الحماية الزائدة للأطفال.. لأن مَن يهتم بك يمكن أن يقتل مستقبلك
مقدمة للتقرير
إن أسوأ مشكلاتنا ليست التحديات التي تواجهنا الآن، أو تلك التي ستواجهنا في المستقبل، بل تلك التي تركت أثرا عميقا في جوهرنا بينما كنّا أطفالا، خاصة إذا تعرضنا لصور من الإساءة غير الظاهرة، تلك التي لا ندرك أنها كانت موجودة أصلا. هذه المادة هي الأخيرة من ثلاثة تقارير للمحررة، تعرّفك بثلاثة أشكال أساسية، ومتخفّية، من الإساءة للأطفال، تعرّفك توصيفها وأضرارها، وتعلّمك كيفية التعامل معها، المادة الأولى ناقشت ظاهرة الاستبداد في المنزل من قِبَل الأب أو الأم، أما بالنسبة للمادة الثانية فقد ناقشت الإهمال من قِبَل الأب أو الأم، وهذه تناقش نقطة معاكسة تماما لكنها تحمل ضررا كبيرا، وهي الحماية الزائدة. ربما يساعدك هذا الملف في فهم أفضل لمشكلاتك، ويساعدك في تربية أبنائك بصورة لا تُسيء إليهم.
مادة التقرير
إذا كنت والدا، فمؤكد أنك ترغب في حماية طفلك من كل شيء وأي شيء، لا تود أن يمسه ضر أو سوء، لا تود أن يصل إليه ما قد يجرح مشاعره أو يؤذيها، وفي سبيل تحقيق هذا قد تُبالغ في حماية ابنك أكثر مما ينبغي، فتُزيل كل العقبات من سبيله، وتحل نيابة عنه المشكلات كافة. إذا كنت تتبع النهج السابق في التعامل مع طفلك، فأنت هنا “والد هليكوبتر” كما يُطلق عليك خبراء التربية والباحثون.
الحماية الزائدة.. ما هي؟ وما أسباب حدوثها؟
“كنت طفلا ضعيف البنية، كان والدي حينما أتيت للحياة في الخمسينيات من عمره. نحن نحيا في إحدى قرى جنوب مصر، التي يُفضِّل سكانها إنجاب المزيد والمزيد من الأطفال، كان لدى أبي عشرة أطفال أتوا للحياة قبلي، بينهم الذكور والإناث، وقد كان والديّ توقفا عن الإنجاب قبل مجيئي بسنوات طويلة، لكنني على أي حال قد أتيت رغم عدم تعمدهم الإتيان بطفل جديد، حين وُلدت كان أكبر أولادهم في الخامسة والثلاثين من عمره، وكان متزوجا ولديه أطفال. مُذ أن كنت جنينا، كانت أمي تخشى عليّ من الموت بسبب كبر سنها. وقد ظل هذا الهاجس مُلازما لها، حينما أتيت إلى الحياة ورأت ضعف تكويني وبنيتي، جعلها هذا تُبالغ طوال طفولتي وصِباي في حمايتي والخوف عليّ، الذي كان يصل إلى حد الصراخ إذا خرجت للعب أمام البيت مع أقاربنا”. هكذا بدأ سليم.ع، الشاب العشريني، حديثه مع “ميدان”.
يُقصد بالحماية الزائدة في التربية إظهار الآباء لسلوك حراسة مُبالغ فيه مُقارنة بمرحلة نمو الطفل ومستوى الخطر الفعلي في بيئتهم، فتتجاوز مستويات الحماية بكثير مستويات المخاطر الفعلية التي قد يتعرض لها الطفل. هنا، لا ينصب تركيز الوالدين على الحفاظ على أمان أطفالهم جسديا وصحيا فقط، بل حتى عاطفيا ونفسيا، فيودون حمايتهم حتى مما قد يجرح مشاعرهم. في سبيل تحقيق هذا، يحاول الآباء إزالة جميع العقبات والتخفيف من أزمات الحياة اليومية، حتى العابر منها، على أطفالهم.
لا يسمح الوالدان المفرطان في الحماية لأطفالهم بتجربة أي فشل أو خيبات أمل. ينتفضون سريعا في كل مرة يواجه فيها أطفالهم أدنى تحدٍّ، يتحركون ويتحكمون في تصرفات أطفالهم وبيئاتهم وفي كل جانب من جوانب حياة أطفالهم. كذلك فإنهم يكونون مفرطي الحساسية، وغالبا ما يبالغون في رد فعلهم تجاه أي شيء يتعلق بأطفالهم. من كل هذا جاءت التسمية بـ”الوالد الهليكوبتر” الذي يحوم حول طفله طوال الوقت ويهبط عليه بأقصى سرعة كلما ظن أن عليه التدخل.(1)
يُضيف سليم قائلا لـ “ميدان”: “ظل خوف أمي وحشا جاثما على صدري، جعلني أخاف كل شيء، ولا أستطيع التعامل مع شيء، توقفت عن الدراسة بعد الحصول على شهادة المرحلة الثانوية، كان هذا بسبب أولا أني كرهت التعامل مع الناس، كرهت ضرب الأطفال لي في المدرسة وسخريتهم مني، تلك الأشياء التي كُنت أُخبئها في صدري ولا أخبر بها أحدا أبدا، كُنت لا أود أن أزرع المزيد من الرعب في قلب أمي، كُنت أرى أنه يكفيها ما أصبحت تُعانيه من أزمات الشيخوخة. بخلاف كوني لا أود ترك قريتنا، التي لا يوجد بها معهد ولا كلية ولا جامعة، والذهاب إلى مدينة بعيدة للحصول على شهادة، السبب الثالث هو أن مجموعي في الثانوية لم يكن يؤهلني للالتحاق إلا بمعه
يُضيف سليم أنه دائما ما كان يشعر بعدم الرغبة في فعل شيء، سواء العمل أو الدراسة أو الزواج، يشعر وكأنه ليس كسائر إخوته وأبناء عمومته، الذين سافروا للدراسة والعمل في العاصمة، وعادوا إلى البلدة ليتزوجوا ويفتحوا بيوتا ويُنجبوا أطفالا، وهو فقط يقف مشاهدا حينا ومنبهرا حينا آخر بقدرتهم على النجاح والإنجاز، ما تسبَّب في أنه خلق حالة من الخيال الخصب يعيش داخلها لحظات انتصاره.
استُخدم مصطلح “الوالد الهليكوبتر” لأول مرة في كتاب الدكتور هايم جينوت عام 1969 الذي حمل عنوان “بين الآباء والمراهقين”. تحدَّث جينوت إلى مراهق قارن والدته بطائرة هليكوبتر وقال إنه سئم من “ضجيجها وهوائها الحار”. لاحقا، أصبح هذا المصطلح يُستخدم في وصف الآباء والأمهات الذين يُحاصرون أطفالهم بالحماية الزائدة أو يتحكمون أو يتدخلون بسرعة نيابة عن طفلهم.(2) وجود أبوين يؤديان دورهما في حماية طفلهما هو أمر بالغ الأهمية لبقاء الطفل على قيد الحياة، خاصة عندما تحتوي التجربة المعيشية اليومية على مخاطر عالية. ولكن في منزل عادي خالٍ من الظروف الخطيرة، فإن التركيز حصريا على الحماية دون المرونة يُهدد نمو الأطفال.(3)
عندما يكبر الطفل ويصل إلى مرحلة الدراسة الثانوية، يراقب أولياء الأمور الهليكوبتر درجاته من كثب، ويتخذون إجراء عندما يرون درجة لا يحبونها. قد يبدأون في المساعدة في أداء الواجبات المدرسية، أو حتى قد يذهبون إلى المُدرِّس أو مدير المدرسة لمطالبتهم بإعادة النظر في الدرجة. إذا وصل الأبناء إلى مرحلة الدراسة الجامعية فقد يجدون أن والديهم الهليكوبتر يلعبون دورا نشطا أيضا في حياتهم داخل الحرم الجامعي.
هناك العديد من الأسباب التي قد تقف وراء اختيار الآباء لنهج الحماية الزائدة في التربية، ومنها أن هؤلاء الآباء يكونون في الأغلب قلقين ومنشغلين بالمخاطر. أشارت الدراسات إلى أن الآباء الذين يعانون من اضطراب القلق أكثر احتمالية لاتباع نهج التربية هذا.(4) سبب آخر للحماية الزائدة من الآباء تجاه أطفالهم هو سيل المعلومات والأخبار السلبية والحوادث الذي أصبح في متناولنا طوال الوقت. صحيح أن الحماية الزائدة موجودة في كل جيل، لكن هناك اتجاه نحو تزايد هذا النهج في السنوات الأخيرة، بسبب كون وسائل الإعلام الإخبارية متاحة طوال الوقت. من خلال انتشار استخدام الإنترنت والهواتف الذكية، أصبح الكثير من الآباء يوقنون بأن العالم من حولهم أخطر بكثير مما هو عليه في الواقع، وأصبح كل اعتداء على طفل يبدو وكأنه تهديد شخصي.(5)
أيضا غالبا ما يُظهر آباء الأطفال الذين يُعانون من مرض مزمن أو إعاقات جسدية أو أي ضعف سلوكا مفرطا في الحماية والسيطرة. يعتقد هؤلاء الآباء، وخاصة الأمهات، أن أطفالهم أكثر عرضة للخطر، ويحتاجون إلى مزيد من الحماية.(6) كذلك يمكن أن تنشأ الحماية المفرطة من الوالدين تجاه أطفالهم في أعقاب الكوارث الطبيعية أو التي من صنع الإنسان، خاصة إذا أصبح الوالد بعدها يُعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، مثلا إذا استطاعت أسرة النجاة من حريق كبير حدث في منزلها، فقد يصاب الوالدان بالخوف من الحرائق المستقبلية ويتبعون سلوكا مفرطا في حماية أطفالهم.(7)
الآثار السلبية لطريقة الحماية الزائدة في تربية الأطفال
“كنت ولدا وحيدا أتى لأبيه، الذي كان يرغب في إنجاب ذكر بعد ثلاث بنات، والدي لديه أصول صعيدية، جعلت أمنية إنجاب الطفل الذكر حيّة في قلبه وعقله طوال الوقت، لكنه لم يضعها أبدا موضع التنفيذ، لم يتحدَّ القدر بالمزيد من الإنجاب، فهو يحيا في العاصمة طوال حياته، وهذه الحياة فرضت عليه العديد من القيود الاقتصادية والاجتماعية، التي جعلته يُدرك أنه لن يقوى على أكثر من تربية ورعاية البنات الثلاث فقط. لكن شاء القدر بعد سنوات عشر من التوقف عن الإنجاب أن يأتي الطفل الذكر دون تخطيط أو قصد”. هكذا بدأ أكمل، اسم مستعار، الشاب الثلاثيني، حديثه مع “ميدان”.
يُضيف أكمل قائلا: “أصبح والدي يخشى عليّ من الهواء، يُدللني بمقدار ما يستطيع، وأحيانا فوق طاقته، لا يرفض لي طلبا أبدا، ولا يتركني أواجه أي شيء بمفردي. لا أُدينه أبدا، فقد كان يُحبني بما يفوق قدرة أي قلب غيره على المحبة، أوقن تماما أنه لم يكن يقصد إيذائي، لكن ما حدث للأسف هو أذى مُحقق. الآن أقف على أعتاب الثلاثين من عمري، أنهيت دراستي الجامعية في السابعة والعشرين، بعد تعثر شديد في الدراسة، والأمر ذاته يجري على كل شيء يتعلق بالخبرة في العمل أو الحياة، أقف متلعثما دوما”.
تُشير الدراسات إلى أن بعض التعرض للمخاطر والتجارب الصعبة يسمح للأطفال بالنضج وتطوير آليات التكيف لديهم، ويُضيف إليهم مفهوم المرونة ويسمح لهم بالتغلب على التعاسة والشدائد ومواجهة احتمالية الفشل والإخفاق في المستقبل. هذه المهارات لا يستطيع الأطفال الذين يتمتعون بحماية زائدة تطويرها، لأنهم يُوضعون في فقاعة بعيدا عن العالم الحقيقي لحمايتهم من الحقائق المؤلمة.(8) الأطفال الذين اعتادوا على أن والديهم يضعون الخطط ويحلون المشكلات ويتعاملون في كل شيء نيابة عنهم يُصبحون غير مستعدين للتعامل مع الحياة والأزمات التي قد تُلقيها في طريقهم. تنهار بسهولة مقاومتهم تحت ضغط التحديات الصغيرة والعقبات الرئيسية على حدٍّ سواء.(9)
كذلك توصَّل بحث نشرته جمعية علم النفس الأميركية إلى أن السيطرة المفرطة من جانب الآباء وتوفير الحماية الزائدة لأطفالهم يمكن أن تؤثر سلبا على قدرة الطفل على إدارة عواطفه وسلوكه. تؤكد الدراسة أن الأطفال الذين يتحكم فيهم والداهم بإفراط قد يكافحون لاحقا للتكيف في المدرسة والبيئات الاجتماعية. تقول نيكول بي بيري، الحاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة مينيسوتا، والمؤلفة الرئيسية للدراسة: “الأطفال الذين لا يستطيعون تنظيم عواطفهم وسلوكهم بفعالية هم أكثر عُرضة لمواجهة الصعوبات في الفصل الدراسي، فهم يواجهون صعوبة في تكوين صداقات، ويواجهون صعوبة في المدرسة عموما”.
وجد الباحثون أن الإفراط في السيطرة والحماية الأبوية تجاه طفل في الثانية من عمره قد ارتبط بضعف التنظيم العاطفي والسلوكي في سن الخامسة. كلما زاد التنظيم العاطفي للطفل في سن الخامسة، قلَّ احتمال تعرُّضه لمشكلات عاطفية، وزادت احتمالية امتلاكه لمهارات اجتماعية أفضل للتواصل مع الآخرين وزيادة تحصيله وإنتاجيته في المدرسة في سن العاشرة. توضح بيري: “الأطفال الذين طوَّروا القدرة على تهدئة أنفسهم بفعالية أثناء المواقف العصيبة وتمرنوا على التصرف بشكل مناسب كان لديهم قدرة أفضل على التكيف مع المتطلبات متزايدة الصعوبة لبيئات المدارس قبل المراهقة”.(10)
أيضا توصلت الدراسات إلى أن الأطفال الذين فُرض عليهم أسلوب الحماية الزائدة في التربية قد يُصبحون أكثر عُرضة للإصابة باضطراب القلق العام (11)، حيث تنقل الحماية المفرطة للطفل إحساسا بأن العالم مكان خطير، وهو الأمر الذي يُعزز من الشعور بالقلق لديه ويمنعه من الانخراط في المواقف الاجتماعية، مما يحدّ من فرص الطفل في بناء الصداقات وتعلُّم التعامل مع الآخرين، وهو ما يؤدي بدوره إلى امتلاك مهارات اجتماعية أقل كفاءة. كل هذا يجعل الأطفال الذين تعرضوا لنهج الحماية الزائدة أكثر عُرضة للإصابة بالاكتئاب في مرحلة المراهقة.(12)
من نتائج الحماية المفرطة للطفل أيضا أن يخشى الطفل من ارتكاب الأخطاء، خوفا من الفشل أو الأذى أو الرفض، وقد يُصبح غير قادر على الخروج من منطقة الراحة الخاصة به لتجربة شيء جديد.(13) هؤلاء الأطفال أيضا يُصبح لديهم ثقة أقل في ذاتهم وقدرتهم على حل المشكلات اليومية. يعتمد إحساس الشخص بذاته وثقته بنفسه أو تقديره لها إلى حدٍّ كبير على كيفية تعامل الآخرين معه خلال التفاعلات الاجتماعية، والأطفال الذين يتعرضون للحماية الزائدة يتم إعطاؤهم باستمرار رسالة بأنهم غير قادرين أو ليسوا جيدين بما يكفي لإدارة الحياة بأنفسهم.(14) عدم الثقة هذا يترتب عليه أن يُصبح هؤلاء الأطفال هدفا سهلا للتنمر الذي قد يُعاني منه الطفل في المدرسة والشخص البالغ في الحياة.(15)
قد يكون الأكثر تعقيدا مما سبق هو ما أظهرته الدراسات من أن الحماية المفرطة للوالدين مرتبطة بالإصابة بالنرجسية عند بلوغ سن الرشد، يحدث هذا بسبب المستويات القصوى من الاستجابة والمساعدة والتدخل من الآباء الذين يُعلِّمون أطفالهم أنهم مهمون للغاية، وأنهم دائما يستحقون العناية والرعاية الدائمين والاهتمام المُكثف من الآخرين.(16)
كيف يُمكنك تعديل أسلوب الحماية الزائدة في التربية؟
إدراك مشكلات وسلبيات الحماية المفرطة هو نصف المعركة. النصف الآخر يتعلق بالبدء في تغيير أفكارك وسلوكياتك تجاه طفلك، هنا سيكون عليك منح طفلك مساحة أكبر لينضج بمفرده. استمع لطفلك وامنحه الوقت لمشاركة أفكاره وآرائه، دعه يعرف أن أفكاره تهمك. سيكون عليك أن تحافظ على خطوط الاتصال مفتوحة مع طفلك، بغض النظر عن عمره. كن منفتحا على الأفكار وعلى استعداد لسماع رغباته، حتى لو كانت مختلفة عن رغباتك.
إذا واجه طفلك تحديا، فلا تقفز سريعا وتُقدِّم المساعدة، بل دعه في البدء يحاول حل الأمر بنفسه. كن على استعداد للمساعدة إذا طلب ذلك، لكن لا تعرض المساعدة التي قد لا يحتاج إليها أو قد لا يريدها. لا تجعل طفلك يخاف من الخطأ أو يخشى الفشل، علِّمه أن كل خطأ هو فرصة للتعلم. دعه يعرف أنه يمكنه في كثير من الأحيان المحاولة مرة أخرى إذا لم يستطع فعل شيء ما بشكل صحيح في المرة الأولى.
إذا كان سبب تقديم الحماية الزائدة لطفلك هو مخاوفك وقلقك الشخصي، فسيكون عليك مواجهة قلقك ومحاولة السيطرة على خوفك من حدوث أشياء سيئة لطفلك، لا تدع مخاوفك تمنع طفلك من تجربة أشياء جديدة بمفرده. يجب أن يكون لديك ثقة كافية بأن طفلك سيعرف كيفية التعامل مع المواقف الخطرة المحتملة. أفضل شيء يمكنك القيام به هنا هو تسليحه بالمعرفة وتذكيره بتوخي الحذر.(2)
للتغلب على الأفكار التي تدفعك لنهج الحماية الزائدة، يُمكنك بدلا من التركيز على الحاضر أن تفكر في الآثار طويلة المدى المحتملة لتربية طفلك بهذه الطريقة. اسأل نفسك: هل أريد أن يعتمد طفلي دائما علي لإصلاح الأشياء، أم أريده أن يطور مهاراته الحياتية؟ إذا كان أطفالك يبلغون من العمر ما يكفي لفعل شيء ما بأنفسهم، فدعهم يقومون بالأمر وحارب رغبتك في التدخل. يمكن أن يشمل هذا أشياء صغيرة وبالغة البساطة مثل ربط أحذيتهم أو تنظيف غرفهم أو انتقاء ملابسهم. ولكنك لا تجد في نفسك القدرة على تركهم يفعلون حتى هذه الأشياء بمفردهم. يجب أخذ قرار بالتوقف عن هذا التدخل المُكثف، والسعي لتنفيذه، مع العلم أن الأمر لن يكون سهلا.
كذلك يُمكنك أن تُمرن طفلك على اتخاذ قرارات مناسبة لعمره بنفسه. اسمح لطفل في المرحلة الابتدائية باختيار هواياته المفضلة، واسمح للأطفال الأكبر سِنًّا باختيار الأصدقاء والأنشطة التي يريدون ممارستها. وإذا عانى طفلك من خلاف مع صديق أو زميل في المدرسة أو النادي، فلا تتدخل في الوسط أو تحاول الإصلاح. علِّم طفلك مهارات حل النزاع بنفسه واتركه يتدرب ويُطور هذه المهارة لديه.(17)
لكي تتمكن من فعل ما سبق، سيكون عليك أولا مُحاولة التخلص من الشعور بالذنب، الذي قد يُلاحقك ويُجبرك على تقديم الحماية الزائدة عن الحد للصغار، الشعور بالذنب من المشاعر السلبية التي قد تدفع العائلات إلى المبالغة في مساعدة وحماية وتوفير الرفاهية للأطفال. وهذا يمكن أن يجعل الطفل يشعر بأنه ضعيف أو أنه يحتاج إلى حماية إضافية من الأشياء الصعبة. التخلي عن هذا الشعور بالذنب يفعل أكثر من مجرد جعلك تشعر بتحسن، فهو يساعدك أيضا على منح طفلك فرصة لاكتشاف نقاط القوة التي تأتي من مواجهة التحديات، وهو ما يُمكِّنه من تحقيق الاستقلال، تعليم الأطفال الاستقلال هو أمر يستحق بذل الوقت والطاقة. الأطفال الذين لديهم فرص لتطوير المهارات لمواجهة التحديات سيكونون مستعدين للتغلب على المواقف الصعبة بثقة.
يُمكنك أيضا أن تحصل على الإلهام من الآخرين، تحدَّث إلى الآباء الآخرين في دائرة الأصدقاء أو المجتمع الذين يعجبك أسلوبهم في التربية. اطلب منهم أفكارهم وتبادل القصص معهم. لكن تذكر، لا يوجد نموذج موحَّد للوالد المثالي، ولا يوجد أسلوب واحد لتربية الأطفال هو الأفضل لجميع الأطفال في كل موقف.
وأخيرا، إذا كنت تواجه مشكلة كبيرة لا تستطيع التعامل معها بمفردك في الابتعاد عن طرق الحماية المفرطة، فاطلب المساعدة المتخصصة. يمكن أن يكون الحصول على العلاج المناسب طريقة رائعة لتحديد وفهم دوافعك الحقيقية التي تقف وراء حدوث سلوكيات الحماية الزائدة وإيجاد آليات أفضل للتعامل معها.(18)
———————————————————————–
المصادر:
1- 7 Signs You Might Be A Helicopter Parent
2- What to Know About Helicopter Parenting
4- The Parental Overprotection Scale: Associations with child and parental anxiety
5- The News Media on School Crime and Violence: Constructing Dangerousness and Fueling Fear
8- Stress and Coping in Childhood: The Parents’ Role
9- Towards an understanding of resilience and its relevance to medical training
10- Helicopter Parenting May Negatively Affect Children’s Emotional Well-Being, Behavior
11- Parental Overprotection and Metacognitions as Predictors of Worry and Anxiety
12- DOES “HOVERING” MATTER? HELICOPTER PARENTING AND ITS EFFECT ON WELL-BEING
13- Perceived parental bonding, fear of failure and stress during class presentations
14- What lies beneath: Parenting style and implicit self-esteem
15- Parenting behavior and the risk of becoming a victim and a bully/victim: A meta-analysis study
17- What Is Helicopter Parenting?
18- Overprotective Parents: How to Let Go and Raise Independent Kids