مقالات

المستشار الدكتور/ بابكر بكري حسن يكتب :المحامين .. وجزاء سنمار!

المحامين .. وجزاء سنمار!

المستشار الدكتور/ بابكر بكري حسن

ظلت مهنة المحاماة في السودان تقدم الكثير للوطن ولأبنائه على مر الدهور و الأزمان، وكانوا في مقدمة المناضلين من أجل إستقلال السودان، والرافضين للدكتاتوريات التي حكمت السودان على مر العصور، هذا فضلاً عن نصرتهم للغلابة و المظلومين في كافة أنحاء البلاد .
وكثيراً ما نجد المحامين يتطوعون لتمثيل أبناء هذا البلد وأهله في قضايا الرأي العام، أو يتطوع بعضهم للدفاع عن المواطن البسيط الذي لا يملك سداد (الأتعاب) ، فيقومون بذلك طواعية وإختياراً وعن طيب خاطر، ولا يرجون من وراء ذلك جزاءاً ولا شكورا .. وهم أول من زرع بذرة المسؤولية المجتمعية بمثل هذه التصرفات التي أصبحت الآن من علامات المجتمع المتحضر .. وبعد كل هذا ماذا كان جزاء المحامين السودانيين؟؟؟.
وبماذا كافأتهم نقابتهم على هذه الأعمال الجليلة؟.
جزاء المحامين السودانيين عن أعمالهم سالفة الذكر كان مطابقاً لقصة جزاء سنمار التي يعرفها العديد من أهل السودان .
والمأساة بدأت عندما أعلنت نقابة المحامين في عهد النقيب الراحل فتحي خليل عن مشروع مزرعة لكل محامي، وتسابق الجميع نحو التسجيل أملاً في أن تكون هذه المزارع ملاذهم الآمن بعد التقاعد وكبر السن، فتكون هي الدوحة التي يستريحون فيها من رهق العمل والسنين، وتدافع الراغبين من داخل وخارج السودان للحصول على هذه المزارع التي أعلنت عنها النقابة، ثم طلبت منهم سداد الرسوم بحيث تكون لكل محامي مزرعة مساحتها 5 أفدنة، وكانت قيمة الرسوم وقتها تعادل قيمة هذه الخمسة أفدنة وأكثر في حال شرائها من السوق، ولكن رغبة المحامين في أن تكون مزارعهم في مكان واحد، وأملا في تكوين شراكات ذكية مع جهات الاختصاص من مختلف المجالات، جعلتهم يقبلون أن يكونوا تحت مظلة واحدة و في مكان واحد، بحث تجتمع كل مجموعة حسب إهتمامها .
مثلا مجموعة ممن يرغبون في زراعة البستنة، ومجموعة في مجال الحبوب و البقوليات، ومجموعة للخضار، ومجموعة تربية الطيور أو الزهور وهكذا، وسارت الإجراءات الإدارية في تصديق هذه الأراضي من جهات الاختصاص حتى أعلنت النقابة للمحامين بأنها نجحت في التصديق للمستحقين بمزارع في منطقة “كليوات” جوار سجن الهدى بأم درمان، وقامت النقابة بتسيير رحلة بعدد من البصات السفرية الفاخرة وأوقفت المحامين على موقع مزارعهم على الطبيعة، وبعدها أعلن مندوب النقابة أن الأرض ستسجل باسم النقابة، ضارباً بحقوق المحامين المكتسبة عرض الحائط، وعلل ذلك بأنهم قاموا بالاتفاق مع شركات زراعية كبيرة لإستثمار الأرض لفائدة المحامين، ورغم إعتراض المحامين على هذه النقطة، إلا أن النقابة لم تعير هذه الإعتراضات أي إهتمام، وظل أصحاب الحق يلاحقون النقابة بالاعتراضات وطلباتهم بتسليمهم شهادات البحث باسمهم لأن النقابة قدمت الأرض بأسماء المحامين الذين تقدموا بطلباتهم وسددوا رسوم الأرض، بل وأصدرت كشفاُ باسم المستحقين الذين بلغ عددهم (1200 مستحق)، وبعملية رياضية بسيطة يتضح لنا أن الأرض التي صدقت للمحامين هي مساحة سته ألف فدان، في أجود وأخصب أراضي أم درمان، وظلت المطالبات من المحامين، والمماطلات من النقابة الى أن أعلنت النقابة أن الأرض تم نزعها لعدم استثمارها !.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو: كيف يستثمر المحامين الأرض و هم لم يستلموها ولم تمكنهم النقابة من إستلامها فعليا وتسلمهم شهادات بحثها ؟.
ولماذا لم تستثمرها النقابة التي إدعت أنها إتفقت مع شركات على الاستثمار؟.
في مرحلة لاحقة أعلنت النقابة أنه تم تعويضها بأرض أخرى في منطقة أخرى، وإتضح بعد ذلك أن الأرض التي سبق تصديقها للمحامين خصصت لمستثمرين أجانب، وعندما كرر المحامين المطالبة بتسليمهم أراضيهم أفادهم النقيب الذي كان على رأس النقابة وقتها بأنه لن يسلم المحامين الأراضي الزراعية حتى لا يبيعوها للسماسرة، وكأنما المحامين الذين أوصلوه الى كرسي قيادة النقابة هم أطفال لا يحسنون إدارة أموالهم الخاصة التي دفعوها قيمة لهذه الأراضي، لتتعرض الأرض للمصادرة للمرة الثانية و الثالثة لعدم الاستثمار وتعنت النقابة في سوء استعمال السلطة، بل يمكن أن يوصف ذلك بالاحتيال لتملك حقوق الغير، حيث لم تدفع النقابة جنيهاً واحداً من قيمة هذه الأراضي، ورغم ذلك عملت على وضع يدها عليها لتملكها وحرمان أصحابها ودافعي قيمتها من جيوبهم وعرق جبينهم منها، وظل المحامين في مطاردة حقهم في هذه الأرض حتى مات بعضهم ألماً وحسرة على ما ضاع من أحلام وآمال وأموال بسبب النقابة التي آذتهم بدلاً من حمايتهم.
بعد قيام الثورة وتعيين لجنة تسيير النقابة، إستبشر المحامين خيراً بأن لجنة التسيير سترد لهم حقوقهم المسلوبة، ولكن تفاجأوا بتجاهل لجنة التسيير لقضيتهم، وعدم التعامل مع مندوبي اللجنة الخاصة بالمحامين أصحاب الأراضي، وسارت في نفس طريق النقابات السابقة في العهد البائد، حيث رفضت لجنة التسيير التي يفترض انها أحد أذرع الثورة و الثوار ، رفضت حتى نشر كشف المستحقين للأراضي الزراعية من المحامين و المستشارين القانونيين العاملين بالخارج، وطلبت لجنة المحامين أصحاب الأراضي مقابلة والي الخرطوم لشرح أبعاد القضية وظرفها، ولكنه سار في نفس درب النقابة ورفض لقاء لجنة المحامين دون أي سبب مقنع.
عليه، وحيث أن جميع طرق الحلول الودية والإدارية قد أغلقت في وجه من دفع ماله، وبنى حلمه وآماله على أرضه الزراعية التي صدقت بإسمه وسلبت لتملك لمستثمرين أجانب بسبب تماطل النقابة في تسليمهم الأرض لاستثمارها، وحيث أن المحامين هم من يعيدون الحقوق المسلوبة لأصحابها، رأت مجموعة المحامين أصحاب الأراضي أن تصعد الأمر الى أعلى الجهات، وأن تقاتل في كافة الجهات و السبل من أجل إستعادة هذا الحق المسلوب، سواء أن كان ذلك بقرارات سياسية أو سيادية، أو حتى اذا كان ذلك برفع دعوى قضائية أمام القضاء السوداني وتختصم فيها كل من شارك في سلب هذا الحق، وستتابع أمر الدعوى في كافة درجات القضاء، أو تقوم بتدويلها إذا اقتضى الأمر بعرضها على الجهات والمنظمات الدولية، والأيام القليلة القادمة ستبين لنا أن الحق أبلج، وأن الصبح أسفر …وأن النصر للمحامين حماة الحق و العدل.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى