الأخبارالثقافيةالشرق الأوسط

الطريق ليس سهلا.. هكذا انتزعت عراقيات نصيبهن في عالم النشر

آية منصور

الطريق ليس سهلا.. هكذا انتزعت عراقيات نصيبهن في عالم النشر

بغداد- “تخيلوا، صدفة ذهابي لشارع المتنبي، من أجل شراء مجموعة كتب هو الذي غيّر حياتي للأبد، دخلت المكتبة وشممتُ عطر الصفحات، اخترت منها مجموعة وحينما عدت إلى المنزل، اكتشفت أني نسيتها في المكتبة…”.

بهذا الإحساس اللطيف تروي براء البياتي صاحبة دار براء للنشر والتوزيع، مصادفة القدر الذي جعل منها إنسانة ثانية كما تقول للجزيرة نت “فور رجوعي لاستعادة ما نسيت، تولد لدي ودون مقدمات شغف العيش بين الكتب، طلبت من أصحاب المكتبة، أن أعمل معهم بشكل تطوعي ودون أجر، فوافقوا وبذلك أصبحت أول امرأة تعمل في شارع المتنبي”.

ناشرات باحثات عن الأمل

ما بين رفوف المكتبات ودور النشر والترجمة، بدأت أحلام مجموعة من النساء لدخول عالم النشر الأدبي في العراق، ولم يكن الموضوع سهلاً بالطبع لاقتحام بيئة أدبية بقيت تحت سلطة الرجال فقط لسنين طويلة، لكن الطموح والجهد فتحا لهن بابا لتأسيس جيل نسوي يترأس دورًا للنشر وتوزيع الكتب بمختلف صنوفها.

المتطوعة التي افتتحت دارا

كانت مهمة براء التطوعية كما توضح للجزيرة نت هي شرح مضمون وأهمية الكتب للناس مع بيعها، وأيضا عرضها وتصويرها وكتابة التقييمات عنها، بقيت في المكتبة لأكثر من سنتين بشكل طوعي لأنها أساسا وبعد تخرجها لم تفكر بالعمل ضمن تخصصها وهو هندسة المواد، وكان حلمها دراسة الصحافة، وتزامنت أمنيتها مع الأوضاع الصعبة والحرب الطائفية عامي 2006-2007، فرفضت عائلتها فكرة الإعلام خوفا عليها، وكان المستهدف الأول وقتها هو الصحفي.

“لم أمارس العمل بشهادتي بعد تخرجي لأسباب كثيرة، منها أن عشرات الخريجين لا يملكون فرص عمل، ولأني لم أحب تخصصي، اعتبرت نفسي محظوظة بالعمل في المكتبة والذي يشبه حلمي بالصحافة فهو لا يبتعد عن دائرة الكتابة”، تقول براء.

افتتحت براء البياتي عام 2016 مكتبة ودار براء، وكان أول كتاب تقوم بطباعته “امرأة عربية تحب” للكاتبة داليا القيسي، علما أنها تطبع وتوزع مختلف صنوف الأدب، باستثناء كتب السياسة والدين، لأنها وكما تبين للجزيرة نت تعتبرها “تابوهات قد تشكل خطرا لها ولعائلتها”.

وتزيد “بعض الأدباء لا يفضلون طبع ونشر كتبهم أو التعاون مع امرأة ناشرة، وهذا نوع من النظرة الشمولية تجاه الأنثى واعتبارها غير قادرة على تولي بعض المهام الحصرية لهم -للرجال-، وهذا شيء غير صحيح، إننا نواجه صعوبات مضاعفة ونقدم نتائج متزنة”.

جائزة عالمية

ونالت البياتي جائزة “ماكس هيرمان” كأول امرأة في تاريخ العراق تفتح دار نشر، وكانت أول امرأة عربية تنال الجائزة، وبراء التي لم تكن تتخيل فوزها يوما، شعرت بالصدمة من عدم احتفاء الحكومة العراقية أو وسائل الإعلام بها.

تقول في حديثها للجزيرة نت “أنا أعرف أن الطريق شاق وصعب على المرأة وسيتم التعامل معها على أنها فريسة، وأن وجودها في مكان رجالي يمنحهم الحق بافتراسها، لكن دار براء اليوم تترجم العديد من الكتب التي تكون حقوقها حصرية للدار وطبعنا أكثر من 45 كتابا أدبيا وفلسفيا في أقل من 6 سنوات”.

ضريبة المنجز غالية

أما رقية صاحب، فبدأت الحلم مبكرا، حفزها لبدء الخطوات الشجاعة، وجود امرأة في شارع المتنبي وهي براء البياتي، كما تقول للجزيرة نت إنها كانت تتردد على شارع الكتب للشراء، وابتهجت بوجود سيدة قادرة على مواجهة الانتقادات والعمل وفق شغفها.

تتحدث رقية للجزيرة نت بمحبة كبيرة لعملها، وتقول صاحبة مؤسسة “منشورات الظل” إن أول من ساعدها كان زوجها وذلك عبر بيع الكتب عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تمكنت من افتتاح مكتبة في شارع المتنبي خلال عام 2015.

تقول رقية “كنت أبيع مختلف أنواع الكتب والإصدارات، بناء على ما يفضله القرّاء، ولاحظت غياب بعض العناوين التي يفضلها الشباب خصيصا، ومنها الأدب الياباني لليافعين، إذ لم يكن موجودا في السوق العراقي، واضطررت أحيانا للسفر لدول أخرى من أجل توفيرها، كانت مجازفة أن أفكر بهذه النقلة، لكنني قررت خوض التجربة”.

ترجمة الأدب الياباني

فضلّت رقية، أن تصبح صاحبة أول دار نشر عراقية تختص بترجمة الأدب الياباني وإدراجه في سوق الكتب العراقي لإتاحته للجميع، واجهت الكثير من العقبات، لكن فكرتها كانت واضحة واستثنائية. وتقول للجزيرة نت إن هذا النوع من الإصدارات يلاقي رواجا كبيرا، حتى أن العديد من القراء صاروا يطالبونها بترجمة المتبقي من الكتب اليابانية وخصوصا عوالم الأنيمي.

وأضافت “استطعت الوصول للعديد من الأدباء اليابانيين وترجمة كتبهم وكانوا سعيدين جدا بترجمة نتاجهم للقارئ العراقي، وبالرغم من أن العملية ليست سهلة أبدا وتتطلب موافقات رسمية فضلا عن الوقت الطويل لتحرير الكتاب وقراءته وهو ما نجحنا به وترجمنا لحد الآن أكثر من 20 كتابا”.

الظروف لم تمنع الحلم

لم تكمل رقية تعليمها -وبسبب الحروب والظروف- لكنها تحب القراءة وتجد روحها بين الكتب، كما واجهت العديد من الصعاب، كما توضح للجزيرة نت، إذ عند ولادتها لطفلتها، كانت مصابة بفتحة في القلب، وتخضع للعلاج، وقتها كانت تأخذها معها إلى المكتبة، وتأتي بها للعمل، وهذا الأمر، لم يُرحب به بعض العاملين في شارع المتنبي.

وتضيف “حينما كبرت صرت أحضرها معي فقط يومي الجمعة والسبت، أزعج بعضهم وجود ابنتي، لا أحد يعلم معنى أن تكون المرأة أُما وعاملة ومحبة لعملها، سمعت الكثير من العبارات القاسية حول هذا الأمر، لكنني لم أتوقف عند هذا الحد، شاركت في المعارض الأدبية داخل العراق وخارجها، بعت كتب الدار لقرّاء عرب، والحلم مستمر”.

رقية رفقة ابنتها في المكتبة (الجزيرة)

الحاجة لمقهى ثقافي

“العناد بطل الفكرة، عند إصداري لكتابي الأول لاقى رواجا عاليا وطلبا، وحينما حان وقت طباعة كتابي الثاني، واجهت صعوبات جمة مع دار النشر وهو ما حفّزني لإتمام الفكرة بمجهود فردي”. بهذا الإصرار والثبات تقص منى الجابري أصل الفكرة التي أنشأت بسببها “دار أفتوريا للنشر”، إذ لم تتمكن من إصدار كتابها الثاني “لن ننثني/ حكايات من ثورة تشرين” واضطرت لسحبه والتفكير بطريقة لطبعه دون مشاكل مع دور النشر التي تتعامل مع الكاتب الفتي وصغير السن بنوع من الجفاء وعدم التقدير، كما تقول للجزيرة نت.

تضيف “فكرتُ أن افتتح دار نشر ومكتبة خاصة بي، لدعم وتشجيع الأدباء وخصوصًا الشباب، وعدم التعامل معهم على أنهم مصدر تجارة وربح فقط، استطعت أن آخذ قرضا من البنك، كوني أعمل مُدرسة للغة الإنجليزية في إحدى المدارس الإعدادية، وأسست دار أفتوريا”.

وأطلقت منى هذا الاسم لدارها، حينما كانت تقرأ رواية “نبوءة أفتوريا” للكاتبة المصرية سارة جوهر، فتواصلت معها وطلبت استخدام الاسم.

منى الجابري حصلت على عضوية اتحاد الناشرين العراقيين وتمكنت من إصدار أكثر من 50 كتابا خلال 3 سنوات من عمل الدار (الجزيرة)

كيف واجهت منى العقبات؟

تستذكر منى العقبات التي اعترضت طريقها لإتمام فكرة الدار، بسبب الصعوبات وعدم التقبل والحروب كما تبين في حديثها للجزيرة نت أنها حاولت جاهدة الحصول على عضوية اتحاد الأدباء والكُتاب العراقيين، وكان طلبها يُقابل بالتجاهل لأكثر من سنة، لكنها بالمقابل استطاعت الحصول على عضوية اتحاد الناشرين العراقيين وتمكنت من إصدار أكثر من 50 كتابا خلال 3 سنوات من عمل الدار.

تقول منى “حبي للكتاب هو ما ساعدني، ومع الوقت والتقدم تواصلت معي منظمة أفكار بلا حدود لدعم المكتبة، إذ أعمل حاليا على تطويرها وسيكون فيها ناد للقراءة وجلسات للنقاش والحوارات الأدبية الأسبوعية”.

وتطمح لأن تكون دارها أكبر، وفي مكان آخر أيضا، ورغم أنها تحب شارع المتنبي وتعمل به لعراقته وأهميته، لكنه -كما تقول- لا يخلو من مضايقات ومحاولات تشويه، تؤكد أنها تود إحداث تغيير في الأدب النسوي ومساعدة النساء الكاتبات ودعم كتبهن، لأنها ترى المجتمع يرفض الكثير مما تنتجه النساء من أدب، ولهذا تعمل على تأسيس مقهى نسائي ثقافي.

الدكتور أحمد الظفيري: وجود دور نشر تديرها نساء عراقيات مسألة تميز هذا المجال (الجزيرة)

هيمنة الجانب الأمني

ربما بصورة عامة فإن المهنة الحرة في العراق تواجه العديد من الصعاب سواء للرجال أو للنساء، لكنها تبدو مضاعفة على النساء. ويعلل ذلك الأكاديمي وصاحب دار نشر، الدكتور أحمد الظفيري، للجزيرة نت، بقوله “على رأس تلك الصعوبات قضية الجانب الأمني الذي يهيمن على العراق، فضلا عن صعوبات التعامل المباشر مع الزبائن، لا سيما أن الافكار الذكورية هي المسيطرة على مساحة التفكير والرأي العام، فأي مشكلة أو انتهاك قد تتعرض له المرأة العاملة في العراق سيضع الجمهور اللوم عليها وعلى عملها وحدها”.

ويضيف الظفيري أن “وجود دور نشر تديرها نساء عراقيات مسألة تميز هذا المجال على اعتبار أن الوسط الذي يتعاملن معه وسط مثقف، غير أن وجودها في العمل لاستيفاء المتطلبات بحاجة لجهد ووجود في أماكن قد لا تصلها النساء بيسر وسهولة، لا سيما إذا عرفنا أن أغلب المطابع في بغداد تقع في مناطق تشوبها العديد من المشاكل”.

وتلك الصعوبات وغيرها قد تواجه كل امرأة عاملة في معظم البلدان بحسب قول الظفيري، “لكن يبقى وجود المرأة في صناعة الكتاب سمة مضيئة تميز هذه المهنة وغيرها من المهن الأخرى، أما عدم تقبل البعض لوجودهن، فليس سوى مسألة وقت ثم يعتادون الأمر”.

المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى