الشاعرة اللبنانية زنوبيا ظاهر تقف في المساحة الشعرية كلها وتهمس:
(لا مناصّ من الديمقراطيّة أمام الشاعر، إنّها قدَرُهُ، وعجزُه.. لأنّه لا يحلُمُ بنفسِه إلّا دكتاتوريًّا إلهًا، حتّى لو أرادَ فرضَ الجمال)
حوار / هيثم الطيب / صحفي وناقد سوداني
تقول سيرتها الإبداعية :-
من بلدة الزرارية-جنوب لبنان، مواليد عام ١٩٩٦. حازت إجازة في الفلسفة والحضارة العربيّة من جامعة القديس يوسف. حازت ماستر في الإعلام والتواصل عن فيلمها الوثائقي “ع باب الضوّ” من نفس الجامعة. تنهي في هذه الأثناء رسالة الماستر في الفلسفة والشعر في الجامعة اللبنانيّة. تدرّبت في عدد من المؤسّسات الإعلاميّة مثل جريدة السفير.. عام ٢٠١٨ صدرت لها مجموعة شعريّة بعنوان “آخر العنقود يسقُط أوّلًا” عن دار النهضة العربيّة في بيروت. عام 2019، كانت من المشاركين في نشرة شعريّة تحت عنوان “نيزَك” في أجواء انتفاضة 17 تشرين. في نفس السنة كانت مسؤولة عن صفحة الثقافة في “جريدة 17 تشرين”.
لها تجارب في التمثيل، الكتابة السينمائيّة والأفلام القصيرة الشعريّة.
ودفقها كان هكذا مع الأسئلة :-
+ الوعي ضد الخوف،المحاصرة،
الهزيمة،الإضطهاد،هل إنتاجك الشعري يحاول صناعة الوعي المفتقد عندنا..؟
من الصعبِ أن أجبر نفسي على ادّعاء هكذا محاولة. أكتبُ باحثةً عن وعيي. أكوّنهُ في اللغة. ما إن أسقُط على الورقةِ حتّى أشرع بحفرِ الآبار. عادةً ما أخرجُ ملطّخةً بالوحل!
+ هل الحركة النقدية العربية تضع مفاهيمها على الأفق التطويرية اللازمة بنائيا ومعرفيا لصياغة المفترض الأجمل لها..؟
لا أعرفُ إن كان بإمكاننا الحديث عن “حركة نقديّة عربيّة” أدبيّة. لكنّني أشهدُ على حركةٍ نقديّة فلسفيّة ستؤتي ثمارها على الصعيد الأدبيّ. عدا عن هذا، إنّ الإنتاج الأدبيّ شكلٌ آخر للنقد.. شكلٌ واقعيّ له. دافعٌ لظهوره بالبداهة.
+ الذي يقترب من قراءتك ككاتبة يلمح خطاب رمزي رافض لكل التعقيدات المركبة مذهبيا،عرقيا،ثقافيا، وكأنك في مسارات نقل للنصوص من كونها حكاية متخيلة إلى مناظرات واقعية بتمثيل شعري لعوالم حقيقية كاشفة لكل الإتجاهات..؟
على مستوى الكتابة الشعريّة، شعوري بالتعقيدات الثقافيّة والدينيّة والقوميّة شعورٌ أسطوريّ. تصِلُني شعريّتُها. لا أكثر. بالأحرى لا أقلّ، لأنّ الشعريّة هي الأسمى، أو الأوسَع أن شئنا التخلّي عن ترانسندنتاليّة المعرفة واستبدالها بأفقيّتها.
أظنّني أريد العكس، أن أحوّل هذه الآفاق من كونها مناظرات واقِعيّة مُبالِغة في جدّيّتها إلى حكاياتٍ مُتَخيّلة تحتمل الكذب أوّلًا.. ثمّ الصدق.
+ كتاباتك ليست مظاهرات تجريب تجعل من الشخصية فيها (ضمير)،لكنها تصنع له (هوية)،هل تمارسين عبر ذلك صياغة تأويلات للقراء تنقل الشخصية من فضاء افتراضي لفضاء حقيقي،أو كما نقول تماثل كتاباتك صراع هويات ..؟
“الضمير” مفهومٌ غريب. مرتبطٌ غالبًا بجذور الهويّة. غير منفصِلٍ عنها ألّا في مراحِلَ متقدّمة من “الجنون”. أمّا عن كتابتي فهي ليست إلّا تجسيدًا لصراعاتٍ في هويّاتي، في محاولةٍ منّي لردمِ أيّ تمزّقٍ طرأ بحكمِ اتّساع المعرفةِ والرؤيا. وأحيانًا، في محاولةٍ منّي لإخفائها..
+ وطننا العربي لم يعرف بعد بشكل كامل الإستقرار الروحي الثقافي،والشعر يبحث عن ذلك في مجتمع يخطيء طريق الحريات،فأين أنت من ذلك..؟
هل من مجتمعٍ عرفَ الاستقرار الروحيّ الثقافيّ أصلًا؟ القلقُ فطرةٌ في الإنسان. كلّ ما أحلُمُ به هو مجتمع حرّ بما يكفي ليتلاءم مع قناعاته العميقة، لا مع ردّات أفعالِهِ على الكبتِ أو الخوف. نحنُ ثلّة أجيالٍ هجينة. أحلمُ بحرّيّة أصيلة.
+ كتاباتك كلها نعرف فيها الديمقراطية كعلاقة بينك وبين قاريء،بعيدا عن روح السيطرة والإمتثال،وكأنها صناعة يقين يرفض محتمع القهر الحقيقي..؟
لا مناصّ من الديمقراطيّة أمام الشاعر، إنّها قدَرُهُ، وعجزُه.. لأنّه لا يحلُمُ بنفسِه إلّا دكتاتوريًّا إلهًا، حتّى لو أرادَ فرضَ الجمال.
+ نحن في عالمنا العربي نبحث عن بديل أكثر جدارة من الأسطورة ليصنع لنا قوى مركزية في داخلنا ويمارس فعل إيجابي في بناء ذهني ونفسي ثم وجداني فهل الرواية غيمة الحلم هنا..؟
الأسطورة شعرٌ، ورواية. ألا نشعُرُ حين نخرُجُ من روايةٍ واقعيّة عن الشارع والحياة بأنّنا نأسطِرَها من شدّة ذهولنا أمامها.
الأسطورة زينة الحياة الدنيا. البراغماتيّة ضمانتُها. المفاهيم مصيبتُها. قبل هذا، لنسأل أنفسَنا أنا وأنت: ما هي الأسطورة؟
+ هنالك فرضية بأننا نحتاج إلى لغة في السرديات تخاصم الإنشائية والثرثرة اللغوية إلى لغة تداول شعري يتجلى فيها الثراء النفسي للشخصيات لننتج قيمة كتابية مختلفة وجديدة..؟
في الحقيقة، أكرهُ مواضيع الإنشاء مع أنّني تعلّمتُ اللغة على يدها. لكنّني لا أرى حاجةً للغة تداولٍ شعريّ بقدر لغةِ تداولٍ فلسفيّ. بالأحرى، لغةٍ مُفَكَّرٍ فيها فلسفيًّا.
+ ماذا يقلق القلم أكثر في وطننا العربي..؟
الحماقة. والحرّيّة. الحماقة لأنّنا نشعُر بتهديدها في عقرِ ديارِنا، في أنفُسِنا بشكلٍ مفاجئ دائمًا! والحرّيّة لأنّنا لم نتوصّل إلى تعريفِها بعد.
+ هل فشلنا في صناعة الشخصية الثقافية العربية على مدى تأريخنا..؟
لا أعلم، لكنّني على صعيد ذاتيّ، تخلّيتُ عن كلمة الفشل طالما لازلتُ أحاوِل.
+ جراحات المرأة العربية مثلا،وكل إمرأة تماثلاتها في حروفك..؟
الجراحات الإنسانيّة هي الّتي تُقلُقني. جراحاتي كامرأة ناجمَةٌ عن هشاشتي كإنسان، وعن شرّي أيضًا. شرّي هو شرّ الآخرين. أفهمُ الخيرَ والشرّ ككائناتٍ حيّة تفرِض نفسها على حياتي. أمّا عن كوني امرأة، فلا أفهمُ من هذا إلّا الخيرَ والحياة.
+ الأرض الصامتة داخلها بركان الهزيمة،كيف لها بصوت المنتصرين،أم إنهم حتى اللحظة غائبين..؟
البركانُ ليس هزيمة. البركانُ رحِمٌ يبصُق ما لم يختره.
إنّه إذًا وعدٌ بانتصار.
+ قليلا يتأرجح حلم الشعر فينا،وكثيرا كثيرا يقلق حلم الرواية فينا، إلى أين نمضي..؟
إنّها ليست أحلام بقدر ما هي تجارب أنطولوجيّة لإيجادِ معنىً ليس أكيدًا وجودهُ في أيّ مكان..
+ الغضب العربي كله يخرج في حروف،الحزن يفعل ذلك أيضاً،فهل من طريق ثالث..؟
السخرية. لا طريقَ أمتع من السخرية.
+ وصوت في وجدانك يحاول الصراخ..؟
تخطّيتُ الصراخ. أظنّني الآن أميل إلى البكاءِ في أوقاتِ الفراغ. أمّا في الأحوال العاديّة. إنّني أنمو. النموّ هو الحلّ الوحيد أمام الحياة. لكن، لألّا ننسى.. الموت خيارٌ دائمًا.