الركابي حسن يعقوب يكتب: مبادرة بن سلمان.. النظر من زاوية كاملة

الركابي حسن يعقوب يكتب: مبادرة بن سلمان.. النظر من زاوية كاملة
بحسب علم الهندسة فإن الزاوية الكاملة هي إحدى ستة أنواع من الزوايا وتعرف الزاوية الكاملة بأنها هي التي قياسها 360 درجة، أي أنها التي تدور دورة كاملة تبدأ من نقطة محددة وتنتهي عند النقطة التي بدأت منها.
نقول ذلك وقد أخذت مبادرات الحلول لوقف الحرب في السودان مسارات عديدة تنقلت في حركتها بين الأنواع الخمس الأخرى للزوايا، الحادة والقائمة والمنفرجة والمستقيمة والمنعكسة، وهي الآن بعد مبادرة بن سلمان تتجه نحو الأخذ بشكل الزاوية الكاملة Full angle آخر أنواع الزوايا، و مقدارها 360 درجة.
ويمكن شرح ذلك بصورة مبسطة بعيداََ عن تعقيدات علم الهندسة في كلمتين اثنتين تمثلان مثلاََ شعبياََ سودانيًا خالصاََ (يحلها الشربكا)..وأترك فهم هذه العبارة لفطنة القاريء وذكائه إذ أن التفصيل فيها يثير المواجع تجاه من أضحى صديقاََ حميماََ !!!
شخصياً لم أقتنع بما قاله الرئيس ترامب الذي يقف على رأس بلد هي بكل المقاييس تنفرد بلقب القوة العظمى في الوقت الراهن وتصف سياستها الخارجية بأنها (كونية) تشمل الكون كله وليس فقط كوكب الأرض. إلى جانب أن السودان دولة معروفة على نطاق العالم ومؤثرة اقليمياََ ويقع في منطقة حيوية من العالم وتربطه بأمريكا علاقات دبلوماسية بتمثيل على مستوى السفراء وكانت بلاده أول من بادر بالشراكة مع السعودية بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع الحرب برعاية ما عرف بمنبر جدة بين ممثلين للجيش وممثلين للميليشيا الإرهابية والذي تمخض عن إتفاق لم تلتزم الميليشيا بتنفيذ ما يليها منه. وغيرها الكثير من الحيثيات التي تؤكد على الانخراط الأمريكي العميق في الشأن السوداني.
لكن أياََ ما كان الأمر، فإن الخطوة التي خطاها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالأمس بطلبه المباشر من ترامب بالتدخل لحل الأزمة في السودان وإنهاء الحرب تعتبر خطوة كبيرة ستختذل أكثر من نصف المسافة التي كان سيقطعها قطار مسعد بولوس فيما لو ترك الأمر لمستشاريته التي اتسم عملها بالسلحفائية.
وهذه الخطوة من بن سلمان تدلل على أنه قد أدرك بيقين راسخ خطورة إستمرار الحرب في السودان وأثرها الذي سيكون كارثياََ على المنطقة بأسرها وأن أثرها سيمتد على طريقة كرة النار إلى مساحات أكبر وأن أثر الحريق سيطال الجميع دون استثناء ، وهو ادراك ينم عن وعي عميق بالجغرافيا السياسية للمنطقة عموماً، والسودان على وجه الخصوص الذي يشاطيء السعودية بساحل بحري يمتد لأكثر من 700 كيلو متر في منطقة استراتيجية شديدة الأهمية. وقد أحسن بن سلمان إختيار الظرف الزماني والمكاني لإثارة وجذب انتباه الرئيس الأمريكي لقضية السودان وهو ظرف مثالي للغاية لم يكن ليتوفر في أي مناسبة أخرى، ولا أراني مبالغاََ إن قلت إن قضية السودان كانت هي (الأهم) بالنسبة لبن سلمان من بين أجندة زيارته لأمريكا، فاتفاقيات الشراكة الإقتصادية بين البلدين متفق عليها مسبقاََ وكانت تنتظر فقط مراسم التوقيع والإجراءات المتعلقة بها. لكن الاختراق الأكبر للزيارة في رأيي هو موضوع الحرب في السودان لذلك فقد احتفت به وسائل الإعلام حول العالم على نطاق واسع وبصورة غير مسبوقة ولافته للنظر.
البعض توجس خيفة من تصريحات ترامب التي قال فيها (سنعمل مع السعودية والإمارات ومصر لتحقيق الإستقرار في السودان)، وهو توجس نابع من الاعتقاد بأن هذا التصريح يشير إلى (الرباعية) تحديداََ وأن ترامب سيضغط على السودان للقبول بها ، واعتقد أنه توجس محمود وطبيعي بالنظر لمواقف أمريكية سابقة على امتداد سنوات الحرب، ولكن في رأيي الأمر يختلف هذه المرة، فطلب بن سلمان من ترامب التدخل يهدف في تقديري إلى ممارسة واشنطون الضغط بصورة مباشرة على الأمارات لوقف دعمها للميليشيا وهو أقصر الطرق لوقف الحرب، فليس من المتصور أن يطلب بن سلمان من الجانب الأمريكي الضغط على السودان للقبول بوضع قد يكرس لإستمرار الفوضى والحريق في المنطقة الذي ستتاثر به السعودية لا محالة.
تفسيري لتصريحات ترامب التي أشار فيها إلى الأمارات هو أن تنخرط بلاده معها في محادثات للوصول إلى تفاهمات تفضي إلى وقف دعمها للميليشيا وهي مهمة سهلة بالنسبة لواشنطون وهي الوحيدة القادرة على فعل ذلك .
وعلى الدبلوماسية السودانية الإستعداد الجيد لخوض محادثات ثنائية مع الجانب الأمريكي ستكون هي الأصعب قبيل بدء أي صيغة قد تطرحها واشنطون لمسار الحل وذلك للتوصل لمقاربة تجد القبول لدى الشعب السوداني وتكون ثمرة للانتصارات التي حققها الجيش والقوات المساندة له على الأرض وتتويجاََ للصبر على ويلات الحرب والفظائع والانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيا الإرهابية بحق الشعب السوداني.
على الدبلوماسية السودانية أن تحمل في حقيبتها مطالب (ثابتة) لا تقبل المساومة ، وأخرى (متحركة) يمكن التفاهم حولها بمرونة بحسب بعدها أو قربها من المطالب (الثابتة). والمطالب الثابتة تتمثل في الطلب من الجانب الأمريكي :
* الضغط على أبوظبي لوقف دعمها للميليشيا كلية وبشكل فوري.
* تصنيف الميليشيا منظمة إرهابية.
* رفع عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية التي فرضتها على رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ووزير المالية جبريل إبراهيم.
أما القضايا المتحركة بما فيها قضايا العلاقات بين البلدين فيمكن التفاهم حولها بما لا يضر بمصالح السودان ولا بمكانته في الإقليم وبما يحفظ ويصون سيادته وسلامة ووحدة أراضيه.
وأهم من ذلك كله يجب الإستعداد والتحسب لـ (نزغات) و(همزات) (شيطان التفاصيل) الذي لا محالة سينفث وينفخ على ما يمكن أن يطرحه الجانب الأمريكي على المفاوض السوداني من مطالب تنازلات (ما) بمثابة حفظ لماء الوجه و(رَضْوَة ) للحليف الإقليمي الثاني لواشنطون بالمنطقة بعد السعودية مقابل وقف دعمه للميليشيا، فالرئيس ترامب مولع بالصفقات.
ويبقى السؤال المهم الذي يجب أن يجد إجابة وأن يكون في صلب أي صيغة إتفاق يمكن التوصل إليه وهو من الذي سيدفع فاتورة إعمار ما دمرته حرب الميليشيا الإرهابية وهي فاتورة ضخمة وباهظة وما هي الضمانات الممكنة التي تحفظ هذا الحق للسودان؟؟.
ينبغي على الحكومة أن يكون لها تصور واضح لقضية الإعمار يتم تضمينه في الإتفاق النهائي الذي سيتم التوصل إليه.





