الرئيس التونسي يتهم معارضيه بالتآمر على الوطن وماكرون يدعوه لقيادة عملية انتقالية “جامعة”
اتهم الرئيس التونسي قيس سعيّد أطرافا لم يسمها بالتآمر على وطنها وإشاعة الأكاذيب، في المقابل دعاه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى قيادة عملية انتقالية شاملة لجميع الأطراف.
وقال سعيّد -خلال مكالمة هاتفية مع ماكرون- “إن من يقدمون أنفسهم كضحايا للاستبداد هم من يريدون العودة إليه، بل ويتآمرون على وطنهم بالتعاون مع من لا هدف لهم إلا المال وضرب الأوطان والدول من الداخل”.
وأكد الرئيس التونسي أن خارطة الطريق التي أعلنها هدفها الحفاظ على الحرية وتحقيق العدالة، والتصدي لكل من نهب أموال الشعب التونسي ومقدراته.
وأضاف سعيّد لا يمكن لأحد أن ينصب نفسه مشرعا، في ظل قوانين وضعت على المقاس، لتفجير مؤسسات الدولة من الداخل، وفق تعبيره.
من جانبه، دعا الرئيس الفرنسي نظيره التونسي إلى قيادة عملية انتقالية تكون شاملة لجميع الأطراف بأكبر قدر ممكن، وفقا لما أعلنته الرئاسة الفرنسية.
ووفق الإليزيه، فإن ماكرون حث الرئيس التونسي على وضع برنامج إصلاحات تبدو ضرورية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية، مؤكدا استعداد فرنسا على الدوام لدعم تونس ومواكبتها في تنفيذ هذه الإصلاحات.
وأضاف الإليزيه أن الرئيس التونسي أبدى التزامه باحترام سيادة القانون والحريات الديمقراطية في بلاده.
وعمد سعيّد منذ 25 يوليو/تموز 2021 إلى احتكار السلطات عبر تعليق عمل البرلمان، ويمارس سعيّد الحكم عبر إصدار مراسيم رغم احتجاجات المعارضين وتنديد منظمات محلية ودولية غير حكومية.
وكشف سعيّد في 13 ديسمبر/كانون الأول خارطة طريق تهدف إلى تجاوز الأزمة السياسية، أبرز بنودها إجراء انتخابات تشريعية في ديسمبر/كانون الأول 2022 بعد مراجعة قانون الانتخاب وتنظيم استفتاء في يوليو/تموز 2022 لتعديل الدستور الذي يسعى سعيّد الى إضفاء طابع “رئاسي” عليه على حساب البرلمان.
قلق أممي
أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه إزاء تطور الأوضاع في تونس مع تفاقم نسبة التوتر في البلاد بعد إجراءات جديدة اتخذها الرئيس قيس سعيّد وعدها معارضوه ضربا لحرية الإعلام واستقلال القضاء.
وبينما أعرب الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي عن تضامنه مع عميد المحامين الأسبق عبد الرزاق الكيلاني عقب إحالته إلى القضاء العسكري، قالت حركة النهضة إن قوات الأمن اختطفت أحد قيادييها ونقلته إلى جهة مجهولة.
وفي مؤتمر صحفي عقده بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، قال غوتيريش إن “الثورة الديمقراطية التونسية كانت شيئا ألهم الأمل في شتى أنحاء العالم، ونريد بالتأكيد الحفاظ عليها بكل القيم الديمقراطية”.
وأضاف “نأمل أن يحدث ذلك، نرى المخاوف، وآمل إزالة هذه المخاوف بالاستعادة الكاملة لإطار ديمقراطي مؤسساتي يعمل لجميع التونسيين”.
وفي مشاهد لم تشهدها العاصمة منذ 10 سنوات، استخدمت الشرطة خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق المتظاهرين، واعتقلت العشرات في مظاهرة يوم الجمعة الماضي (قبل أسبوع) للاحتفال بذكرى ثورة 2011 وللتنديد بقرارات سعيّد.
واستنكرت أكثر من 20 منظمة غير حكومية تونسية السبت الماضي “القمع البوليسي والاعتداء الهمجي” على الصحفيين والمتظاهرين خلال الاحتجاجات.
ومقابل هذه الانتقادات، قال سعيّد إن “الحريات مضمونة في تونس أكثر من أي وقت مضى”، مؤكدا “تطبيق القانون على الجميع”.
تضامن مع الكيلاني
سياسيا، أعربت حملة “مواطنون ضد الانقلاب” التونسية أمس السبت، عن تضامنها “المطلق واللامشروط” مع عميد المحامين الأسبق عبد الرزاق الكيلاني، بعد إحالته للمحاكمة العسكرية.
ووصفت الحملة المناهضة لإجراءات الرئيس سعيّد، إحالة الكيلاني إلى القضاء العسكري بالخطوة المتقدمة نحو إرساء دولة القمع والحكم الفردي، وبالسياسة الممنهجة للإجهاز على آخر مربعات الحقوق والحريات، وفق تعبيرها.
واستنكرت الحملة -في بيان- ما وصفته باستمرار سلطة الانقلاب في الزج بالمؤسسة العسكرية وقضائها لاستهداف القوى الديمقراطية والشخصيات الرافضة للانقلاب.
كما حذر البيان مما وصفه بالمنعرج الخطير نحو استكمال كل مقومات الدولة الأمنية التسلطية المغلقة؛ داعيا المنظمات الحقوقية إلى التصدي لمخطط الانقلاب وترهيب المحامين والقضاة.
وأمس الجمعة، أفادت مصادر حقوقية في تونس بإحالة السلطات الكيلاني إلى التحقيق العسكري بعد تلقيه دعوة بذلك أول أمس الخميس، من دون صدور تعليق رسمي.
والكيلاني عضو بهيئة الدفاع عن نائب رئيس حركة النهضة الموضوع تحت الإقامة الجبرية نور الدين البحيري (63 عاما).
ومنذ 25 يوليو/تموز الماضي، تشهد تونس أزمة سياسية، حين بدأ سعيّد اتخاذ إجراءات استثنائية منها تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة، وتوليه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة عيّن نجلاء بودن رئيسة لها.
وترفض غالبية القوى السياسية في تونس إجراءات سعيّد الاستثنائية، وتعتبرها انقلابا على الدستور، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها تصحيحا لمسار ثورة 2011، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا).
أزمة مجلس القضاء
وفي آخر تطورات أزمة المجلس الأعلى للقضاء، جدد المجلس رفضه لحملات التشويه ضد أعضائه، مؤكدا أنه سيواصل أداء مهامه دفاعا عن استقلال القضاء.
وجاء بيان المجلس بعد يومين من إصدار الرئيس سعيّد مرسوما يقضي بوضع حد للمنح والامتيازات المخوّلة لأعضاء المجلس الـ45.
وبعد ذلك بيوم، قال سعيّد إن القضاء حر، وإنه يعمل على أن يبقى كذلك، لكنه أكد أن القضاء ليس الدولة أو الحكومة، وعليه أن يطبق القانون، مضيفا أن ما سماه الإفلات من العقاب يجب أن ينتهي.
وحذر المجلس الأعلى للقضاء -في بيان- من خطورة المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية، داعيا القضاة إلى التمسك باستقلاليتهم، ودان المجلس التدخل في عمله ورفض التمادي في الاعتداء على صلاحياته.
في المقابل، قال رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر إن المجلس يرى أن مرسوم وقف المنح الذي أصدره سعيّد مساس بالسلطة القضائية وصلاحيات المجلس الأعلى للقضاء، مؤكدا -في مقابلة مع الجزيرة أول أمس الخميس- أن هذا المرسوم لن يثني القضاة عن القيام بمهامهم.
“اختطاف” قيادي من النهضة
في غضون ذلك، قال القيادي بحركة النهضة محمد القوماني إن قوات الأمن “اختطفت” أحمد الجلالي الكاتب العام المحلي للحركة بمدينة الرقاب (وسط غرب)، ونقلته إلى جهة مجهولة.
وأوضح القوماني أن قوات الأمن دهمت منزل الجلالي، من دون الاستظهار بصفة ولا بدعوة، وأنه تم الاستيلاء على “بعض الأغراض من منزله”.
وقبل الجلالي، أعلنت حركة النهضة اختطاف القيادي نور الدين البحيري في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، من قبل رجال أمن بزي مدني، واقتياده إلى جهة غير معلومة.
وفي السياق ذاته، قال رئيس البرلمان المجمد راشد الغنوشي -خلال تشييع جثمان المتظاهر رضا بوزيان، الذي توفي إثر إصابته في مظاهرات الجمعة الماضية- إن مقتله جريمة دولة، مضيفا أن المتهم فيها هو وزير الداخلية والرئيس قيس سعيّد، إلى أن يثبت عكس ذلك، وفق تعبيره.
وتقول حركة النهضة و”مواطنون ضد الانقلاب” إن بوزيان توفي نتيجة اعتداء قوات الأمن عليه خلال الاحتفال بذكرى الثورة.