اعتيادية الزواج بين الملل والألفة
في الوقت الذي تصرح فيه الزوجة بأن زوجها قتل الأنوثة بداخلها والسعادة فأصبحت أيامها شبيهة ببعضها، لا شيء جديد مع الروتين المميت، يؤكد زوجها أن زوجته قضت على كل شيء متجدد في حياته، ودفنت مشاعره، حتى يئس من الزواج والحياة، كل ذلك يعود إلى تجربة الإحساس بالفتور الزوجي، والتي تعد من الأحاسيس النفسية الصعبة التي تشوب العلاقة بين الطرفين، وتتلاعب بين ضفتي الحياة الزوجية.. قد يتجاهلها أحد طرفي العلاقة ويقنع نفسه بأن حياته تسير على ما يرام، وقد يقع الآخر أسيرًا لمشاعر خارجية ينجذب إليها ويحرك بها أوتار حياته التي أصابها الركود لفترات.
وهذا الفتور يؤثر بشكل أعمق على نفسية الزوجين خاصة إن كانا في بداية حياتهما الزوجية، وغير مدركين بأنه إحساس طبيعي يمكن التغلب عليه، ولكن بمعالجته سريعًا، فالمرأة من وجهة نظرها ترى أن زوجها تغير، ولم يعد يحبها مثل فترة الخطبة، وتبدأ تطاردها الهواجس والوساوس، وينتابها الإحساس بالإحباط والفشل المرتقب، بسبب اختفاء كلمات الحب والإثراء وعبارات العشق والمجاملة التي كانت تسيطر على تصرفات كل واحد من أجل شد الطرف الآخر إليه أكثر، لكن ريثما يحدث الزواج تسقط الأقنعة، وتتحول تلك المشاعر إلى كبت في الصدور لا يحق أن يظهر للعيان إلا في المناسبات، وكأنها مساس بالكرامة واعتراف بالضعف.
مقالات ذات صلةفي ظل تلك الظروف المتغيرة يعمد الرجل إلى التشديد على حقوقه وتذكير المرأة بواجباتها حياله، من جهتها تظل تطالب بحقوقها ولا يشغلها أي شاغل سوى تذكير الزوج بواجباته حيالها ومدى تحقيقه لوعوده السالفة لها، فالمرأة في العصر الحالي تغيّرت نظرتها كثيرا للزواج مقارنة مع المرأة في زمن مضى، بحيث كانت لا تنتظر من الزواج سوى زوج ينفق عليها وتنجب منه الأولاد، ويختلف الأمر حاليا بحيث صارت تطلب زوجا أكثر حنانا وتفهما، وابداء لمشاعره.
و يعود السبب في كل ذلك إلى كثرة استعمال مواقع التواصل الاجتماعي بما تحويه من نفاق وهروب من الواقع ومجاملات كاذبة، فقد يجد بعضهم ضالته واشباع غريزته فيها، ولكنها وهمية وستؤدي الى روتين حياة هادم إن لم يتصرف الطرفان جيدا، وللأسف أصبح الحب في مجتمعاتنا يختصر في كبسة زر أو لمسة يد لهاتفك المحمول كي يقع نظرك على تلك الصورة الشاعرية التي التقطتها زوجة أمير من الأمراء أو رئيس من الرؤساء، وهي تمسك بيده وتبتسم له في لقطة حميمية موحية بخلفيات الثراء والرخاء، فتتنهد الواحدة منا في حسرة وتتمنى أن تكون هي بطلة الصورة أو تكون هي أميرة الحدث، وصاحبة السيارة المهداة من حبيبها، وخاتم الألماس المزين ليدها.
وهذا ما يؤكد أن التحولات التي اجتاحت العالم من حولنا أثرت بشكل أو بآخر على علاقاتنا الاجتماعية، وعلى الرغم من أن مجتمعاتنا الشرقية تتميز بدفء العواطف وحرارة المشاعر، إلاّ أن نسبة كبيرة منها أصبحت تعاني كالغرب من حالة الفتور، وباتت لغة المظاهر هي اللغة المعتمدة، وأصبحت هذه النماذج من البيوت تعرف ” ببيوت الثلج “…
وقد يرجع السبب في كل هذا أحيانا إلى وجود فارق كبير في السن بين الزوج والزوجة، بحيث يشعر الزوج أنه كبر على عدة أمور لاتزال مفضلة عند المرأة ما يجعلها تمّل زوجها أو على العكس، وكذا اختلاف المستوى الثقافي في كثير من الأحيان، وبمرور الوقت وبازدياد حجم المسؤولية التي تقع على عاتق كل منهما، تطفو المشاكل على الحياة الزوجية وتتسع تلك الفجوة بين الزوجين، وقد تتأزم الأوضاع وتؤدي إلى نفور الطرفين من بعضهما البعض والتزام الصمت أغلب الأحيان…هنا تكمن الخطورة في مسألة الملل الزوجي، فالصمت بين الطرفين يجعل الهوة النفسية تتراكم، ويتفاقم الإحساس باللا مبالاة، دون أن يصرح بذلك أي طرف للآخر، وتصبح الحياة بينهما وكأنها تحصيل حاصل، أو حياة زوجية تسير بقوة الدفع .
ومن خلال التجارب الميدانية وُجد أن أحد أبرز الدوافع الأساسية لوصول الزوجين إلى حالة الفتور هو عدم إيجاد صيغة للحوار بين الزوجين، وكأن الحديث عن الإحساس بالملل ” عيب”، على الرغم من كونه إحساساً طبيعياً، وهذا الصمت القاتل بين الزوجين قد يدفع بهما إلى هاوية العلاقات غير الشرعية، وخاصة لدى الأزواج كنوع من البديل التعويضي للملل في البيت، وقد تلجأ بعضهن الى علاقات خارج الزواج لكسر الروتين لأن الزوج غير موجود وهي بحاجة للعاطفة والمشاعر التي لا يلبيها الزوج.
وليست المشكلة في الإحساس بالملل الزوجي، وإنما تبقى الإشكالية في عدم قدرة البعض على التغلب على هذا الملل الذي يضرب أواصر الحياة الزوجية فيصل بها إلى هاوية الطلاق أحيانًا، بدل مصارحة الطرفان لبعضهما البعض عن السبب الذي أوصلهما لهذه الحالة، وغياب الحوار الصحي الذي يشكل أحد أهم أسباب حالة الملل الزوجي، فاذا تجاهل أحد الطرفين الآخر وغاب الحوار، زادت حدّة العلاقة وتوترها، وقد يصل الأمر إلى الأسوأ، والنتيجة حياة زوجية خالية من الهدوء، فالملل الزوجي يجعل القدرة النفسية على التجاوب تنقص ثم تنعدم بصورة تدريجية.
ولعل السبب في كل هذا أن كلا الزوجين يفتقد لكل ما هو جديد، إذ ينشغل كل منهما بمسؤولياته المتكررة؛ الرجل من عادته أن ينهمك في العمل بغرض تأمين الحاجات المادية للأسرة، أما المرأة فتنغمس بدورها في رعاية شؤون الأسرة، والتي تزداد بازدياد عدد الأطفال، لأن المرأة تعطي الأطفال كل الأهمية على حساب الزوج، وتمنح كل وقتها لهم، وهي تعتقد أنهم أولى بذلك من الزوج الذي قد يدخل في طي النسيان، وهذا الانهماك يحدث شرخا في الحياة الزوجية، فنجد الرجل يفضي بأسراره لرجل مثله، والشأن نفسه بالنسبة للمرأة، مما يجعلهما يعيشان وكأنهما غريبان عن بعضهما البعض، ما ينعكس على حالتهما النفسية ويجعل كل واحد يعيش في حالة من البرود والنفور تجاه الطرف الآخر.
وعادة ما يحدث الملل في الحياة أيضا بسبب نكدية أحد الطرفين، واختلاقه المتكرر للمشاكل داخل الأسرة، ولعل أكثرية المشاكل التي تنغص على الأسرة حياتها، وتعكر صفوها، هو عدم تغيير تفكير كل منهما للآخر للأمور المتناقضة أو المتعارضة التي تهم الأسرة، وبطريقة مقبولة ووسطية ترضي الطرفين، ولا يقتصر الأمر على حياة الأزواج فقط، بل يتعداها إلى الأبناء، حيث يزيد احتمال أن ينشأ الطفل في محيط أسري مشحون بالتوتر والاضطراب، وهو التحليل الذي نجد ما يطابقه في الواقع، فالأطفال يراقبون الأولياء ويقارنونهم بغيرهم، وهنا تكمن المصيبة؛ حيث يصل بهم الأمر إلى تمني العيش في كنف والدين متحابين، لذلك على الزوجين اظهار حبهما أمام أبنائهما لحمايتهم وخصوصا الإناث.
ولعل من الخطأ الفادح وضع اللوم على الزوجة واتهامها بأنها السبب الرئيسي في جعل سفينة الحياة الزوجية ترسى على مرفأ الملل، فلا يوجد شخص واحد مسؤول، بل كلاهما في نفس الخانة ولابد لأحدهما أن يبادر، ومن أراد تغيير الروتين فسيجد ألف فكرة وفكرة، لكنها تريد قرارا من كلا الزوجين أو بداية من أحدهما.
لدى على الطرفين السعي دائما وبجدية لإحداث التغيير في كل شيء؛ الكلام، الطعام، اللباس والعطر والمفاجآت السارة والهدايا البسيطة والاهتمام والاحتواء الذي يجسد حتى بالكلمة الدافئة التي من شأنها أن ترفع معنويات الطرف الآخر وتغير مشاعره، كما لابد أن يظهر كل طرف تفهمه واهتمامه بالطرف الآخر وميولاته، بحيث يحاول كل منهما تجنب المشاكل التي تهدد استقرار الأسرة، ويتم ذلك بمعالجة الأمر بالمرونة والحوار البناء وبإضفاء الرومانسية على الحياة الزوجية، من خلال بعض التصرفات التي قد تكون بسيطة، لكن لها تأثير واضح على كلا الطرفين، مثل تنظيم خرجات رفقة العائلة، أو جلسات خاصة يعبر فيها كل طرف على تمسكه بالآخر وحبه له، فخلف كل مشاعر فظة ستجدون مشاعر لينة.