الأخبارمقالات

الأزمة السياسية وضرورة الاقتداء بحكمة مانديلا وما جرى في سوق المجلد

الأزمة السياسية وضرورة الاقتداء بحكمة مانديلا وما جرى في سوق المجلد
 بقلم : صديق البادي
رئيس جمهورية جنوب افريقيا الراحل نلسون مانديلا كان مضرب المثل في التسامح والصفح وسعة الأفق والصدر والعفو عند المقدرة والتسامي على الجراحات الخاصة والظلم الذي وقع عليه شخصياً. وقد أمضى مانديلا سبعة وعشرين عاماً محتجزاً في السجون والمعتقلات وعانى الأمرين وصبر وتحمل الأذى ولم يذعن أو ينكسر لأنه إنسان صاحب قضية وكان يدافع عن قضايا وحقوق شعبه. وفي السجن كان أحد السجانين يعامله معاملة سيئة فظة فيها غلظة وقسوة وحقد مبالغ فيه وكان شرساً كأنه كلب عقور وبلغ به سوء الأدب وانحطاط الخلق أن مانديلا طلب منه أن يحضر له كوباً من الماء لأن العطش اشتد عليه واحضر السجان كوب الماء وقدمه له بعد أن تبول على رأسه إمعاناً في محاولة اذلاله والحط من قدره ودارت الايام دورتها والايام دول وخرج مانديلا محبوب الجماهير محمولاً على الاعناق مرفوع الرأس واجمع الشعب على انتخابه رئيساٍ للجمهورية بعد اجراء انتخابات حرة ونزيهة وأنهى دورة رئاسية نجح فيها نجاحاً باهراً وكان هو الرئيس المؤسس فعلا لا زيفاً وادعاءاً كاذباً وكان هناك اجماع على ضرورة انتخابه لدورة رئاسية ثانية ولكنه اعتذر رغبة منه في تبادل السلطة بطريقة سلسة ولم يتشبث بالسلطة ويصر على الاستمرار فيها حتى آخر رمق في حياته كما سعى لذلك بعض المتكالبين عليها والمتشبثين بها الذين اسقطوا بثورات شعبية عارمة وأصبح مانديلا اباً روحياً في جنوب افريقيا ورمزاً محترما على مستوى قارة افريقيا وخارجها. وعندما كان مانديلا رئيساً للجمهورية لم يطالب بالقبض على السجان اللئيم لينتقم منه ولكنه التقى به صدفة وخاف السجان واخذ يرتجف وظن أن مانديلا سينتقم منه ويطلب من الذين كانوا معه القبض عليه وضربه وركله وحبسه وتعذيبه ولكن الرئيس مانديلا سلم عليه بلطف وأجلسه قربه واكل معه في مائدة واحدة وعفا عنه وقدم له مساعدة واثار هذا اعجاب وتقدير الحاضرين ولم يكن هذا التصرف مستغرباً من الرئيس مانديلا الذي ظل يتعامل بنبل وقال لهم إن من يحقد وينتقم انتصاراً لذاته لا يرجى منه أن يقود امة والامم لا يمكن أن تبنى بتصفية الحسابات (وفش الغبائن) وحلمه وصفحه ينطبق عليه قول الكندي (ولا احمل الحقد القديم عليهم وان رئيس القوم لا يحمل الحقدا) وكان مانديلا كالاحنف بن قيس في حلمه وسعة صدره وفي ذات الوقت كان مناضلا قويا ذاق المرارات في السجون والمعتقلات ورجل دولة قوي عندما كان رئيساً للجمهورية. والقوة لها موضع والمرونة لها موضع. ولعل مانديلا بشخصيته المتوازنة كان يعمل بالمثل (لا تكن لينا فتعصر ولا تكن يابساً فتكسر) والسودان يمر الآن بأزمة مستحكمة وكثير من مكونات الساحة السياسية في حالة هياج وانفعالات زائدة ويحتاج الوضع الآن لتعقل وتصرف بهدوء وتوءدة بنفس طريقة مانديلا وتقتضي الضرورة تجنب خطاب الكراهية والشتائم والشحن العاطفي الذي يؤدي لمواجهات لا تحمد عقباها. وتستضيف الفضائيات الخارجية في الشأن السوداني محللين رصينين وآخرين مهرجين. وقد كثرت الوساطات الخارجية والداخلية لحل الازمة ونشكر كل الوسطاء على ما قاموا به من جهد مقدر.
وفي افريقيا تعقد اجتماعات في القرى تحت ظلال الاشجار للتشاور وحل ما اشكل عليهم ووصفت هذه بأنها ديمقراطية الشجرة. وقبل ربع قرن من الزمان شهدت في سوق مدينة المجلد انعقاد جلسة مفتوحة ارتادها عدد كبير وضمت مجلس اجاويد تصدره وسطاء حكماء وطرحت قضية بين طرفين متخاصمين حدثت بينهما اشتباكات وارتفعت الاصوات اثناء عرض القضية واخذت تهدأ بالتدريج حتى عم المكان هدوء شامل بسبب حكمة اولئك الوسطاء وكلامهم الطيب وتقريبهم للشقة بين الطرفين وتم الاتفاق أن يدفع المعتدي مبلغا ماليا تم تحديده للطرف المعتدى عليه الذي خفض المبلغ بمحض اختياره وصار هذا اتفاقاً ملزماً تقدمه لجنة الجودية للمحكمة الاهلية للتنفيذ مع وضع شرط جزائي بتغريم أية طرف خمسمائة ألف جنيه اذا اخل بالعهد واعتدى على الطرف الآخر وتصافى الطرفان وردد كل منهما (الخاين الله يخونو) هكذا حلت قضية كادت تؤدي لسفك دماء تمتد من الأسر الصغيرة للأسر الكبيرة الممتدة وخشوم البيوت وفروع القبيلة …. ونرجو أن تستمر الوساطات والوسطاء بتجرد تام وحياد اخلاقي دون ميل وهوى واسقاطات خاصة والامل لا زال قائما في الوصول لحلول مرضية (ولا زال في الكأس باق) كما يقول المتنبئ والمطلوب تهيئة الاجواء وعدم الهياج والصراخ وعدم قفل الشوارع وحرق اللساتك من جهة واستعمال الغازات المسيلة للدموع وغيرها من الطرف الآخر.. واذا تساءلنا هل ما جرى بعد بيان الخامس والعشرين من اكتوبر هو انقلاب عسكري ام انه اجراء يهدف لتصحيح المسار فإن المؤشرات تؤكد حتى الآن انه محاولة لاصلاح المسار واذا لم تحل الازمة وتفاقمت أكثر بسبب العناد والتمترس في موقف واحد فالمتوقع بل شبه المؤكد أن يتحول ذلك البيان لبيان انقلابي اول وتدق الموسيقى العسكرية ايذانا بقيام انقلاب عسكري كامل الدسم تباركه وتدعمه القوات المسلحة وكافة القوات النظامية وعندها سيردد الآخرون بعد فوات الاوان (الرماد كال حماد) ودكتور عبد الله حمدوك يمكن أن يكون من مفاتيح الحل اذا اتخذ القرار الصحيح وهو الآن في وضع لا يحسد عليه والمعروف أن (قحت) هي التي رشحته لموقع رئيس الوزراء ودعمته واحاطت به احاطة السوار بالمعصم واخذت تهتف له شكراً حمدوك قبل أن يباشر مهامه. والمتفق عليه الآن بالاجماع أن الاوضاع المتردية تقتضي تشكيل حكومة قوية تتكون من خبراء عمالقة اصحاب قدرات هائلة على العطاء والبلاء والحزم والعزم والمكون العسكري والكثيرون غيرهم لا يعترضون على تولي دكتور حمدوك رئاستها ولكن قحت لن ترضى أن يخلع حمدوك جلبابها الذي البسته له ويرتدي جلباباً مغايراً يلبسه له غيرهم وسينقلبون عليه ويعتبرونه خائناً وعدواً لدوداً لهم وسيسعى الشرسون منهم للانتقام منه. والعالم الخارجي والخواجات ومن يدورون في فلكهم تعاملوا مع حمدوك وحكومته بطريقة المقولة الشهيرة التي صحبت القرار العشوائي (يا عوض اقفل البلف) وقد قفل الخواجات وغيرهم البلف ولم يمنحوا حمدوك وحكومته الا الفتات ومع ذلك فهم يطالبون ببقائه لينفذ لهم سياساتهم ومخططاتهم. والحل يكمن في أن يكون دكتور عبد الله حمدوك جزءاً من المشهد ويتولى منصباً يخرجه من مأزقه ويزيل الحرج بينه وبين قحت من جهة ويرضى الخواجات ولو على مضض بتعيينه رئيساً للمجلس التشريعي الانتقالي عندما يتم تكوينه او تعيينه عضواً بمجلس السيادة بقرار استثنائي او اعتباره ممثلا لاقليم كردفان في المجلس. ويمكن تعيينه نائباً ثانيا لرئيس مجلس السيادة – وتكتمل هياكل الحكم بتكوين مجلس سيادة تعمد رئاسته للمكون العسكري وتكوين حكومة كفاءات قوية ومجلس تشريعي من الخبراء وبعد تكوينه لن تكون هناك حاجة لحاضنة سياسية – مع ضرورة اعادة تكوين المحكمة الدستورية التي حدث اختلال في ميزان العدالة بسبب غيابها او بالاحرى تغييبها المتعمد.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى