الأخبارالشرق الأوسط

القصة الكاملة لوادي بنجشير والصراع مع طالبان

القصة الكاملة لوادي بنجشير والصراع مع طالبان

من غير المتوقع أن تكون مهمة طالبان بالسيطرة على بنجشير سهلة، فقد عجزت سابقا عن السيطرة على الوادي في معاركها السابقة مع أحمد شاه مسعود. كما استعصى على القوات السوفياتية على مدى 10 سنوات بحكم طبيعته الجغرافية الصعبة.

فضل الهادي وزين

كابل : العهد اونلاين

بنجشير، كلمة فارسية وتعني “الأسود الخمسة” وهي اسم واد محاط بجبال “هندكوش” الشهيرة، ويقع الوادي على بعد (120 كلم) شمال العاصمة كابل. وكان مديرية تابعة لولاية بروان في التقسيم الإداري، وتمت ترقيتها إلى ولاية في عهد الرئيس السابق حامد كرزاي، فأصبحت الولاية رقم 34 في أفغانستان.

وكان هذا الوادي أحد أقوى معاقل المجاهدين أثناء الغزو السوفياتي، وكان القائد أحمد شاه مسعود (أسد بنجشير) أشهر قادة الجمعية الإسلامية بقيادة البروفيسور برهان الدين رباني، يتخذ من بنجشير مركزا له، فارتبط اسمه باسم هذا الوادي.

وبرز دور بنجشير وقائده مسعود عندما سيطر المجاهدون على كابل، بعد سقوط النظام الشيوعي الموالي للاتحاد السوفياتي عام 1992، حيث تمكن مسعود بالتعاون مع عناصر من داخل حكومة نجيب الله الشيوعية، مثل الجنرال عبد الرشيد دستم من السيطرة على كابل، إثر معارك مع قوات الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، والتي وجدت عونا من عناصر جناح آخر داخل حكومة نجيب الله. وعين مسعود وزيرا للدفاع بحكومة المجاهدين، وتولت شخصيات موالية له في بنجشير مناصب حكومية مهمة بحكومة رباني.

الصدام الأول

ظهرت طالبان عام 1994 وتقدمت سريعا على الأرض إلى أن وصلت أبواب كابل، التي كانت تحت سيطرة مسعود، أوائل عام 1996، وبعد فشل المحادثات المباشرة بينهما في مدينة “ميدان شهر” نشب القتال بين حكومة المجاهدين، بقيادة مسعود، وحركة طالبان، أدت في النهاية إلى سيطرة الحركة على كابل أواخر العام نفسه، وأعلنت حكومتها باسم “إمارة أفغانستان الإسلامية” وسمت الملا محمد عمر أميرا للمؤمنين.

اغتيال مسعود والغزو الأميركي

بعد سقوط كابل بأيدي طالبان عام 1996، انتقل مسعود بقواته إلى بنجشير، وأسس تحالف الجبهة الإسلامية المتحدة “تحالف الشمال” مع الأحزاب والجهات المناوئة لحكومة طالبان، وتصدى بقواته لمقاتلي الحركة الذين لم يتمكنوا من السيطرة على وادي بنجشير ومناطق قريبة منه، مثل “وادي شمالي” بالقرب من كابل، إلى أن وقع اغتيال مسعود في 9 سبتمبر/أيلول 2001، على يد عنصرين من تنظيم القاعدة، أي قبل يومين من هجوم 11 سبتمبر/ بالولايات المتحدة، والذي قاد إلى غزو واشنطن لأفغانستان وإنهاء حكم طالبان في نوفمبر/تشرين الثاني 2001.

بعد الاحتلال الأميركي

استعانت الولايات المتحدة بمقاتلي تحالف الشمال في حربها ضد طالبان وإسقاط حكومتها، على قاعدة “عدو عدوي صديقي” ودخل مقاتلو بنجشير وتحالف الشمال كابل، وبعد مؤتمر بون الذي عقد في ألمانيا، وتشكيل حكومة كرزاي أصبح لهم نصيب الأسد من الحقائب الوزارية والمناصب الحكومية المهمة بالقطاع المدني والجيش والشرطة والاستخبارات.

دستور جمهورية أفغانستان الإسلامية الذي أقر عام 2001 من قبل “لويا جيرغا” أي المجلس الوطني الكبير، نص على تسمية مسعود “بطلا وطنيا” وتولى المشير محمد قسيم فهيم “خليفة مسعود” وزيرا للدفاع ونائبا لرئيس الجمهورية، وأحمد ضياء مسعود (الأخ الشقيق لمسعود) نائب رئيس الجمهورية، وعين الدكتور عبد الله عبد الله (مساعد مسعود) وزيرا للخارجية.

كما عين محمد يونس قانوني، وهو شخصية مقربة أخرى لمسعود، وزيرا للداخلية، وفيما بعد وزيرا للمعارف ولاحقا نائبا لرئيس الجمهورية إثر وفاة المشير فهيم، والمهندس محمد عارف ومن بعده أمر الله صالح، وكلاهما من بنجشير، رئيسيْن لجهاز الإستخبارات بحكومة كرزاي.

كما تولى شخصيات أخرى من منطقة بنجشير مناصب مهمة بحكومة الرئيس المنصرف أشرف غني الأولى والثانية، مثل وزير الداخلية ثم الدفاع الجنرال بسم الله خان محمدي وزيرا للداخلية ثم الدفاع، وأمر الله صالح نائب رئيس الجمهورية، والجنرال تاج محمد جاهد والمهندس ويس برمك، وقد تولى كل منهما الداخلية.

وقد حاول الرئيس المنصرف تقليل دور المجاهدين بشكل عام، ودور الشخصيات الجهادية من بنجشير في النظام السياسي بالعموم، والمناصب بشكل خاص، ولكنه لم ينجح، نظرا لأهمية ونفوذ أهالي بنجشير في مفاصل الدولة وأجهزتها.

عودة طالبان وممانعة بنجشير

هذه الخلفية التاريخية مهمة لفهم ثقل وادي بنجشير ودور رموزه القيادية بالأحداث التي تلت سيطرة المجاهدين على البلاد عام 1992، وإلى اليوم. بعد سيطرة طالبان على كافة الأراضي، وسقوط كابل بأيديها للمرة الثانية في 15 أغسطس/آب الماضي.

وقد بقي الوادي الولاية الوحيدة خارج سيطرة طالبان، وبات مركزا لتجمع كثير من كبار المسؤولين بالحكومة السابقة، من وزراء وجنرالات في الجيش والأمن ومحافظي بعض الولايات، بمن فيهم أمر الله صالح، كما نقل إلى بنجشير عدد من المروحيات ودبابات ومصفحات الجيش، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الذخائر والمعدات العسكرية.

أمر الله صالح وأهل الوادي

أصدر أمر الله صالح، المعروف بعلاقته الوثيقة مع واشنطن وجهاز استخباراتها المركزي، بعد يومين من فرار الرئيس غني وسقوط كابل، بيانا من بنجشير أعلن نفسه رئيسا شرعيا للبلاد، بحكم توليه منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، وأكد أنه لن يستسلم لطالبان وسيقاتل من سماهم “الإرهابيين”.

قوبل هذا الموقف بالرفض والاستنكار من قبل غالبية أهالي بنجشير، وفي مقدمتهم علماء الشريعة والقادة المخضرمون للمجاهدين الذين أبدوا رغبتهم في التفاهم والمصالحة مع طالبان، وقد وافقهم أحمد نجل القائد مسعود على ذلك، وهو الذي يحظى باحترام أهالي الوادي، وبرز كقائد وزعيم في الولاية، لكونه الابن الوحيد لـ “أسد بنجشير”.

فشل أمر الله صالح في إشعال فتيل الحرب من بنجشير ضد طالبان، وذلك لأسباب عدة، منها أنه ليست له شعبية بأوساط العلماء والمجاهدين السابقين في الوادي لكونه متهما بأنه وراء موجة اغتيالات ممنهجة لكبار العلماء والدعاة، وبعض الشخصيات من الناشطين في مجال المصالحة مع طالبان، ومعارضي الاحتلال الأميركي.

ويتداول أبناء بنجشير أنباء عن منع أمر الله صالح من إصدار البيانات والإدلاء بتصريحات للإعلام من داخل الوادي، نظرا لحساسية المنطقة والخلفيات السابقة، لذلك لم تحاول طالبان اقتحام الوادي، فبقيت هي الولاية الوحيدة الخارجة عن سيطرة الحركة.

وقد أصدر المسؤولون في طالبان وأيضا الشاب مسعود بيانات أظهروا فيها الرغبة لحل مشكلة بنجشير وانضمامها للدولة المركزية، مع أخذ كل طرف الاحتياطات والاستعدادات العسكرية لحرب محتملة.

جوهر الخلاف

ويكمن جوهر الخلاف بين الطرفين في أن طالبان تطلب من مسعود الابن وأهالي بنجشير الانضمام، ولا يستخدمون مصطلح الاستسلام، إلى الدولة المركزية، على غرار بقية الولايات، بدون قيد أو شرط، وقبول الوالي المعين من قبل الحركة، وهو من سكان بنجشير.

في حين يعتبر أحمد مسعود وأهالي بنجشير ذلك استسلاما، ويشترطون لانضمام الولاية إلى الحكم المركزي: التفاهم والتوافق أولا على نظام الحكم القادم، بحيث يكون غير مركزي. كما يطالبون بمراعاة التوازن والتنوع العرقي والجغرافي في تشكيلة الحكومة المقبلة.

وقد عقدت بالفعل جولات من المباحثات بين الطرفين في مدينة “تشاريكار” عاصمة ولاية بروان، بوساطة من العلماء والوجهاء، ولكن لم يتوصل الطرفان إلى حل للمشكلة.

وبعد فشل جهود التهدئة والمصالحة، هاجمت عناصر طالبان الوادي من عدة جهات، ونشبت معارك منذ يومين، وصفت بالشديدة، مع ما تسميه وسائل الإعلام “حركة المقاومة الوطنية” ويدعي كل طرف التقدم وإلحاق خسائر بشرية ومادية بالطرف الآخر.

ومن غير المتوقع أن تكون مهمة طالبان بالسيطرة على بنجشير سهلة، فقد استعصى على القوات السوفياتية على مدى 10 سنوات، بحكم طبيعته الجغرافية الصعبة، كما عجزت طالبان سابقا عن السيطرة على الوادي في معاركها السابقة مع القائد مسعود.

تجدد القتال.. لمصلحة من؟

ويرى مراقبون أن موقف طالبان بضرورة حسم الوضع في بنجشير وضم الولاية لسيطرتها، من جهة، ومطالب أهالي بنجشير وتخوفهم من المستقبل في ظل حكم طالبان، من جهة أخرى، يمكن التقريب بين الموقفين، إلا أن استعجال طالبان بالهجوم على بنجشير، وأيضا الموقف المتصلب لأحمد مسعود وأهالي الوادي، قد يقضي على فرص التفاهم.

كما أن تجدد القتال في منطقة حساسة مثل بنجشير، بخلفياتها التاريخية وتراكمات الماضي، يمكن أن يؤدي إلى خروج الأمر عن السيطرة، واشتعال فتيل الاضطرابات والمعارك في مناطق أخرى، وأن تتحول الأزمة من مشكلة واد وولاية إلى نزاع عرقي دام (نظرا لأن أهالي بنجشير من عرقية الطاجيك وطالبان من البشتون) وقد يفتح الباب على مصراعيه أمام المتربصين واللاعبين، على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، لخلط الأوراق والاصطياد في الماء العكر.

ويعد الوضع في بنجشير، بحسب المراقبين، رهنا بتطور الأوضاع على مدى الأسبوعين أو الثلاثة القادمة، فتمكن أهالي الوادي من الصمود لهذه المدة يمكن أن يفتح أمامهم الفرصة لدعم خارجي جوا، بحكم أن الولاية محاصرة من قبل طالبان من جميع الجهات، بخلاف الحال بمعركة بنجشير الأولى مع القائد مسعود حيث كانت مناطقه ممتدة إلى الحدود مع آسيا الوسطى.

لذلك يُعتقد على نطاق واسع أن قيادات مخضرمة مثل كرزاي، حكمتيار، رئيس المجلس الأعلى للمصالحة (عبد الله) يمكن أن تلعب دورا إيجابيا في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، إلى جانب دور مساند من دول ومنظمات إسلامية لتفعيل الوساطة لاحتواء الأزمة.

المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى