن بوصفنا جيولوجيين، نحن نبحث عن دليل من نوع ما -دليل قاطع- حتى نتمكن من الإشارة إلى السبب”.
اعتمد العلماء في بحثهم على تحليل وجود الزئبق -أحد المعادن الثقيلة المرتبطة بالانفجارات البركانية- في البيئات البحرية بشكل خاص، إذ إن هذه البيئات هي الأقدر على حفظ السجل الجيولوجي، وذلك لأن الرواسب يتم دفنها بشكل أسرع يساعد على حفظها وحمايتها، ومن ثم تتوفر بيانات أكثر دقة عن الانقراض وكيف انتشر في المحيطات، على عكس الأرض التي من الصعب العثور على مثل هذه السجلات محفوظة جيدا بها خاصة من هذه الفترة الزمنية البعيدة.
يشير البيان الصحفي إلى أن ولاية كونيتيكت كانت ضمن المناطق التي درستها تريسي فرانك، فالولاية غنية بالصخور المتحولة التي يبلغ عمرها 400-500 مليون عام على السطح أو بالقرب منه، مع غطاء من الرواسب الجليدية يعود تاريخه إلى حوالي 23 ألف عام، وتقول فرانك “هناك فجوة كبيرة في السجل هنا. يجب أن تكون محظوظا لتجد السجلات الأرضية محفوظة، ولهذا السبب لم تتم دراستها جيدا”.
لا تحتوي جميع التضاريس حول العالم على مثل هذه الفجوات الهائلة في السجل الجيولوجي، وقد ركزت الدراسات السابقة لحدث الموت العظيم بشكل أساسي على المواقع الموجودة في نصف الكرة الشمالي، ومع ذلك فإن حوض سيدني في شرق أستراليا وحوض كارو في جنوب أفريقيا هما منطقتان في نصف الكرة الجنوبي ولديهما سجل ممتاز للحدث، وهما منطقتان درستهما فرانك بالتعاون مع كريستوفر فيلدينغ (الأستاذ بالقسم نفسه) سابقا.
لا تحتوي جميع التضاريس حول العالم على مثل هذه الفجوات الهائلة في السجل الجيولوجي (مواقع إلكترونية) نظائر الزئبق في حدث ممتد ومتراكم قام الزميل والمؤلف المشارك جون شين من مختبر الدولة الرئيسي للعمليات الجيولوجية والموارد المعدنية في جامعة الصين لعلوم الأرض (China University of Geosciences) بالتواصل مع فرانك وفيلدينغ وغيرهما من المشاركين للحصول على عينات، على أمل تحليلها بحثا عن نظائر الزئبق، وقد كان قادرا بالفعل على تحليل نظائر الزئبق في العينات وربط جميع البيانات معا.
تقول تريسي فرانك “اتضح أن انبعاثات الزئبق البركانية لها تركيبة نظيرية محددة للغاية من الزئبق تراكمت عند أفق الانقراض. وبمعرفة عمر هذه الرواسب، يمكننا بشكل قاطع ربط توقيت الانقراض بهذا الانفجار الهائل في سيبيريا. الأمر المختلف في هذا البحث هو أننا لم ننظر إلى الزئبق فحسب، بل نظرنا أيضا إلى تركيبه النظيري من عينات في خطوط العرض الجنوبية العليا، وكلاهما لأول مرة”.
من جهته يشير فيلدينغ إلى أن تحديد الوقت بهذا الشكل هو ما كان يحاول العلماء الوصول إليه منذ مدة، وكلما زادت المعلومات لديهم، زاد الأمر تعقيدا، ويوضح “كنقطة انطلاق، حدد الجيولوجيون توقيت حدث الانقراض الرئيسي عند 251.9 مليون سنة بدرجة عالية من الدقة عن طريق التأريخ بالنظائر المشعة. ويعرف الباحثون أنه عندما حدث الانقراض الرئيسي في البيئة البحرية، كان من المفترض أن حدث الانقراض الأرضي حدث في الوقت نفسه”، غير أن تريسي وفيلدينغ وجدا في بحث سابق أن حدث الانقراض على الأرض حدث قبل 200 ألف إلى 600 ألف عام.
ويضيف فيلدينغ أن “هذا يشير إلى أن الحدث نفسه لم يكن مجرد ضربة واحدة كبيرة حدثت على الفور. فقد استغرق تطور الأمر بعض الوقت، وهذا يتوافق جيدا مع النتائج الجديدة، لأنه يشير إلى أن البراكين كانت السبب الجذري. هذا فقط التأثير الأول للأزمة الحيوية التي حدثت على الأرض، وحدثت في وقت مبكر. وقد استغرق الأمر وقتا ليتم نقله إلى المحيطات. الحدث الذي وقع قبل 251.9 مليون سنة كان نقطة التحول الرئيسية في الظروف البيئية في المحيط التي تدهورت بمرور الوقت”.
الزنبق الفطري نوع منقرض من زنابق البحر كان أقل وفرة بعد حدث الموت العظيم (مواقع إلكترونية) جهد مشترك يذكر أن محاولات إعادة بناء الأحداث هذه تستلزم تعاون الباحثين والعلماء من تخصصات علمية مختلفة، من علم الرواسب، والكيمياء الجيولوجية، وعلم الأحافير، وعلم الزمن الجيولوجي، حسب ما أفادت تريسي فرانك.
وتقول إن “هذا النوع من العمل يتطلب الكثير من التعاون. بدأ كل شيء بالعمل الميداني عندما ذهبت مجموعة منا إلى أستراليا، حيث درسنا الأقسام الطبقية التي تحافظ على الفترة الزمنية المعنية. النقطة الرئيسية هي أن لدينا الآن توقيعا كيميائيا في شكل توقيعات نظائر الزئبق، والتي تربط بشكل قاطع أفق الانقراض في هذه الأقسام الأرضية التي توفر سجلا لما كان يحدث على الأرض بسبب براكين الفخاخ السيبيرية”.