مقالات

الركابي حسن يعقوب يكتب: رسالة وزير الخارجية لنظيره البريطاني كانت مرافعة أكثر منها رسالة احتجاج

 الركابي حسن يعقوب يكتب: رسالة وزير الخارجية لنظيره البريطاني كانت مرافعة أكثر منها رسالة احتجاج

 

الرسالة الخطية التي وجهها وزير الخارجية علي يوسف لنظيره البريطاني ديفيد لامي والتي نقل فيها اعتراض السودان على الخطوة البريطانية الغريبة وغير المألوفة دبلوماسياََ بعقد بريطانيا مؤتمراََ بشأن السودان دون توجيه الدعوة للحكومة السودانية للمشاركة ، هي رسالة تستحق الإشادة والثناء من حيث الشكل ومن حيث المضمون، ومن حيث التوقيت.

الرسالة من حيث الشكل تمثل نموذجاََ للاحترافية والمهنية التي عرفت بها الدبلوماسية السودانية طوال تاريخها الممتد والمتجذر وثمرة لخبرة متراكمة من العمل الدبلوماسي للوزير علي يوسف هي في المحصلة نتاج لميراث ثر من خبرات سابقة لرجال كانت لهم صولات وجولات فاكتنزت بها أضابير الدبلوماسية السودانية فكانت مَعِيناََ مدراراََ مُعِيناََ لمن جاء بعدهم ولمن سيأتي بعد ذلك.

ومن حيث المضمون فإن الرسالة كانت مرافعة رفيعة المستوى استندت على أساس متين من قواعد القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية والقواعد الحاكمة والمنظِّمة للعلاقات بين الدول.

ولم تكن مجرد رسالة احتجاج تقليدية دارجة من ذلك النوع الذي يثير فيك التثاؤب وأنت تقرأه، أو تتداعى إلى خاطرك كلماته المقولبة المحفوظة حتى قبل أن تقرأها لفرط ما طرقت سمعك مراراََ وتكراراََ.

ومن حيث التوقيت فقد صدرت الرسالة متزامنة مع الحدث دون إبطاء أو تردد وهو أمر مهم يكسب الرسالة قوة دفع مطلوبة ويزيدها فاعلية تترك أثراََ ايجابياََ يخدم قضية وهدف الرسالة والتي هي محققة لمصلحة السودان.

انتقدت الرسالة – بموضوعية – نهج الحكومة البريطانية الذي يقوم على المساواة بين السودان الدولة ذات السيادة، وصاحبة العضوية بالأمم المتحدة منذ ما يناهز السبعة عقود من الزمان، وميليشيا إرهابية متمردة على الدولة ارتكبت إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية ومجازر ضد المدنيين لم يشهدها تاريخ السودان من قبل.

وساقت الرسالة شواهد متماسكة كأدلة تثبت انخراط بريطانيا في أنشطة ومحادثات سرية مع ميليشيا آل دقلو الإرهابية، وسماح بريطانيا بدخول شخصيات قيادية بالميليشيا الإرهابية أراضيها بالرغم من وجود عقوبات

مرفوضة على هذه الشخصيات من قبل الولايات المتحدة، إضافة إلى السماح بأن تكون بريطانيا منطلقاََ للدعاية التي تبثها الميليشيا وتحمل في طياتها خطاب كراهية مفرط ومحرض للعنف الجنسي.

وتساءلت الرسالة على لسان الشعب السوداني بسخرية عن حجم الفظائع والمجازر التي ترتكبها الميليشيا الإرهابية في حق المدنيين الأبرياء الذي تنتظره الحكومة البريطانية لكي تعتبر الميليشيا جماعة إرهابية!!

وذكّرت الرسالة الخارجية البريطانية بتناقض أوقعت نفسها فيه وهو دعوتها لكل من الأمارات وتشاد وكينيا للمشاركة في المؤتمر، رغم أنها – الخارجية البريطانية – ذكرت أن المشاركين في المؤتمر “هم من يدعمون السلام في السودان”. إذ أنه أصبح من المعلوم من شأن الحرب في السودان أن هذه الدول الثلاث متورطة في دعم الميليشيا الإرهابية بصورة مباشرة لا مواربة فيها.

وأوضحت رسالة وزير الخارجية للجانب البريطاني أن دعوة الإمارات للمؤتمر تتيح لها الفرصة لتجميل صورتها، وهي حقيقة في تقديري لا لبس فيها، وربما كان ذلك في رأيي هو الغرض الأساسي من عقد هذا المؤتمر المشبوه لتضع أبوظبي بعض مساحيق التجميل على وجه تغضن

وشاه وتقبح جراء سوءات الجرائم التي انطبعت عليه والتي ارتكبتها عنها بالوكالة ميليشيا آل دقلو الإرهابية على مدى عامين وما تزال ترتكب المزيد منها، ذلك أن الملف القانوني ضد الإمارات والذي أعده السودان وقطع فيه شوطاََ بعيداََ يوشك أن يؤتي ثماره بإدانة مزلزلة لها سيكون العالم كله شاهداََ عليها.

كما ذكّرت الرسالة الحكومة البريطانية الحالية بموقف سابقتها قبل عام التي حالت فيه دون أن يناقش مجلس الأمن قضية تورط الإمارات في الحرب، وبالتالي إتخاذه موقفاََ حاسماََ ضد هذا التورط مما كان يمكن أن يوقف الحرب ويحول دون إزهاق مزيد من الأرواح البريئة، وفي هذا التذكير إشارة ذكية بأن حكومة العمال إنما تقتفي أثر خصمها السياسي حزب المحافظين وتسير على نهجها وفي هذا دلالة عميقة.

ولم يفت على الرسالة أن تدعو الحكومة البريطانية إلى مراجعة سياستها تجاه السودان والتعاطي البنّاء مع حكومة السودان استناداََ إلى الروابط التاريخية بين البلدين…

وفي تقديري أن هذه النقطة الأخيرة هي مربط الفرس وهي الأهم إذ تجمعت فيها كل ما سبقها من نقاط ودفوع وإشارات وتنويهات جاءت في متون وحواشي الرسالة، صاغتها ولخصتها الخارجية في عبارة دبلوماسية مرققة وناعمة واحترافية، ذلك أن غاية ومبتغى العمل الدبلوماسي تتلخص في تطوير علاقات الدولة بالدول الأخرى وأن الطريقة المثلى لتحقيق ذلك هو التعاون والتعاطي بالحسنى..

تحية مستحقة للخارجية على هذه الإستجابة الرفيعة إزاء هذا الحدث المهم الصادر من دولة ذات ثقل كبير ودور فاعل في الساحة الدولية وريثة لامبراطورية كانت لا تغيب عنها الشمس وربطتها وشائج تاريخية قوية بالسودان لا يمكن محوها أو تجريفها بمواقف متحاملة و غير عادلة من قبل حكومة حزب العمال بقيادة كير ستارمر.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى