انقسامات الرفاق تهدد الانتقال بالسودان.. هل ينجح العسكر بضم حلفائهم في ائتلاف الحرية والتغيير؟
يتشكل ائتلاف الحرية والتغيير الحاكم من أكثر من 40 حزبا وحركة مسلحة ومنظمة مجتمع مدني. في المقابل، يتكتل منشقون من هذا الائتلاف (نحو 20 حزبا وحركة مسلحة) تحت مسمى “اللجنة الفنية لقوى الحرية والتغيير”
الخرطوم – لم يكن خطاب رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في معسكر المرخيات بأم درمان الذي اعتبر أنه دشن الأزمة بين العسكر والمدنيين بالسودان هو البداية على ما يبدو، لأن معلومات أفادت بأن الإعلان السياسي للائتلاف الحاكم أوائل هذا الشهر كان هو قاصمة الظهر للشراكة.
وبدا أن البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي” في عدة خطابات متوالية غاضبين من إقصاء قوى من المجلس المركزي لائتلاف قوى الحرية والتغيير الحاكم، مما دفع مراقبين لاعتبار هذه النقطة محور الخلاف.
لكن عمر الدقير عضو المجلس المركزي للحرية والتغيير رئيس حزب المؤتمر السوداني تجاوز بهذه النقطة مربع التحليل إلى المعلومة، وكشف داخل اجتماع للمجلس أمس الأحد أن عساكر مجلس السيادة أبلغوا الائتلاف في عدة اجتماعات بأن الإعلان السياسي إقصاء لهم.
وبحسب الدقير، فإن الائتلاف رد على العسكريين بأن الإعلان السياسي ليس موجها ضدهم، ويخص الأحزاب وليس من واجب الجيش التدخل في إعلانات سياسية.
وتتشكل قوى الحرية والتغيير من عدة أحزاب وأحلاف سياسية قادت ونسقت مجتمعة الاحتجاجات التي أطاحت بحكم الرئيس المعزول عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، لكن التحالف الواسع الطيف يتعرض لانشقاقات.
فرز التحالفات
يتشكل ائتلاف الحرية والتغيير الحاكم من أكثر من 40 حزبا وحركة مسلحة ومنظمة مجتمع مدني، أبرزها حزب الأمة القومي، والتجمع الاتحادي، والمؤتمر السوداني، وحزب البعث العربي الاشتراكي، وحركات منضوية تحت الجبهة الثورية.
في المقابل، يتكتل منشقون من هذا الائتلاف (نحو 20 حزبا وحركة مسلحة) تحت مسمى اللجنة الفنية لقوى الحرية والتغيير، وعمد المنشقون إبان الأزمة الحالية لإصدار بيانات باسم “قوى إعلان الحرية والتغيير”.
وبعيدا عن الفريقين يقف الحزب الشيوعي السوداني الذي خرج من تحالف قوى التغيير وتبنى خيار إسقاط الحكومة بشقيها المدني والعسكري.
وعقب خطاب للبرهان أمس الأحد طالب فيه صراحة بعودة الأحزاب -التي خرجت من المجلس المركزي- إلى قوى الحرية والتغيير أصدر المنشقون عن الائتلاف بيانا أكد الشراكة مع العسكريين ورفض “اختطاف” الثورة من “مجموعة” المجلس المركزي.
وفي تلك الأثناء، كانت قيادات الائتلاف الحاكم تصعّد ضد البرهان وحميدتي في مقر لجنة إزالة التفكيك.
شروط الوحدة
أبدى المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير -على لسان الدقير- حرصه على عودة الرفاق الذين ابتعدوا، لكنه شدد أمام أعضاء المجلس على أن توسعة التحالف لن تكون مثل “الزريبة”، لأنها مقتصرة على الذين يتفقون معهم على أجندة التغيير.
وكان عضو مجلس السيادة محمد الفكي (من المكون المدني) قد شدد على أن توحد قوى التغيير لن يشمل الذين يطالب البرهان بإدخالهم بالذات.
لكن محمد وداعة -وهو أحد قادة اللجنة الفنية لإصلاح الحرية والتغيير- يرى أن من حق العسكريين المطالبة بأن تناقش مبادرة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك توسيع تحالف الحرية والتغيير، لأن في خارجه الآن مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان حاكم إقليم دارفور، وجبريل إبراهيم وزير المالية رئيس حركة العدل والمساواة.
ويؤكد وداعة للجزيرة نت أن مناوي الآن يحكم ثلث السودان، كما أنهم كقوى سياسية مؤسسة لإعلان الحرية والتغيير تم إقصاؤهم، وكان يجب على حمدوك أن يكون أكثر تقدمية من البرهان وأن يطلب توسعة ائتلاف الحرية والتغيير.
ودافع وداعة عن جلوسهم ولقاءاتهم مع العسكر باعتبارهم طرفا أصيلا شأنهم شأن “الطرف الآخر المرتمي في أحضان العسكريين”، موضحا أن المجلس المركزي أرسل إشارات للوفاق لكنها غير كافية حتى الآن، ودعا للعودة إلى منصة التأسيس لأن الطرف الموقع على الوثيقة الدستورية هو قوى التغيير وليس مجلسها المركزي.
توضيح مواقف
وأثار البيان الذي أصدرته مجموعة اللجنة الفنية لإصلاح الحرية والتغيير لغطا بسبب صدوره مؤيدا لشراكة العسكر، ومنتقدا الرفاق القدامى في خضم الأزمة القائمة مع العسكريين.
وصدر البيان بتوقيع 16 كيانا، لكن رئيس الحزب الاتحادي الموحد محمد عصمت وإبراهيم الأمين نائب رئيس حزب الأمة القومي نفيا لاحقا التوقيع على البيان.
وبحسب إبراهيم الأمين للجزيرة نت، فإنه طرح مبادرة لإصلاح الحرية والتغيير، ولكن لديه موقف ضد الانقلابات.
ورأى أن محاولة العسكريين إدخال قوى سياسية في التحالف خطأ كبير، كما أن تماهي قوى سياسية مع العسكر يضر بالقوى المدنية التي يجب أن تتحدث إلى العسكريين ككتلة واحدة.
ونصح بجلوس أطراف التحالف معا، ومراجعة تجربته خلال السنتين الماضيتين للعودة إلى منصة التأسيس بمشاركة كل قوى الحرية والتغيير.
كما يؤكد محمد عصمت للجزيرة نت رفضهم البيان شكلا ومضمونا، وشدد على أن احتواء الانقسام داخل التحالف يكون بالعودة لمنصة التأسيس، وحمّل تعنت المجلس المركزي مسؤولية الإضرار بالتحالف وأهداف الثورة والانتقال.
ويقول إن حزبه لن يكون طرفا في أي تحالف يسمح بعودة حزب المؤتمر الوطني ومن والاه من أحزاب سقطت معه في أبريل/نيسان 2019.
خيار السقوط
في مقابل ذلك، يتبنى الحزب الشيوعي إسقاط الحكومة بشقيها العسكري والمدني، بمن فيهما حلفاؤه القدامى في تحالف الحرية والتغيير.
ويقول عضو اللجنة المركزية للشيوعي كمال كرار إن الحكومة الانتقالية انحرفت عن المسار الثوري، وتحالف الحرية والتغيير أصبح لا يعبر عن الشارع “وهو ما نقلناه لحمدوك في لقاءين معه”.
ويؤكد كرار للجزيرة نت أن التواصل مع الحلفاء القدامى في تحالف الحرية والتغيير لم ينقطع، لكن حزبه يدعو لوضع سياسي جديد بإبعاد كل الحكومة، وبعدها يمكن الجلوس مع رفاق الأمس.
وتابع “إذا لم يذهبوا فسيغيرهم الشارع، فالثورة لا تعرف الحياد، آن الأوان لأن نضع نقطة لنبدأ سطرا جديدا”.
وفي السياق ذاته، دعا المسؤول السياسي لحركة العدل والمساواة سليمان صندل إلى تنحي واستقالة من سماهم نشطاء الحرية والتغيير.
وقال “عليهم أن يفسحوا المجال لعناصر أخرى من قوى الحرية والتغيير لإدارة المرحلة الانتقالية، عناصر واعية ومدركة لحساسية المرحلة وطبيعتها”.
وانضمت حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان إلى المنشقين من قوى الحرية والتغيير، فيما استمرت الجبهة الثورية -التي تضم حركات يقودها الهادي إدريس ومالك عقار وياسر عرمان والطاهر حجر- ضمن ائتلاف الحرية والتغيير الحاكم.
المصدر : الجزيرة