
الخارجية الأمريكية تلغي اجتماع الآلية المقرر اليوم..”الرباعية”.. الموت السريع..!!
الرفض الشعبي الكبير والإعلامي أفشل مساعي الإدارة الأمريكية..
يجب أن يُدار الحوار السياسي عبر منابر سودانية خالصة..
إلغاء اجتماع الرباعية كشف تخبط وعجز المعسكر الدولي والإقليمي..
تقرير : محمد جمال قندول
بشكلٍ مفاجئ، ألغت الخارجية الأمريكية اجتماع الآلية الرباعية والذي كان من المقرر انعقاده اليوم الأربعاء.
َوفشلت الإدارة الأمريكية في مسعاها لعقد اجتماعها، وذلك بفعل الرفض الكبير شعبيًا وإعلاميًا لهذا المسار خاصةً في ظل تقدم القوات المسلحة وتحقيقها الانتصارات الكاسحة في محاور القتال.
المقاربة
وفي معرض تقييمه لاجتماع “الرباعية” المقرر انعقاده غدًا بشأن الأزمة السودانية، أبدى الكاتب السياسي والباحث في الإعلام التنموي د. إبراهيم شقلاوي، ملاحظاتٍ نقدية حذّرة، حول المسار الذي قد تسلكه المبادرة الدولية المرتقبة.
واعتبر شقلاوي أن الطرح الذي يتم تداوله، والذي يبدأ بوقف إطلاق النار كمدخل للحل، يستوجب التوقف عنده، إذ تُظهر التجارب السابقة أن وقف القتال، إذا لم يكن شاملًا نهائيًا وتتبعه ترتيباتٍ أمنية، قد يتحول إلى مجرد هدنة مؤقتة تستثمرها الميليشيات في إعادة التسلح وإعادة التموضع، الأمر الذي لا يعني سوى تأجيل الحرب لا إنهائها.
واستشهد شقلاوي باتفاق جدة الموقع في 11 مايو 2023، مؤكدًا على أهمية الاستفادة من تجربته، حين جرى فصل واضح بين المسار الأمني الإنساني من جهة، والمسار السياسي من جهة أخرى.
وأوضح أن هذا الفصل يمثل ضمانة أساسية لتجنب تكرار الفشل، فالمسار الأمني الإنساني يهدف إلى وقف الحرب وتجميع القوات في معسكرات مخصصة بعد أن تضع سلاحها، مع تسهيل وصول المساعدات الإنسانية عبر ممراتٍ آمنة، وهو مسار ضروري وعاجل، لكنه لا ينبغي أن يُربط بالمسار السياسي الذي يتطلب بيئة حوارية مختلفة، ويجب أن يُدار عبر منابر سودانية خالصة، تُعلي من صوت الحوار الداخلي – السوداني – السوداني – بعيدًا عن أي تسوياتٍ خارجية مفروضة من فوق، لا تعبّر عن تطلعات السودانيين، بل قد تُقدّم مصالح الإقليم على حساب مصلحة السودان الوطنية.
وفي سياق حديثه عن طبيعة المبادرة الدولية المتوقعة، أشار شقلاوي إلى أن الرباعية الدولية تسعى لدمج مساري “جدة والرباعية” ضمن صيغة موحدة تُعرض على مجلس الأمن.
ورأى أن هذه المقاربة، إن لم تُضبط برؤية وطنية واضحة تحفظ السيادة والقرار السياسي السوداني، فإنها مرشحة لأن تنتج خارطة طريق لا تمثل الداخل السوداني، بل تعكس مصالح القوى الإقليمية والدولية، مما يهدد بإنتاج تسوية هشة لا تتعامل مع جذور الأزمة، وقد تفضي إلى عودة النزاع بدل إنهائه.
كما توقف شقلاوي عند موقف القوى السياسية من مجريات العملية السياسية، مشيرًا إلى أن الفاعلين السياسيين الذين يناصرون وحدة الوطن ويدعمون الجيش، ظلوا يطالبون بضرورة إشراك الحكومة السودانية في أي مفاوضات تهدف إلى إنهاء الحرب.
وفي هذا الإطار، نبّه إلى أن التيارات الإسلامية رغم اختلاف المواقف منها، تظل جزءًا من الواقع السياسي والاجتماعي في السودان، ولا يمكن تجاوزها أو عزلها عن العملية السياسية، كما يُشاع أن الرباعية تنوي فعله، فالسودان لا يمكن أن يُحكم بمنطق الإقصاء، ولا يجوز القفز فوق موازين القوى المجتمعية، بغض النظر عن الانتماءات الفكرية أو الأيديولوجية.
واختتم شقلاوي حديثه بالتشديد على أن أي مسار جاد نحو السلام لا بد أن يقوم على الاعتراف الكامل بكل قوى الداخل، وعلى دعم حوار وطني شامل لا يستثني أحدًا، ولا يُدار تحت وصاية خارجية.
وأكد أن الرباعية يمكن أن تؤدي دورًا داعمًا، ولكن نجاحها مشروط بتخلّيها عن منطق الحلول الجاهزة، وإفساح المجال أمام تسوية وطنية تنبع من داخل السودان، تشارك فيها جميع الأطراف، وتُبنى على فصل واضح بين المسارات الأمنية والسياسية، مع إقرار العدالة الناجزة ومحاسبة كل من ارتكب جرائم بحق الشعب السوداني.
الفشل
وذهب الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي د. عمار العركي إلى أن إلغاء اجتماع الرباعية الذي كان مقررًا اليوم 29 يوليو، كشف عن حجم التخبط والعجز داخل المعسكر الدولي والإقليمي الداعم لمشروع فرض تسوية خارجية على السودان. فقد أرادت الرباعية—التي تقودها الإمارات وبريطانيا بمظلة أمريكية—تحقيق ما عجزت عنه عبر السلاح، من خلال ترتيبات سياسية تشرعن للميليشيات وتُقصي الحكومة الشرعية.
ويشير محدّثي إلى أن الانقسام داخل الرباعية، ورفض السودان القاطع لهذه المقاربة، ساهما في إفشال اللقاء حتى قبل أن يُعقد.
كما أن محاولة إدخال مصر لشرعنة التوجهات الخارجية فشلت، بعد أن أدركت القاهرة أن الترتيبات المطروحة لا تخدم أمنها القومي ولا وحدة السودان.
واعتبر العركي إن إلغاء الاجتماع يمثل ضربة لمشروع فرض “الحل الرباعي”، ويؤكد أن السودان ليس ساحة مفتوحة لتفاهمات مشبوهة، بل دولة ذات سيادة ترفض الوصاية، مهما كانت أدواتها أو شعاراتها.
وزاد: كان لوحدة الجبهة الداخلية وتمترسها خلف رفض هذه الرباعية، إضافة إلى صمود الفاشر وإفشال كل محاولات الميليشيا في دعم موقف الرباعية على الأرض تزامناً مع الفشل السياسي الذريع الأخير الذى صاحب إعلان حكومة الميليشيا، التأثير المباشر في الإلغاء الذي نحسبه أكثر من إلغاء طبيعي وروتيني، بل هو بمثابة إعلان نعي وفاة ما تسمى بالرباعية.
المصدر : صحيفة الكرامة