المغرب.. حكومة مؤيدة بأغلبية برلمانية مقابل معارضة مشتتة
يقول المراقبون إن التحالف الحكومي الجديد يشكل خاصية غير مسبوقة في تاريخ المغرب، ومن شأنها تحقيق تجانس بين الحكومة والمجالس المنتخبة خلال الأعوام القادمة، مقابل معارضة مشتتة أمامها مهمة صعبة في البرلمان.
الرباط- مع نجاح رئيس الحكومة المغربية الجديد، عزيز أخنوش، بتشكيلها من تحالف ثلاثي مدعوم بأغلبية واسعة في مجلس النواب، يعتقد مراقبون ومحللون أن المغربيين على موعد مع حكومة قوية ومستقرة، وفي الوقت نفسه، مريحة للقصر الملكي.
وتضم الأغلبية الحكومية، التي أعلنها أخنوش اليوم الأربعاء، أحزاب التجمع الوطني للأحرار (قائد التحالف) الذي يحظى بـ102 مقعد في البرلمان، وحزب الأصالة والمعاصرة بـ86 مقعدا، والاستقلال بـ81 مقعدا.
وبهذا، يتوفر للتحالف الحكومي 269 مقعدا في مجلس النواب المغربي، من مجموع 395 مقعدا.
وكان الملك محمد السادس قد عيّن عزيز أخنوش رئيسا للحكومة في العاشر من سبتمبر/أيلول الجاري، وكلفه بتشكيلها بعد تصدر حزبه (تجمع الأحرار) الانتخابات.
وقال أخنوش -خلال إعلانه الائتلاف الحكومي- إن الأحزاب الثلاثة نجحت بغالبية كبيرة في إقناع الناخبين، كما عبرت عن ذلك صناديق الاقتراع، كما أن برامجها الانتخابية تتقاطع وستشكل أرضية لبرنامج حكومي قوي وقابل للتطبيق.
تنسيق حكومي ومحلي
ولم يخالف التحالف المعلن التوقعات، إذ ظهرت ملامحه الأسبوع المنصرم خلال أطوار انتخاب رؤساء وأعضاء المجالس، إذ جرى اتفاق بين الأحزاب الثلاثة الأولى المتصدرة للانتخابات على التنسيق لتكوين الأغلبية داخل المجالس المنتخبة، ووزعت بينها رئاسة مجالس المدن والأقاليم والمحافظات.
ودعت الأحزاب الثلاثة -في بلاغ مشترك- منتخبيها إلى “ضرورة الالتزام بهذا التوجه والتقيد بالقرار الذي تبنته القيادات الحزبية، في حدود من الانفتاح على باقي المكونات السياسية الأخرى”.
اصطفافات
واشترط حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يشارك لأول مرة في الحكومة منذ تأسيسه قبل 10 سنوات، أن تكون مشاركته فعلية وحقيقية تراعي حجمه السياسي ومكانته بوصفه قوة فكرية وسياسية.
بدوره، فوّض المجلس الوطني لحزب الاستقلال -الذي جلس بصفوف المعارضة في الولاية المنتهية- أمينه العام بتدبير المفاوضات بمعية اللجنة التنفيذية للحزب بما يضمن مشاركة وازنة على قاعدة قوته السياسية والانتخابية والالتزام ببرنامجه الانتخابي.
وخرج حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية -الذي حل رابعا في الانتخابات- خاوي الوفاض، بعدما توقع أن يكون جزءا من الائتلاف الحكومي.
وبعث الحزب -ورمزه الوردة- في الأيام الأخيرة بإشارات مبديا استعداده للمشاركة في الحكومة في حال تلقيه عرضا مقبولا، وهو العرض الذي لم يصله، ليعلن ليلة أمس الثلاثاء اصطفافه في المعارضة.
مفارقات
وسجل محللون سياسيون عددا من المفارقات التي طبعت تشكيل التحالف الحكومي الجديد، أهمها استبعاد التكتل الذي استعان به رئيس التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش في مفاوضاته مع عبد الإله بنكيران خلال تشكيل الحكومة الثانية التي قادها الإسلاميون، مقابل دخول حزبين كانا في المعارضة.
وكان أخنوش قد شكل -عقب إعلان نتائج انتخابات 2016- تكتلا مع أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية، لفرض دخول جماعي إلى الحكومة مقابل استبعاد الاستقلال منها. وهو ما رفضه بنكيران حينها، مما تسبب في حدوث حالة من الجمود السياسي استمرت 5 أشهر وانتهت بإعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة وتعيين سعد الدين العثماني خلفا له، ودخول التكتل الرباعي للحكومة.
أغلبية مستقرة ومريحة
ومع التحالف الثلاثي الجديد، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة فاس إسماعيل حمودي -في حديث للجزيرة نت- أن الأغلبية الحكومية المكونة من 3 أحزاب ستؤسس لحكومة مستقرة ومريحة للقصر، وأيضا قوية من الناحية العددية.
لكنه قال إنها “من جانب آخر، ستظل ملاحقة بالفساد الانتخابي الكبير الذي عرفته انتخابات الثامن من سبتمبر/أيلول وبهيمنة المال والأعيان”.
أما أستاذ القانون بجامعة الدار البيضاء عمر الشرقاوي، فاعتبر تشكيل الحكومة من 3 أحزاب “مؤشرا إيجابيا”، لافتا -في حديثه للجزيرة نت- إلى أنه “منذ حكومة التناوب التي قادها الراحل عبد الرحمن اليوسفي لم يشهد المغرب ائتلافا حكوميا مصغرا. معتبرا أن هذا التحالف سينعكس على الفعالية والنجاعة في الأداء”.
وأوضح الشرقاوي أن تحالف الأحزاب الثلاثة في الحكومة وفي المجالس المنتخبة بالمدن والأقاليم والجهات “خاصية لم تحدث في تاريخ المغرب، ومن شأنها تحقيق تجانس بين المركز والمجالس المنتخبة”، مبينا أن هذا التجانس “سيحول دون اختباء الأغلبية الحكومية خلف أي مبررات لتبرير عدم النجاح”.
معارضة مشتتة
وبينما أعلنت الأحزاب الثلاثة الأولى التي تصدرت نتائج الانتخابات الدخول في ائتلاف حكومي، بقي للأحزاب الأخرى (124 مقعدا) في المعارضة.
ووجدت ما يطلق عليها اسم “الأحزاب الإدارية” -التي اعتادت المشاركة في الحكومات- نفسها في موقع المعارضة، بعد عدم تلقيها أي عرض للدخول في التحالف الحكومي.
وكان حزب التقدم والاشتراكية (21 مقعدا) قد أعلن مع انطلاق المشاورات الأولية أنه سيصطف في المعارضة، كما أعلن حزب العدالة والتنمية (13 مقعدا) وفدرالية اليسار (مقعد واحد) اصطفافهما في المعارضة منذ ظهور نتائج الانتخابات.
ويرى أستاذ القانون، الشرقاوي، أن المعارضة في السنوات المقبلة ستكون مشتتة كونها تضم أحزابا من اليمين واليسار؛ إسلامية وعلمانية، وطنية وإدارية.
وبنظره، سيصعّب هذا الخليط من تجانس المعارضة، لكنه يرجح أن تتأسس على 3 قوى سياسية، هي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية، لافتا إلى أن هذه الأحزاب ستجري قريبا مؤتمراتها وستغير قياداتها، مما قد ينعكس على أدائها السياسي.
لكن إسماعيل حمودي، يعتقد أن المعارضة “المشتتة” سيصعب عليها القيام بأدوارها، لأن مرشحي معظم الأحزاب الذين وصلوا للبرلمان ينتمون لفئة الأعيان، وليسوا سياسيين متمرسين.
وخلص إلى أن الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي سيقومان بدور المعارضة في السنوات الخمس المقبلة، وليس الأحزاب الموجودة في البرلمان.
المصدر : الجزيرة