الشاعرة حوراء الهميلي : الشعر أرقى من كونه ثرثرة لغوية
قالت :-
وطأتُ العرشَ
فارتدَّتْ سمائي
نسيجُ الكونِ حَوَّرَ لي جهاتي!
سقطتُ هناك
لكن
كنتُ أطفو
وأكتشفُ الخرائطَ بانفلاتي
إنها الشاعرة حوراء الهميلي من المملكة العربية السعودية،صوت بنون من التكوين الجميل للحرف والحلم والمستقبل وهي تكتب شعرا،لنا معها حوارات،قالت فيها بصوتها الدفاق ومنها:-
+ الوعي (شعر) ضد الخوف،المحاصرة،
الهزيمة،الإضطهاد،
هل إنتاجك الشعري يحاول صناعة الوعي المفتقد عندنا..؟
“ليس طموحي أن أكون شاعرًا
إنها طريقتي في أن أكون وحيدًا !”
فرناندو بيسوا
لطالما كان الشعر خلاصنا الأبدي من هواجسنا الإنسانية،
الهواجس التي لا تنفك تحيط بنا بخيوطها المتشابكة،
نلوذ بالشعر وعيًا أو دون وعي في محاولة لصنع طوق نجاة، نجاة من اعتيادية الأيام، من صخب الحياة،
من اللهاث اليومي؛
لأن الشعر عزلتنا الأنقى، عزلتنا الأقرب لذواتنا
وعيننا المبصرة للأشياء.
به نعيد تسمية ما حولنا،
ننفخ بالشعر في جسد الحجر فيغدو بلَّورا.
فالشاعر سيعود ليكون خالقًا من جديد
كما قال بورخيس
بالشعر أستطيع أن أفهمني، أقترب مني، أربت على روحي وأقول لها: لا تقلقي يا صغيرتي
بالشعر أستطيع أن أكون أنا
حرة حتى مني، من قيود اسمي وكنهي وشكلي وما يُتوقع مني.
هل أتعمد صناعة الوعي هذا؟
لا أتعمده، لكنني أشعر بالمسؤولية حيال تجربتي وواقعي ووجودي، هذا الوجود الذي لا يفك يبحث ويكتشف بأدواته، الشعر هو أداتي الأجمل في طريقي للوصول.
+ هل الحركة النقدية العربية تضع مفاهيمها على الأفق التطويرية اللازمة بنائيا ومعرفيا لصياغة المفترض الأجمل لها..؟
يقول أدونيس:
“الإبداع الشعري هو في عمقه إبداع نقدي”
كل من يكتب الشعر فهو ناقد في عين نفسه، عين قصيدته. فالشاعر عندما ينصت لصوته الشعري الخاص
لحدسه وشعوره، فهو يُعمِل صوت الناقد الداخلي الذي يسكنه.
أما عن الحركة النقدية العربية فهي حركة لا زالت تسعى
لردم الهوة بين الأدب والنقد، حيث لا شيء يمس العمل الفني بقدر كلمات النقد.
فهي دائمًا ما تسبب حظًّا قل أو كثر من سوء الفهم..
+ الذي يقترب من قراءتك ككاتبة يلمح خطاب رمزي رافض لكل التعقيدات المركبة مذهبيا،عرقيا،ثقافيا، وكأنك في مسارات نقل للشعر من كونه حكاية متخيلة إلى مناظرات واقعية بتمثيل حرفي لعوالم حقيقية كاشفة لكل الإتجاهات..؟
الشعر عليه أن يكون حرًّا ليسبح في فضاءات الأبدية،
فالحرية كما عبر عنها ماكس بيكارد في كتابه الإنسان واللغة : هي الضوء في الفعل الإنساني،تماما كما هي اللغة/ الضوء في الصمت.
فالشاعر يقدر على استعادة الأصالة للغة:
إنه يملك اللغة قبل كل قرار.
فاللغة تدمر حين لا يعود الإنسان يتخذ قرارات فيها؛
لأن اللغة توجد في الإنسان قبل أن يتكلم؛ اللغة كلها صامتة فيه
ولذا لابد من فعل حر ليحقق الشعر غايته الكبرى.
+ كتاباتك ليست مظاهرات تجريب تجعل من الشخصية فيها (ضمير)،لكنها تصنع له (هُوية)،هل تمارسين عبر ذلك صياغة تأويلات للقراء تنقل الشخصية من فضاء افتراضي لفضاء حقيقي،أو كما نقول تماثل كتاباتك صراع هويات ..؟
الشعر يجب أن يكون مراوغًا، خادعًا، يهدم ذاكرة القارئ ويزلزل شعوره، يجب أن يبّله بنداه وينهمر عليه بكله.
يقول السياب نقلا عن الشاعر الإنجليزي إليوت:
“الشاعر العظيم يزعج قارئه أكثر مما يبهجه”
لذا لابد للشاعر عندما يكتب، ينسى قرَّاءه ويسبح في ملكوت القصيدة. يفتح فضاءات التأويل ويجعل القارئ فعّالًا في تشكيل وعي القصيدة.
فالقصيدة عندما تولد، فهي تتحرر من كاتبها، تكبر وتشب وتتخذ لها ملامحها الخاصة.
مثل الجنين الذي يتخلق في رحم أمه، ثم لا يلبث أن تكون له صورة خاصة به وإن كان هذا الجنين يحمل جينات الأبوين.
لذا يجب السير في الاتجاه المعاكس للتوقعات،
السباحة عكس التيار؛ لئلا نعبر النهر مرتين
وهنا مكمن الدهشة
لأن الدهشة ما هي إلا صدمة انفعالية،
صدمة جمالية غير متوقعة، تمسك بتلابيب المخيلة.
فأنا كما قال بيسوا:
” أبحث عن قولِ ما أشعر به
بدون أن أقول إنني أشعر به !
أبحث عن إسنادِ الكلماتِ للفكرة
من دون أن أنسحب – حين يحل دورُ الكلمات –
إلى ممر ما من ممراتِ الفكر.
حاول أن أخربَ ما علموني إياه
أحاول أن أنسى طريقةَ الحفظ التي علموني إياها،
أن أكشطَ الحبر الذي رسموا لي به على الحواس
أن أحل عواطفي الحقيقية،
أن أفك ربطَ الخيوط لأكون أنا …”
بيسوا
+ هنالك فرضية بأننا نحتاج إلى لغة في الشعر تخاصم الإنشائية والثرثرة اللغوية إلى لغة تداول أدبي يتجلى فيها الثراء النفسي للشخصيات لننتج قيمة كتابية مختلفة وجديدة..؟
يقول روبيرت لويس ستيفنسن :
“الفن يكمُن في الحذف، يبقى الكاتب هاويًا إن قال في جملتين ما يمكن قوله في جملةٍ واحدة”
الشعر أرقى من كونه ثرثرة لغوية، يجب أن يكون صورة مكثفة لشعورنا.
يقول أفونسو كروش في كتاب (هيَّا نشترِ شاعرًا) :
“بلا استعارات، الكلامُ هو الكلامُ.
فالنافذةُ بإمكانِها أن تكون نافذةً، لكن بواسطة الشعر بإمكان النافذة أن تكون قطعةً من بحر !”
ويقول: الشعرُ إصبعٌ مغروسٌ في الواقع والشاعر كمن يمرر يدَه على المرآةِ المكدَّرةِ ليكتشف وجهَه ”
فالشاعر كما عرَّفَتْه إحدى المعاجم بترتيب تنازلي حسب الأهمية:
الأول ” شخص يبتكر”
الثاني ” كاتب خيال”
وأخيرًا ” كاتب قصائد ”
لذا الشاعر يترفع عن كونه يقول ما يقال، وينظر للأشياء كما يُنظر لها.
الشاعر يخرج الكلمات من معجمها اللغوي؛ ليسحبها إلى منطقة أخرى خارج سياقها المعتاد والمتوقع.
+ قليلا يتأرجح حلم الشعر فينا،وكثيرا كثيرا يقلق حلم الحرف فينا، إلى أين نمضي..؟
“الشعر ميدانه اللغة وفضاؤه الحلم”
أدونيس
فالأحلام مشاع للجميع، ما يجعلنا متمايزين،
هو القدرة على تحقيقهن أو قدرة تحققهن فينا .
+ وصوت في وجدانك يحاول الصراخ..؟
الصراخ، الألم، المعناة، السؤال، الفضول، الحزن، الفرح، البحث، الدمع، الابتسامة.
الإنسان بما يحمل من تناقضات، هشاشة، قوة، طموح
أليس هذا كله صراخ!
أليس هذا صوت وجداننا ؟
الشعر هو الوعاء الذي يجمع كل هذا الضجيج.
“ثمة في الشعر منطقةٌ تجمع بين النحيب والسكوت!”