( التحرير الإقتصادي والانكماش ) .. تأثيرات الجمع بين السياستين المتناقضتين..!
تقرير | سنهوري عيسى
( التحرير الإقتصادي والانكماش ) .. تأثيرات الجمع بين السياستين المتناقضتين..!
تقرير | سنهوري عيسى
ظلت الحكومة السودانية منذ يناير 2020م وحتي الآن تطبق سياسة التحرير الإقتصادي وفقا لورشتات صندوق النقد الدولي القاسية برفع الدعم عن المحروقات والخبز والأدوية والسلع الأساسية وتعويم الجنيه السوداني وتحرير سعر صرفه في يوم واحد من (55) جنيه الي (375) جنيه وزيادة الأجور بنسبة (500%) الأمر انعكس سلباً على الاقتصاد السوداني ومعاش الناس
بارتفاع اسعار السلع والخدمات وزيادة معدلات الفقر والجريمة والتضخم والكساد بالاسواق، ودخول الاقتصاد السوداني مرحلة الركود التضخمي، كما طبقت الحكومة سياسة انكماشية حجمت بموجبها التمويل المصرفي وحظرت تمويل التجارة المحلية،. بجانب تحجيم الطلب على الاستيراد والنقد الأجنبي وضبط السيولة لكبح جماح التضخم الأمر الذي أدى إلى توقف النشاط
الاقتصادي والتجاري وشلل بالأسواق وكساد بجانب عجز المواطنين عن شراء احتياجاتهم وتراجع إيرادات الدولة وزيادة عجز الموازنة العامة للدولة الأمر الذي طرح أسئلة عديدة حائرة تبحث عن إجابة في مقدمتها.. ما تأثيرات الجمع بين سياستي التحرير الاقتصادي والانكماش المتناقضتين .. وهل هنالك مبرر للجمع بينهما .. وما المخرج من الكساد وضعف القدرة على الشراء لدي المواطنين …؟
الجمع بين السياستين المتناقضتين
ووصف خبراء اقتصاديون، الجمع بين سياستي التحرير الاقتصادي والانكماش المتناقضتين ، بأنه غير أن مبرر ، وانعكس سلباً على الاقتصاد السوداني ومعاش الناس، وأدي الي غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وزيادة معاناة المواطنين وارتفاع معدلات التضخم والفقر والبطالة والجريمة ، وتوقف قطاعات الإنتاج الزراعي والصناعي وضعف قدرة المواطنين على شراء احتياجاتهم وتراجع إيرادات الدولة وتفاقم الكساد الاقتصادي بالأسواق المحلية.
وأكد الخبراء أن الحل لتجاوز الوضع الاقتصادي الراهن يكمن في إعادة النظر في السياسات الاقتصادية وورشات صندوق النقد الدولي القاسية التي طبقت دفعة واحدة دون تدرج أو سياسات مصااحبة لامتصاص الصدمات والاثار السالبة لرفع الدعم عن السلع الأساسية وتعويم الجنيه السوداني، بجانب ضرورة توفر إرادة وطنية لتجاوز الوضع السياسي الراهن بتشكيل حكومة كفاءات وطنية لإدارة الفترة الانتقالية ومراجعة السياسات الاقتصادية الحالية التي أدت إلى دخول الاقتصاد السوداني مرحلة الركود التضخمي.
الجمع بين التحرير والانكماش
ويري دكتور محمد الناير الخبير الاقتصادي، أنه لا يعقل أن تلجأ دولة الي تطبيق سياستين متناقضتين في وقت واحد كما حدث في السودان بتطبيق الحكومة السودانية الي سياسة التحرير الإقتصادي وفقا لورشتات صندوق النقد الدولي القاسية برفع الدعم عن المحروقات والخبز والادوية والسلع الأساسية وتعويم الجنيه السوداني دفعة واحدة، وفي نفس الوقت تطبيق سياسة انكماشية بتحجيم التمويل المصرفي وتحجيم الاستيراد لخفض التضخم.
واضاف دكتور الناير: جمع الدولة بين النقيضين حالة شاذة جعلت الاقتصاد السوداني يصاب بحالة من الركود التضخمي، فتطبيق سياسة التحرير الإقتصادي برفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية ورفع الدولة يدها عن كل السلع جعل المواطن السوداني يواجه مصيره وزاد اسعار السلع ومعاناة المواطنين ، وفي نفس الوقت عمدت الدولة لتطبيق سياسة انكماشية ومنعت البنوك من التمويل وحجمت الاستيراد .
إعادة النظر في السياسات الحالية
ومضى دكتور الناير إلي القول بأن: الجمع بين السياستين المتناقضتين (التحرير الإقتصادي والانكماش) حالة صعبة فالتحرير الاقتصادي معه تحريك قطاعات الإنتاج، بينما الانكماش الاقتصادي يتطلب التدرج علي مراحل تتجه الدولة نحوها ، ولكن السياستين معا لا يتيسر تطبيقهما مع بعضهما البعض ، وعلي الدولة تغيير سياستها الحالية بما يحرك قطاعات الإنتاج
الحقيقي ويؤدي إلى تقليل تكاليف الإنتاج، فالاخطر الآن ارتفاع تكاليف الإنتاج بصورة غير مسبوقة نتيجة لتطبيق وصفات صندوق النقد الدولي القاسية والتى أدت إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وعزوف المنتجين عن الإنتاج، بجانب عزوف المستوردين عن الاستيراد.
ودعا دكتور الناير الحكومة السودانية، إلي إعادة النظر في السياسات الاقتصادية الحالية لتجاوز الوضع الاقتصادي الراهن.
عدم الاستقرار السياسي
وفي السياق ذاته يري دكتور صالح جبريل الخبير الاقتصادي ومدير بنك الاسرة، أن عدم الاستقرار السياسى يؤدي إلى عدم استقرار السياسات النقدية والاقتصادية.
واضاف : التضخم طبعا ليست دائما سيىء اذا وجه للإنتاج وخير مثال تركيا أعلى تضخم فى أوروبا لكن أعلى معدل نمو اقتصادي فى أوروبا والعالم، فالانتاجية للإنتاج بالقيمة المضافة من الأهمية بمكان مع مراجعة الضرائب فى كل المجالات، كما أن الأمر الهام فى إطار تخفيف الفقر مراجعة برامج الزكاة كمورد اقتصادي متجدد، والاهتمام بالمصارف التى تعنى بالشمول المالى والقطاع المصرفى فى عمومه.
الاقتصاد الحر أفضل
وأكد دكتور صالح جبريل، أن الاقتصاد الحر أفضل، لكن عندما تكون ليس لديك احتياطيات لابد تميل للانكماش.
واضاف : ارى ان الامر جزئي وهو بين وزارة المالية وبنك السودان للتحكم فى سعر الصرف حتى لايحدث انفلات ، ولولا الذهب بالرغم عدم التوظيف السليم لساء الوضع، فالاقتصاد هش لكن هذه التدابير جعلت سعر الصرف يستقر لحد ما، أما اذا حدث استقرار سياسى وفعلت السياسات يمكن للاقتصاد فى السودان ان ينطلق بحكم الموارد المتاحة
سياسات داعمة للتحرير
ونوه دكتور صالح جبريل الي ان التحرير الاقتصادى محتاج لسيارات داعمة من ضمنها الانتاج المصحوب بالقيمة المضافة.
واضاف: البلد تحتاج الي ارادة وادارة وطاقم وزراء لديه كفاءة ووطنية لتجاوز الوضع الراهن.
اختلالات هيكلية
وفي السياق نفسه يري دكتور هيثم محمد فتحي، ان الاقتصاد السوداني يعاني من اختلالات هيكلية مزمنة منذ أمد بعيد واضاف: مما لاشك فيه الازمات الاقتصادية قد استفحلت في ظل ازمات متكررة قديمة متجددة مع غياب الفكر التنموي في صياغة سياسات وبرامج ذات ابعاد ونظرة استراتيجية بعيدة المدي تضع في الاعتبار تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
ونوه هيثم، الي أن السودان لا يعاني مشكلة اقتصادية بمفهوم ندرة الموارد وعدم امكانيتها في تلبية الحاجات اذا كانت هذه الحاجات مرشدة حسب الاولويات.
واضاف: في تقديري سياسات التحرير تعتبر سياسات انكماشية بمعني إنها لا تساعد علي النمو الاقتصادي وينتج عنها ركود اقتصادي، ومن مظاهر الركود ارتفاع سعر الفائدة وزيادة الضرائب المباشرة كضربية الدخل الشخصي وضريبة ارباح الشركات وغير المباشرة كالرسوم والجبايات رسوم التسويق للمحاصيل، وكذلك زيادة الجمارك ورسوم الانتاج وزيادة الدولار الجمركي وارتفاع اسعار الوقود والمحروقات والكهرباء والمياه ويؤدي ذلك الي انخفاض وتطل الانتاج وذلك بعد ان خفضت الحكومة الدعم على الوقود والكهرباء.
ونوه دكتور هيثم محمد فتحي الي أن الصناعة والزراعة معا لا تعطيان سوي (55%) تقريبا من إجمالي الناتج المحلي والباقي يأتي من قطاع الخدمات ، أي أن الاقتصاد السوداني اقتصاد مكشوف قائم علي أسس غير ثابتة، ومعرض للكوارث والنكبات خاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة المتسمة بالتعقيد وعدم الاستقرار.
ضعف الاستثمارات الأجنبية
وأكد دكتور هيثم، أن الاقتصاد السوداني يعاني من ضعف الاستثمار الاجنبي وذلك لان جذب الاستثمار الاجنبي وتدفقات العملات الاجنبية غير وارد في ظل حكومة غيرة مستقرة وقوانين لم تنال ثقة احد والمناخ السياسي غير ملائم للاستثمار الاجنبي مع غياب الشفافية وحكم القانون والاستقرار السياسي وغياب البيئة الجاذبة للاستثمار.