مقالات

الركابي حسن يعقوب يكتب: كامل وحمدوك.. “وبضدها تتميز الأشياء”

 الركابي حسن يعقوب يكتب: كامل وحمدوك.. “وبضدها تتميز الأشياء”

 

من المنتظر أن يؤدي السيد كامل إدريس رئيس الوزراء الجديد القسم خلال اليوم السبت إيذاناََ للبدء في مباشرة مهامه رئيساََ للسلطة التنفيذية بصلاحيات كاملة غير منقوصة لأول مرة منذ الثاني من يناير من العام 2022 تاريخ استقالة رئيس الوزراء السابق سيء الذكر والسيرة عبد الله حمدوك بعد فشله التام في إنجاز أدنى مهام الإنتقال التي أوكلت إليه وشهدت فترة إدارته للجهاز التنفيذي فوضى عارمة على كافة الصعد.

أحد أسباب الفشل الذريع لحمدوك هو ما يمكن تسميته ب ” ثورة التوقعات الكبرى” ، حيث علق الشعب السوداني آماله وتطلعاته العريضة في مستقبل زاهر في السياسة والاقتصاد والأمن والتعليم والخدمات والسياسة الخارجية يتحقق على يدي حمدوك الذي أحيطت سيرته الذاتية بهالة من التضخيم وتم تصويره كمخلص يتأبط عصى سحرية تحول اليابس إلى أخضر والبؤس إلى نعيم.

وثاني أسباب فشل حمدوك هي تلك الفجوة الواسعة بين ما كان يتوقع منه القيام به، وبين قدراته الحقيقية التي ظهر بجلاء أنها متواضعة جداََ لم تبرح مستوى “موظف” متوسط في هرم إداري كبير ، ولم تجاوز خبرته السياسية مستوى “ناشط” ، ولم يكن إلمامه بالسياسة الدولية يفوق مستوى “متابع” عادي يستقي معرفته في هذا الحقل من الوسائط.

لذلك فقد كان الفشل هو النتيجة المباشرة لهذا الإتساع في الفجوة ما بين المتوقع وما هو قائم، بين الفتق والراتق ، فحدث ما يمكن تسميته ب “ثورة الخيبات الكبري” وتبخرت آمال وتطلعات السودانيين في مستقبل أفضل وتحولت إلى أضغاث أحلام وانزلقت البلاد إلى منحدر من الفوضى وارتهنت سيادتها وإرادتها لدى الدوائر الأجنبية وكانت السفارات هي الحاكم الفعلي في تلك الفترة البائسة، وانتهى بهم الأمر إلى محاولة الاستيلاء على السلطة ببندقية ميليشيا الدعم السريع مما قاد إلى إشعال الحرب على النحو المعلوم.

هذه المقدمة ضرورية في معرض استشراف مآلات حكومة رئيس الوزراء الجديد كامل إدريس وما هو متوقع منها مقارنة بتجربة حكومة حمدوك، وهذه المقارنة ضرورية لتفادي أخطاء هذه التجربة وبالتالي النجاة من الوقوع في ذات “الحفرة” وحصاد ذات الخيبات.

ولعل أكبر الأخطاء التي أحاطت بتجربة حمدوك هي تلك التوقعات والثقة المفرطة التي فاقت حد المعقول في قدرات حمدوك على نقل الأوضاع من مربع البؤس والتردي إلى مربع الإزدهار والنماء بما يشبه الخيال العلمي..

هذه الحالة في حد ذاتها تمثل إشكالية كبرى ، كونها افتراضية وتقفز فوق الواقع الماثل و تتجرد من أبجديات المنطق وتتدثر فقط بدثار التفكير الرغائبي الذي يقوم فقط على الأمنيات والآمال وما يجب أن يكون بغض النظر عن الواقع.

خطورة هذه الحالة وهذا النوع من التفكير أنه يقود مباشرة إلى الفشل كنتيجة حتمية في الوقت الذي يتوقع فيه الجميع النجاح..

لذلك ينبغي ألا يسرف الناس في توقعاتهم من رئيس الوزراء الجديد على هذه الشاكلة وهذا النمط من التفكير، بل على الجميع أن يضعوا في اعتبارهم أن التحديات كبيرة والوضع معقد والطريق إلى الإزدهار والإنتعاش ليس مفروشاََ بالورود وأن التغيير نحو الأفضل لن يتحقق بين عشية وضحاها ، وأن التغيير ليس مناطاََ بشخص واحد بعينه “اليد الواحدة ما بتصفق” ، بل أن الأمر يحتاج إلى تكامل الأدوار وتضافر جهود كل القوى الحية في البلاد، وأن “العافية درجات”.

كذلك من أسباب فشل تجربة حمدوك أنه اتخذ موقفاََ معادياََ لعدد من مؤسسات الدولة دون مبرر وعلي رأسها الجيش رغم أن التجربة قامت أصلاََ على الشراكة ما بين الجيش والقوى المدنية وكان هذا الموقف من حمدوك سبباََ في نشوء حالة من الشراكة المتشاكسة ما بين المكون العسكري والمكون المدني فكانت معركة في غير معترك..

ومن أسباب فشل حمدوك أنه ترك جانباََ الأولويات والقضايا الأكثر إلحاحاََ وإنشغل بقضايا ثانوية وهي على تفاهتها تتقاطع مع قيم ومعتقدات وثقافة المجتمع السوداني مثل قضايا النوع، وحقوق المثليين، وتقليص سلطة الآباء على البنات.. إلخ.

كما أنه اهتم بتلبية مصالح القوى الأجنبية على حساب المصالح الوطنية، وفتح الباب واسعاََ لتدخلات هذه القوى الأجنبية في صميم الشأن السوداني بلا أية تحفظات.

كذلك لم يكن يهتم بمعاش الناس والخدمات الأساسية ولم يسعى جاداََ لوضع أسس لإحداث نهضة إقتصادية حقيقية، وشهدت فترة إدارته للجهاز التنفيذي تدهوراََ مريعاََ في الحريات الصحفية والتضييق على الصحفيين وتصنيفهم والتنكيل بالكثيرين منهم ، وإغلاق عدد من الصحف ومنعها من الصدور ومصادرة أصولها.

هذه هي أبرز أسباب الفشل الذي لازم تجربة حمدوك منذ اليوم الأول لتوليه المنصب وإلى حين مغادرته له مستقيلاََ بمحض إرادته.

وذكرنا لهذه الأسباب بين يدي تولي رئيس الوزراء الجديد لمهام منصبه يأتي من قبيل التذكير والتبصير مخافة الوقوع في ذات الأخطاء رغم الفارق واتساع الهوة ما بين الشخصيتين ، وما بين السياقين الزماني والظرفي لكل منهما.

ركائز النجاح للقادم الجديد تتمثل في وجوب ترتيب الأولويات على الصعيد الداخلي بحيث يأتي معاش الناس في صدر هذه الأولويات ضمن عدد آخر من القضايا : الصحة ، التعليم، النزوح، اللاجئين ،الخدمات من مياه وكهرباء ووقود، إعادة تأهيل البنيات التحتية ، الزراعة ، الصناعة إلخ.

وعلى الصعيد الخارجي هناك مهام كثيرة في إنتظار رئيس الوزراء الجديد تتلخص في تطوير علاقات السودان مع الخارج دول ومنظمات ، وفك تجميد عضوية السودان بالاتحاد الأفريقي، وإحداث إختراقات مطلوبة وضرورية في المحيط الإقليمي على وجه الخصوص، بتقوية العلاقات مع الأصدقاء بما يحقق مصالحنا الوطنية ولا يمس سيادتنا بسوء ، وترميم ما تصدع من علاقات

مع بعض الدول في المحيطين الإقليمي والدولي ومجابهة المواقف السالبة لبعض القوى الدولية من السودان مثل الاتهامات الأمريكية الأخيرة باستخدام أسلحة كيماوية ، وتعزيز مواقف الدول الداعمة لنا والإنخراط في أي مبادرات تتوافق مع مصالح وتوجهات الدولة السودانية ، وإغلاق الباب تماماً في وجه أي تدخلات أجنبية من شأنها إنتهاك سيادة الدولة أو الانتقاص من مقدراتها وهيبتها.

أخيراً فإن الملف السياسي يجب أن يدار برفق وبروية بعيداََ عن الحساسيات والمواقف المجمدة التي تجاوزها الواقع ، فقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر ما بعد 15 أبريل 2023، هناك واقع وطني جديد فرضته الحرب لا بد من أخذه في الحسبان عند التعاطي مع الملف السياسي ، فالموقف من الحرب يجب أن يكون مقياس الرسم الذي يحدد الخريطة الخاصة بالأحقية في

الممارسة السياسية للقوى السياسية في مستقبل الحياة السياسية في السودان، فمن تلطخت أيديهم من القوى السياسية بدماء السودانيين الأبرياء وكانوا سبباََ وشركاء في قتلهم ونزوحهم وتشريدهم ونهب ممتلكاتهم والتنكيل بهم وتدمير مرافقهم الحيوية وانتهاك أعراضهم واحتلال منازلهم، لا يعقل أن يكون لهم أي دور في الحياة العامة في السودان مرة أخرى.

ونقول للمتعجلين للنتائج من فئات الشعب السوداني ، خاصة أهل الصحافة تريثوا وأعطوا الرجل فرصة ولا تسارعوا إلى إطلاق الأحكام وانظروا إلى النصف الممتليء من الكوب فالظرف الوطني الراهن يقتضي الإعانة لا الإشانة.

ونقول للسيد كامل توشح بالصبر، ولا يضيق صدرك بنقد ناقد ، ولا ينشرح بمدح مادح ، وأنت في مهمة وطنية خالصة لا تقل أهمية من مهمة أولئك المرابطين في الثغور يقاتلون نيابة عن الشعب السوداني للقضاء على المهدد الأول لوجود الدولة السودانية ، أمامك فرصة لخدمة بلدك ونقش إسمك ضمن قائمة القادة الوطنيين العظام الذين سطروا أسماءهم بأحرف من نور في سجل الشرف في كتاب تاريخ هذا البلد العريق..
ولبلوغ ذلك عليك بثلاث :
الصبر..
العزم..
التوكل على الله..

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى